بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

5 تموز 2019 12:02م المكسيك تخطئ في سياستها المتعلقة بالهجرة

حجم الخط
مكسيكو- في الشهر الماضي، أجبرت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المكسيك على الموافقة على اتخاذ "خطوات غير مسبوقة" للحد من الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر عبر حدودها. إن هذه الصفقة- التي سيُقَيَّم تنفيذها هذا الشهر- تبعث على الخزي للمكسيك والولايات المتحدة على حد سواء.

ولم ينشأ الخلاف حول الهجرة مع ترامب. إذ في صيف عام 2014، اتخذ الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، قرارا اتجاه تدفق عدد القاصرين، الذين كانوا يصلون إلى الحدود الأمريكية بدون مرافق، عن طريق مطالبة الرئيس المكسيكي آنذاك، إنريكو بينيا نييتو، بإرسال قوات إلى حدود المكسيك مع غواتيمالا لوقف التدفق. وامتثل بينيا للطلب، رغم أن المكسيك لم تتلق أي شيء في المقابل، وانخفض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود.

ولكن التوترات تصاعدت بشكل كبير في ظل إدارة ترامب، لأسباب ليس أقلها أنه بحلول أواخر عام 2017، ارتفع، مرة أخرى، عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الأمريكية بشكل صاروخي. وفي وقت مبكر من عام 2018، قيل أن الولايات المتحدة كانت تعتقل حوالي 50000 مهاجر- خاصة من أمريكا الوسطى، وكذلك من كوبا وإفريقيا– كل شهر، مقارنة بحوالي 20.000 مهاجر، خلال نفس المدة الزمنية، في الفترة ما بين 2015 و2016.

وبالكاد كان لمحاولات ترامب لإيجاد الحلول أي تأثير. ولا يزال الجدار الحدودي الموعود بعيدًا عن البناء. وقوبلت سياسته المتمثلة في فصل الأطفال المهاجرين عن آبائهم على الحدود، بعنف شديد لدرجة أنه اضطر إلى تغييرها، مع أنه لازال يُحتفظ بالأطفال في ظروف مروعة. وأثبتت عمليات الترحيل الجماعي أنها رادع ضعيف أيضًا.

وبالنسبة لرئيس فاز بمنصبه إلى حد ما على أساس الوعد بالحد من الهجرة بأي ثمن، فإن ذلك كان مؤلمًا جدا. ولكن الأمر أصبح لا يطاق حقًا هذا العام، عندما ارتفع عدد الوافدين الجدد مرة أخرى، حيث واجهت السلطات الأمريكية، في شهر مايو فقط، أكثر من 144000 مهاجر، أو ألقت القبض عليهمعلى الحدود المكسيكية، وهذا ارتفاع بنسبة 32٪ عن شهر أبريل.

وتشير أصابع الاتهام بهذا الارتفاع جزئياً إلى الرئيس المكسيكي الجديد، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي أعلن قبل توليه لمنصبه في ديسمبر الماضي، أنه سيتبع سياسة "فتح الذراعين" للمهاجرين، بما في ذلك التأشيرات الإنسانية المعجّلة التي تدوم عاماً كاملاً، والحركة غير المعرقلة بالفعل في البلد. وعلى الرغم من إصدار عدد قليل من التأشيرات، إلا أن الوعد كان كافياً لإقناع عشرات الآلاف من مواطني الهندوراس، والسلفادوريين، والغواتيماليين، والكوبيين وغيرهم، بالتوجه إلى المكسيك- ثم التوجه شمالًا.

وحتى قبل تنصيبأندريس مانويل، كان ترامب يضغط عليه لبذل المزيد من الجهود لدعم الولايات المتحدة في حربها على الهجرة. وبموجب اتفاق "البقاء في المكسيك"- المبرمفي نوفمبر 2018 بين إدارة ترامب وحكومةأندريس مانويل المقبلة آنذاك– كان سيتم إعادة طالبي اللجوء من أمريكا الوسطى الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة إلى المكسيك، في انتظار سماعهم أمام مسؤول أمريكي.

ولكن أكثر من 15000 من طالبي اللجوء الذين أعيدوا إلى المكسيك في الفترة ما بين يناير ومايو من هذا العام، وإلغاء المكسيك في يناير لبرنامجها للتأشيرة الإنسانية، لم يكن كافياً بالنسبة لترامب. إذ مع حلول شهر مايو، كان ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 5٪ على جميع الواردات من المكسيك- لترتفع إلى 25٪ بحلول شهر أكتوبر- إذا لم تفعل حكومة أندريس مانويل المزيد. وفي وقت مبكر من الشهر الماضي، وافقت المكسيك على جميع مطالب ترامب تقريبًا.

واتخذت إدارةأندريس مانويل بالفعلخطوات مهمة لإرضاء ترامب. إذ نشرت المكسيك6000 من قوات الحرس الوطني في 11 "نقطة اختناق" بالقرب من الحدود مع غواتيمالا، من أجل احتجاز أكبر عدد ممكن من المهاجرين، وترحيلهم في نهاية المطاف. وأرسلت 15000 جندي آخرين إلى الحدود الشمالية، لردع المهاجرين الذين نجحوا إلى حد كبير، في دخول الولايات المتحدة دون الوثائق المناسبة.

كما فتحت حكومةأندريسنقطتي دخول إضافيتين على الأقل- مما مجموعه خمسة– التي يمكن للسلطات الأمريكية أن تعيد عبرها طالبي اللجوء، الذين ينتظرون جلسة الاستماع إليهم، وقررت قبول العديد من المهاجرين "العائدين" يوميًا، من حوالي 20 في كل نقطة دخول إلى 200. وتفيد التقارير أنه، إذا لم يحدث انخفاض كبير في معدل الهجرة، في غضون 45 يومًا، فسوف تقبل وضع "دولة ثالثة آمنة"، أي أنه سيسمح لمهاجري أمريكا الوسطى في المكسيك، بطلب اللجوء في تلك الدولة فقط- وليس في الولايات المتحدة.

وانتقد العديد من المراقبين في المكسيك، بما فيهم أعضاء الائتلاف الحاكم، تصرفاتأندريس، بحجة أنه كان من الأفضل أن يقبل رفع التعريفة الجمركية بنسبة ٪، بل أن يقبل حتى الخيار الثاني. و يؤكدون أنه في آخر المطاف، ربما قد تجبر المعارضة الشديدة داخل الولايات المتحدة ترامب على التراجع. وكان من الممكن للمكسيك أن تدعم ذلك، عن طريق فرض تعريفات انتقامية على الصادرات من الولايات الأمريكية المنتقاة والحساسة على مستوى الانتخابات. وكان من الممكن أن تستأنف قرار التعريفة الأمريكية في منظمة التجارة العالمية.

ولم تكن لتكون أي من هذه الإجراءات خالية من الألم. ولكن التكاليف كانت ستكون أقل من التكلفة السياسة الحالية، والتي وجهت، من بين أشياء أخرى، ضربة قوية لحقوق الإنسان في المكسيك.

ولا تعرف قوات الأمن المكسيكية كيفية استجواب المهاجرين، أو تحديد وضعهم القانوني مع احترام حقوقهم الأساسية. وفي أخر المطاف، قد يكون من الصعب للغاية التمييز بين السكان المحليين والمهاجرين من أمريكا الوسطى. وبينما وافقت شركات الحافلات الكبرى- مرة أخرى، بناءً على طلب من إدارة ترامب- على طلب بطاقة هوية من ركابها، تفتقر المكسيك إلى بطاقة هوية وطنية، كما أن مواطنيها ليسوا ملزمين قانونًيا بحمل أي مستندات. وهذا يضع الحكومة في إقليم قانوني مجهول.

وفضلا عن ذلك، ليست قوات الأمن المكسيكية مدربة على إدارة مراكز احتجاز المهاجرين بشكل فعال. وفي الواقع، فإن الظروف في تلك المراكز سيئة للغاية، لدرجة أنه يمكن مقارنتها بمعسكرات الاعتقال في فيشي في فرنسا، التي كانت تأوي لاجئين من أوروبا المحتلة، في أربعينيات القرن الماضي. وهذا أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً، وقد يكون له عواقب طويلة الأمد على المكسيكيين أنفسهم، لأن المكسيك هي أيضًا بلد مصدر للمهاجرين. ولا يمكن للمكسيك أن تشجب عمليات الترحيل الأمريكية للمكسيكيين غير المسجلين، أو أن تدين الجدار الحدودي لترامب، بينما تعامل المهاجرين من أمريكا الوسطى بطريقة سيئة للغاية.

وحاليا، على أية حال، فإن حكومة المكسيك عالقة في فخ ترامب. وإذا كانت ستخلص نفسها، فسيتعين عليها أن تبدأ المقاومة الآن.

المصدر: Project Syndicate