بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

28 تشرين الثاني 2020 07:25ص الانقسام أو الحوار مع الصين؟

حجم الخط

لا يتفق الأميركيون على أي شيء في أيامنا هذه. ومع ذلك، نجدهم مجتمعين إلى حد كبير على اعتقادهم بأن الصين تمثل تحديا وجوديا لبلدهم والنظام الدولي الذي قادته لفترة طويلة. هذه التركيبة التي تتألف من الانقسام الداخلي وشيطنة الخارج هي التي جعلت التنافس الصيني الأميركي أمرا لا مفر منه على نحو متزايد ــ وربما كارثيا.

في السنوات الأخيرة، تغذت الانقسامات الداخلية في أميركا على وسائط التواصل الاجتماعي، التي تعمل، من خلال تقديم أكداس من المحتوى المفصل حسب الطلب للمستخدمين، على خلق "غرف صدى" تعزز معتقداتهم وقيمهم بدلا من امتحانها. وعندما تصل أفكار بديلة إلى غرف الصدى، فإنها لا تسلم من التشويه والتلطيخ. وإذا شَـكَّـك أحد داخل الغرفة في المعتقدات المشتركة، فإنه يجازف بأن يصبح منبوذا على الفور، أو بلغة معاصرة يصبح "محذوفا".

هذه الشيطنة الشديدة التفاعل للآراء المختلفة لا تعمل على تسطيح الخطاب وحسب؛ بل تؤدي أيضا إلى تضييق المسافة بين الخلاف والصراع ــ حتى الصراع العنيف. ويساعد الإحباط المنتشر على نطاق واسع إزاء فشل القادة في تحقيق العدالة، والأمن، وإتاحة الفرصة، في تعظيم حدة المخاطر.

بوسعنا أن نرى ذات الميول في النهج الذي تتبناه أميركا في التعامل مع الصين. على سبيل المثال، يذهب التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا بعنوان " عناصر التحدي الصيني " إلى تقديم الحزب الشيوعي الصيني على أنه "وغد شرير"، واصفا إياه بأنه "لا يقيد ذاته بأي احترام للحرية الفردية وحقوق الإنسان".

كما يؤجج التقرير المخاوف من "أهداف الصين الاستبدادية" المفترضة و"طموحات الهيمنة" التي تنطوي على رغبة في تشريب النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بنموذجها الاجتماعي والسياسي. ويوصي التقرير بأن تعمل الولايات المتحدة على بناء جبهة موحدة ضد الصين، من أجل تأمين "الحرية" للعالم ــ بالقوة العسكرية إذا لزم الأمر.

لم يمر أي من هذا دون أن يلاحظه أحد في الصين، التي كانت حريصة على إجراء تقييمها الخاص المعادي للولايات المتحدة. ويبدو من الواضح الآن من منظور قادة الصين ومواطنيها وشركاتها أن الولايات المتحدة، بعيدا عن كونها أرض الحرية والفرص، مجتمع شديد التفتت والانقسام، ومبتلى بالعنصرية الجهازية وفجوات التفاوت المتزايدة الاتساع، والافتقار إلى هدف مشترك ــ وهي العلل التي ظلت لفترة طويلة محتجبة خلف أوهام حول "الحلم الأميركي".

علاوة على ذلك، وبعيدا عن كونها نموذجا مثاليا للديمقراطية، يحكم الولايات المتحدة نظام سياسي شديد التشوه. ومن الواضح أن مؤسساتها، بما في ذلك المجمع الانتخابي، ومجلس الشيوخ، والمحكمة العليا، وممارسات مثل التلاعب بالدوائر الانتخابية، والتخفيض الاستراتيجي لأماكن الاقتراع، وقواعد التحقق من هويات الناخبين المرهقة، تعني أن الأغلبية لا تحكم دائما. كما يشترى المانحون الأثرياء النفوذ، سواء من خلال تمويل الحملات الانتخابية أو شراء وسائل الإعلام.

بينما نبذت الصين الأوهام التي طالما راودتها حول الولايات المتحدة، تضاءلت آمالها في إقامة علاقة ثنائية بنّـاءة. من المؤكد أن الرئيس المنتخب جو بايدن من غير المرجح أن يدعم الهجمات المفاجئة، والتراجعات، والقرارات المربكة، وشبه الإخفاقات التي صممها الرئيس دونالد ترمب. لكن الحد من الفوضى لا يعني بالضرورة انحسار النزوع إلى المجابهة: فقد وصف بايدن الرئيس الصيني شي جين بينج بأنه "سفاح" وتعهد بقيادة حملة منسقة "للضغط على الصين، وعزلها، وعقابها".

لذا، تستعد الصين للأسوأ. وقد يعني هذا استمرار الحرب التجارية التي شنها ترمب أو المزيد من توجيه أصابع الاتهام الفارغ الأحمق في ما يتصل بانتشار جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). بل قد يعني هذا توترات عسكرية تشمل تايوان وبحر الصين الجنوبي وحدود الصين الغربية.

لكن هذا لا يعني أن الصين قد تستسلم للانعزالية والشيطنة على الطريقة الأميركية. بل على العكس من ذلك، وعلى الرغم من تكتيكات "المحارب الذئب" الخرقاء التي يتبناها بعض الدبلوماسيين، اتخذت الصين خطوات مهمة لتعزيز التعاون الدولي في مجالات رئيسية ذات اهتمام مشترك. على سبيل المثال، في ما يتصل بتغير المناخ، تعهد شي في الأمم المتحدة بالوصول إلى ذروة الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 والسعي إلى تحقيق هدف الحياد الكربوني قبل عام 2060.

في ما يتصل بالتجارة، وقعت الصين على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي تمثل البلدان الأعضاء الخمسة عشر المشاركة فيها 30% من البشرية. وما أدهش كثيرين في العالم حقا أن الصين أشارت أيضا إلى أنها ربما تنضم إلى الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي ظهرت بعد القرار الذي اتخذه ترمب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ الأصلية.

الواقع أن الولايات المتحدة ــ التي تكافح من أجل السيطرة على الجائحة، والتي يبدو الأمر وكأنها تتجه نحو ركود مزدوج ــ تُـحسِـن صنعا باتخاذ نهج مماثل. فالتجارة هي السبيل الوحيد للخروج من مأزقها الاقتصادي الحالي. ويشمل هذا التجارة مع الصين ــ الدولة صاحبة الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي تعافى من صدمة الجائحة، والوحيد الذي سجل نموا إيجابيا في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.

لكن هذا سيكون مستحيلا، ما دامت العلاقة الثنائية يهيمن عليها سوء الفهم، والعداء، والشك المتبادل. كما قال وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، تتمتع الولايات المتحدة باثنين من ضروب القوة الأساسية: قوة الإلهام وقوة الترهيب. وفي التعامل مع الصين ــ القوة الاقتصادية التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة ــ لن يجدي الترهيب. فلن تذعن الصين وتخضع في ما يتصل بشؤونها الداخلية، مثل هونج كونج، وشينجيانج، وتايوان.

مع ذلك، لا يزال في الوقت متسع للولايات المتحدة لاستخدام قوة الإلهام لكي تُـظـهِـر أنها والصين من الممكن أن يصبحا شريكين متساويين في سلام، يعملان معا لمواجهة التحديات المشتركة. لا تخلو هذه الحتمية من بُـعد أخلاقي. الواقع أن العديد من المراقبين في الخارج، بما في ذلك الصينيين، لا يستطيعون أن يفهموا كيف سمحت الدولة الأكثر تقدما على المستوى التكنولوجي في العالم بموت أكثر من 260 ألف شخص بفيروس تمكنت بلدان أكثر فقرا بأشواط من مكافحته بنجاح بالاستعانة بتدابير بسيطة. لكي ينجح التعاون، يتعين على الولايات المتحدة أن تُـظـهِـر قدرتها على التفكير من منظور "نحن" وليس "أنا".

كما يشرح الحاخام جوناثان ساكس، فإن "العالم مقسم إلى أناس من أمثالنا وأناس ليسوا مثلنا، وهنا تُـهـدَر فكرة الصالح العام". إن التزام الصين الدائم بالتعددية يشير إلى أنها تدرك هذه الحقيقة. وقد حان الوقت الآن لأن تفعل الولايات المتحدة الشيء ذاته، وأن تتبنى الحوار المباشر الصادق حول القضايا التي تتطلب المشاركة البنّـاءة.

وتشكل رئاسة بايدن فرصة ذهبية لبدء هذه المحادثة الحاسمة. لكن الوقت يمثل عنصرا جوهريا هنا. فإذا بدأ بايدن ولايته باختيار الانقسام بدلا من الحوار، فسرعان ما يصبح تغيير المسار أمرا بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا.

المصدر: project syndicate

(ترجمة: مايسة كامل)