بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

20 شباط 2019 11:01ص باكستان وشبابها الإقتصادي

حجم الخط

اسلام أباد — في العام الماضي، شهدت باكستان ثاني انتقال ديمقراطي ناجح في تاريخها الذي امتد 71 عاما حتى الآن، حيث تولى رئيس الوزراء عمران خان منصبه بعد فوز حزبه في الانتخابات العامة استنادا إلى شعار مكافحة الفساد. ويعلق المراقبون آمالا كبرى على الإدارة الجديدة، التي تبدو على استعداد للعمل مع التكنوقراط وأحزاب المعارضة في التصدي للتحديات العديدة التي تواجه باكستان.

لكن الحكومة تواجه أجندة اقتصادية مثبطة للهمم. فبالإضافة إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي، يتعين عليها أن تعكف على وضع خطة جريئة لتحقيق النمو الشامل والمستدام للأمد البعيد.

الواقع أن الوضع الحالي ليس مشجعا على الإطلاق. فقد سجلت احتياطيات النقد الأجنبي هبوطا حادا في عام 2018 مع ركود الصادرات وارتفاع الواردات بسرعة. فضلا عن ذلك، اضطرت الحكومة إلى الاقتراض بكثافة لتمويل العجز المالي المتنامي، والذي نتج جزئيا عن خسائر شركات القطاع العام وشركات الطاقة. وليس من المستغرب أن تنخفض قيمة الروبية الباكستانية وتتجه معدلات التضخم إلى الارتفاع. ومن المتوقع في ظل السياسة النقدية الأكثر إحكاما، وانخفاض الإنفاق على التنمية من قِبَل القطاع العام والذي يعمل أيضا على تثبيط الطلب، أن يهبط نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى ما دون 5%. ومن المثير للقلق بنفس القدر أقساط الدين المستحقة السداد في هذا العام المالي.

على ضوء هذه التوقعات، تعمل الحكومة ببطء على إقناع عامة الناس بأن باكستان ستحتاج إلى عملية إنقاذ أخرى من قِبَل صندوق النقد الدولي. في الوقت ذاته، صعدت الحكومة جهودها الدبلوماسية لتأمين الدعم المالي للأمد القريب من الدول الصديقة. ويبدو أن هذا النهج بدأ يؤتي ثماره. فقد تلقت الحكومة مؤخرا 4 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما تنتظر قرضا بقيمة 2.5 مليار دولار من الصين. وقد يسمح هذا الدعم الثنائي لباكستان بالسعي إلى الحصول على حزمة أصغر كثيرا من المتوقع من صندوق النقد الدولي.

صحيح أن تأمين قروض جديدة لسداد القروض القديمة ليس سببا للاحتفال، وليس النموذج الاقتصادي الطويل الأجل هو الذي ينبغي للحكومات المنتخبة ديمقراطيا أن تعرضه على مواطنيها. ولكن في حين تولت الحكومة الحالية زمام السلطة قبل ستة أشهر فقط، فقد تلقت باكستان 21 حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي على مدار السنوات الستين الماضية. ومن الواضح أن المشاكل الاقتصادية التي تبتلي البلاد مزمنة وطويلة الأمد.

يتعين على الحكومة الجديدة أن تتخذ خطوات حاسمة نحو كسر هذه الحلقة من التبعية. وأظن أن خمسة تدابير أساسية من شأنها أن تحدث فارقا كبيرا.

بادئ ذي بدء، تحتاج السلطات إلى اجتذاب أفضل الناس للعمل في القطاع العام. في الوقت الحاضر، يفتقر موظفو الخدمة المدنية إلى التوجيه والتحفيز الاستراتيجي لتنفيذ خطط النهوض الاقتصادي، وتتسم الحوافز المستندة إلى الأداء بالضعف، كما تضيف طبقت متعددة من المساءلة إلى التصلب المؤسسي.

كما تحتاج باكستان إلى رؤية جريئة للنمو لتحل محل المزيج الحالي غير المتماسك من خطط التنمية الفيدرالية الخمسية واستراتيجيات النمو الإقليمي. والواقع أن مركز المشاريع الدولية الخاصة ساق حجة قوية لصالح خطة اقتصادية جديرة بالثقة تنطلق من القاعدة إلى القمة وتعمل على تعزيز الإنتاجية الزراعية، وتحسين القدرة التنافسية التصنيعية، ودعم الشركات البادئة في قطاع الخدمات.

تتمثل أولوية ثالثة في ضمان النمو الشامل والعادل والمستدام. وقد ساعد مشروع " اقتصاد الغد "، الذي يديره معهد سياسات التنمية المستدامة الذي يتخذ من باكستان مقرا له ــ حيث أعمل ــ ومؤسسة فريدريش إيبرت، في إبراز العديد من المتطلبات الأساسية في هذا الصدد.

وينبغي للسياسة المالية أن تكون تدرجية، على النحو الذي يعمل على تعزيز النمو العادل والمشاركة الاقتصادية من قِبَل شرائح المجتمع كافة. علاوة على ذلك، يجب أن تكون السياسة التجارية قادرة على مقاومة محاولات الاستيلاء من قِبَل النخبة ووضع رفاهة المستهلك في الحسبان. وينبغي لسياسات الطاقة، والمياه، والإدارة الحضرية أن تحترم الموارد الطبيعية والبيئة. وتشكل البيئة أهمية خاصة لأن باكستان تعاني بالفعل من آثار تغير المناخ في هيئة موجات جفاف متكررة تتسبب في تدهور البيئة.

رابعا، يتعين على الدولة أن تعمل على خلق الحيز الكافي لريادة الأعمال. ولأن 60% من سكان باكستان دون سن الخامسة والعشرين، فمن الواضح أن القطاع العام لا يستطيع استيعاب كل الوافدين الجدد على قوة العمل. ولعل الحل يكمن بدلا من ذلك في الشركات البادئة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. على سبيل المثال، أشار تقرير سابق صادر عن المجلس الثقافي البريطاني في باكستان إلى طفرة في الشركات البادئة في قطاعات متنوعة.

الآن، يسجل عدد رواد الأعمال بين شباب باكستان ارتفاعا ملحوظا، وليس فقط لأن أغلب سكان البلاد من الشباب. كما ساعدت الهجرة من الريف إلى الحضر، وجامعات القطاع العام الجديدة، والمؤسسات الحاضنة، ومبادرات التعجيل. وينبغي للسياسة الحكومية الآن أن تستهدف الحد من معدل الفشل بين الشركات البادئة وأن تساعدها في تحقيق النمو. كما يتعين عليها أن تعمل على ضمان توفير خيار الشركة البادئة للشباب ــ بما في ذلك النساء الشابات ــ من كل المناطق والخلفيات الاقتصادية، بما في ذلك من خلال إزالة الحواجز التي تحول دون الوصول إلى معلومات السوق والائتمان.

وأخيرا، ينبغي للحكومة أن تساعد في تحضير باكستان لتبني تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة الناشئة. وسوف تخلف، تطورات المستقبل في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والحوسبة السحابية، وسلسلة الكتل، والتكنولوجيا الحيوية، والواقع المعزز، أثرا اقتصاديا ضخما. وسوف يتطلب التكيف مع هذه التكنولوجيات خلق مبادرات حكومية جديدة وتحديث المناهج في الجامعات الباكستانية.

على الرغم من انشغال الحكومة الباكستانية الجديدة بالمشاكل الاقتصادية القصيرة الأجل، وهو أمر مفهوم، فإنها تحتاج أيضا إلى إرساء الأساس لنموذج اقتصادي أكثر شمولا واستدامة. وإذا نجحت في إنجاز هذه المهمة، فربما يتمكن الاقتصاد الباكستاني في نهاية المطاف من البدء في تلبية التطلعات المتزايدة الارتفاع من قِبَل سكان البلاد الشباب.

المصدر: PS، موقع "اللواء"