بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

29 آذار 2019 09:51ص بناء شراكة صينية أوروبية

حجم الخط

بروكسل ـ عند البحث عن رأس مال استثماري وصفقات تجارية مربحة، لا تأخذ حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المصالح الأوروبية المشتركة بعين الاعتبار. كان هذا هو الحال خاصة فيما يتعلق بالصين. ومع ذلك، فإن الدول الأعضاء التي تسعى إلى إقامة علاقة مع الصين تُعرض نفسها وبقية أوروبا للخطر.

صحيح أن محاولات تحديد موقف الاتحاد الأوروبي المشترك تجاه الصين كانت محدودة حتى الآن. بعد أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المستمرة والتهديدات التي تشكلها شركات التكنولوجيا الكبرى، لم يتمكن قادة الاتحاد الأوروبي من مناقشة العديد من القضايا المهمة الأخرى. ومع ذلك، تحسبا لقمة الاتحاد الأوروبي والصين في 9 أبريل / نيسان، اكتشف قادة الاتحاد الأوروبي استراتيجيات مشتركة مع الصين في الاجتماع الذي انعقد هذا الشهر في بروكسل، حيث سلطوا الضوء على مخاطر قرار الحكومة الإيطالية بتأييد مبادرة "الحزام و الطريق" (BRI) التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.

لم يلق هذا التحذير أي اهتمام. في اليوم التالي، رحبت الحكومة الائتلافية الشعبوية الإيطالية بالرئيس شي في روما ووقعت مذكرة تفاهم مع الصين، مما أدى إلى كسر قوانين دول الاتحاد الأوروبي. للأسف، لن يؤدي قرار إيطاليا بالمشاركة في مبادرة الحزام والطريق إلى تقويض التأثير الجماعي للاتحاد الأوروبي تجاه الصين فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى عقد اتفاقية غير مرحب بها بالنسبة للشعب الإيطالي.

إن اٍيطاليا ليست أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي توقع على برنامج الاستثمار في البنية التحتية الرائد في الصين؛ لكنها أكبر اقتصاد أوروبي وأول دولة من دول مجموعة السبع تقوم بذلك. ولا شك أن حركة الحكومة الإيطالية تمثل انقلابا على شي ونكسة لأوروبا. على كل حال، لا تُعد مبادرة الحزام والطريق مبادرة خيرية تم إطلاقها من أجل تحسين أوضاع البشرية. إنه برنامج للسياسة الخارجية مصمم بشكل واضح لتوسيع نفوذ الصين الاقتصادي والجغرافي على المستوى العالمي. ووفقا لمجلس الأمن القومي الأمريكي مؤخرًا، فإن الحكومة الإيطالية في طريقها لاعتماد "نهج الاستثمار الصيني الفعال" دون إعطاء أي فوائد "للشعب الإيطالي".

لم يكن توقيت زيارة شي في 22 و 24 مارس/ آذار من قبيل الصدفة. قبل التمديد الأخير لموعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان من المقرر أن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 29 مارس / آذار. وفي غضون ذلك حتى انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة في شهر مايو/ أيار، كانت قيادة الاتحاد الأوروبي مشتتة تمامًا. لا يمكن أن يكون هناك وقت أفضل لقيام شي بخداع الحكومات الأوروبية الضعيفة مع وعود بالاستثمار الصيني (أي الإقراض مع شروط عديدة).

لحسن الحظ، عكس الحكومة الإيطالية، اجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي جان كلود جونكر في لقائهم مع شي. مثل الزعماء الأوروبيين الآخرين الذين يتطلعون إلى الأمام، يُدرك شي أنه في عالم تُهيمن عليه القوى العظمى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، لن تزدهر أوروبا إلا إذا كانت دولها الأعضاء موحدة.

ومع ذلك، بدون وجود إستراتيجية واضحة على مستوى الاتحاد الأوروبي، ستظل أوروبا عرضة لتكتيكات "فرق تسُد" من قبل القوى العالمية، وسيُمنع الأوروبيون من التعبير عن رأيهم والدفاع عن مصالحهم. مثل روسيا، التي نجحت في تحويل الدول الأعضاء الفردية ضد بعضها البعض من خلال خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، ستتفاعل الصين بشكل ثنائي مع أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية. في أي من هذه المفاوضات، سيكون لها اليد العليا دائمًا.

تتمثل إحدى الحلول الممكنة التي اقترحها مفوض الاتحاد الأوروبي غونتر أوتينجر، في منح المفوضية الأوروبية حق النقض ضد أي استثمارات صينية في الاتحاد الأوروبي. يجب اعتماد هذه الفكرة، لأن القرارات الأحادية التي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي الفردية يمكن أن يكون لها آثارا أمنية واقتصادية بعيدة المدى على بقية أوروبا. علاوة على ذلك، فإن احتمالية اعتماد الحكومات الوطنية استراتيجياتهم الخاصة تُقوض جهود الاتحاد الأوروبي لإقامة علاقة أوثق مع الصين.

إن العلاقة القوية بين الاتحاد الأوروبي والصين يمكن أن يكون لها فوائد بعيدة المدى لجميع الأطراف. بالنسبة لأوروبا، يجب تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد من خلال العمل مع الصين لفتح اقتصادها، وتحسين سجل حقوق الإنسان لديها، والقضاء على الممارسات التجارية غير العادلة. إذا كان هناك شيء واحد يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الاتفاق عليه، فهو أن التعاون مع الصين يجب أن يسود وليس المواجهة.

في القمة القادمة بين الاتحاد الأوروبي والصين، سيكون عقد اتفاقية استثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين بحلول عام 2020 علامة إيجابية. يمكن أن يساعد عقد مثل هذا الاتفاق على فتح المزيد من القطاعات الاقتصادية في الصين أمام الشركات الأوروبية من خلال إزالة الحواجز أمام الوصول إلى الأسواق والحد من التمييز ضد المستثمرين الأجانب المباشرين. وبالمثل، تحتاج أوروبا إلى نهج مشترك لحماية بنيتها التحتية الحيوية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأجهزة 5G (التي تعد شركة هواوي أحد الموردين الرئيسيين لها).

كان الاتحاد الأوروبي بطيئًا للغاية في مواجهة التحديات التي تطرحها الصين الطموحة بشكل متزايد. ولكن إذا اتحدنا سوية، فلا يزال بإمكاننا بناء شراكة صينية أوروبية تخدم جميع مصالحنا في المستقبل.

المصدر: PS، موقع "اللواء"