بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

15 أيار 2019 12:22م تحويل قانون الانترنت لسلاح

حجم الخط
لقد شاهد القادة السلطويون في العالم الاحتجاجات الشعبية وذلك من الثورات الملونة في الاتحاد السوفياتي السابق والى الربيع العربي وهي تتحدى سلطة نظراءهم مما جعلهم يتبنون اجراءات قانونية تستهدف إضعاف مجموعات العمل المدني بما في ذلك الحركات المؤيدة للديمقراطية ومنظمات حقوق الانسان غير الحكومية. إن من بين اهم تلك الاجراءات تمكين المسؤولين من مراقبة النشاطات التي يقوم بها النشطاء على الانترنت ومعاقبتهم عليها.
 
على الرغم من ان حملات القمع العلنية من قبل قوات الامن ما تزال مصدر للقلق البالغ، إلا أن الانظمة السلطوية قد بدأت وبشكل متزايد في السنوات الاخيرة بالاعتماد على ادوات قانونية وبيروقراطية من اجل إعاقة عمل المعارضين،  فعلى سبيل المثال هناك العديد من البلدان بما في ذلك كمبوديا والصين ومصر واثيوبيا والاردن وروسيا وتنزانيا وتايلند واوزبكستان وفنزويلا التي شددت من اجراءاتها المتعلقة بتسجيل المنظمات والتمويل الاجنبي والتجمعات العامة.
 لقد استغلت الحكومات السلطوية بشكل فضفاض القوانين الحالية التي تحرم الجرائم التي لا تحظى بتعريف واضح مثل التشهير والتحريض بالاضافة الى تشريعات مكافحة الإرهاب والان تقوم تلك الحكومات باضافة قوانين الانترنت الى إدوات القمع المتوفرة لديها.
بالطبع فلقد سنت معظم البلدان ولاسباب مشروعة القوانين للتعامل مع جرائم الانترنت وحماية الخصوصية والشفافية المالية على الانترنت ولكن الانظمة السلطوية عادة ما تصيغ تلك القوانين من إجل السيطرة على معارضيها وخاصة من خلال جعل صياغة تلك القوانين غامضة .
على سبيل المثال فإن تلك القوانين تحدد من يشكل تهديدا على الانترنت من خلال الاشارة الى مجموعات او افراد لديهم "نية خبيثة " او اولئك الذين يسعون "لمعارضة الدولة " أو "تعريض الامن القومي او الايدولوجية للخطر "أو تشوية المعلومات مما يتسبب في ذعر عام " أو "الدعوة للمثلية الجنسية " أو " تأسيس حركات اجتماعية معادية للدولة ". ان مثل هذه التعريفات العريضة تمكن السلطويين فعليا من تصوير اي معارض على انه تهديد امني مما يعطي الحجة –وحتى حشد الدعم الشعبي – للقمع.
إن هناك العديد من الامثلة على ذلك في منطقة جنوب شرق آسيا فهناك اشكال مختلفة من السلطوية السائدة في سبع من دول رابطة دول جنوب شرق آسيا : الديمقراطية غير الحقيقية (كمبوديا وسنغافوره وماينمار ) وحكم الحزب الواحد (لاوس وفيتنام ) والملكية المطلقة (بروناي) والحكومة العسكرية (تايلند) وحتى سنة 2018 كانت ماليزيا ضمن تصنيف الديمقراطية غير الحقيقية.
 
لقد عززت تلك البلدان خلال العقد الماضي من تشريعاتها التي تهدف لخنق المعارضة وذلك من خلال القوانين المتعلقة بالكمبيوتر وامن الانترنت وكل تلك القوانين تتبع نص مشابه. ان قانون الانترنت في كمبوديا والذي يتم تطبيقه من قبل وحدة جديدة لجرائم الانترنت يستخدم نصوص غامضة من اجل تسهيل قمع حرية التعبير وفي سنغافورة فإن هذه المهمة تقع على عاتق قانون قواعد استخدام الانترنت والقانون الاخير المتعلق بالحماية من التزييف والتلاعب على الانترنت وفي ماينمار يتم ذلك من خلال مدونة قواعد الانترنت لعام 2000 والتي تجرم التشهير على الانترنت وقانون المعاملات الالكترونية لسنة 2004 والمعدل سنة 2013 والذي يفرض عقوبات مشددة على قائمة طويلة من المخالفات الضبابية .
وبنفس الطريقة فإن القوانين التي من المفترض ان تهدف الى منع نشر المعلومات المزيفة – مثل المادة 65 من القانون الجزائي في لاوس- يتم استخدامها ضد المعارضين وخلال الحملة الانتخابية لسنة 2018 في ماليزيا ، سن الحزب الحاكم قانون مكافحة الاخبار المزيفة من اجل إضعاف المعارضة والتي فازت بالانتخابات على الرغم من ذلك.
إن من العناصر المهمة لاستراتيجيات الانترنت القمعية تلك التوسع في المراقبة .لقد سنت تايلند مؤخرا قانون امن الانترنت والذي يكمل قانون جرائم الانترنت لسنة 2007 والمعدل سنة 2016 وهذا القانون يخول الدولة التوسع في المراقبة وتعزيز قبضتها ضد هجمات الانترنت والتي تم تعريفها بشكل غامض. ان هناك تقارير بإن الحكومة التايلندية – مثل حكومات اذربيجان وماليزيا والمغرب وقطر – قد اشترت برامج للتجسس من شركات بما في ذلك شركة هاكنغ تيم في ايطاليا والتي تسمح لها بإختراق اجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة وحتى انظمة تحديد المواقع الخاصة بالمواطنين .
إن متطلبات توطين البيانات –والتي تجبر الشركات التقنية على تخزين بيانات مواطنيها على خوادم رقمية محلية – تسهل من تلك الجهود . لقد قامت فيتنام – والصين ونيجيريا والباكستان وروسيا- مؤخرا بفرض مثل تلك المتطلبات وذلك بزعم منع سرقة البيانات ولكن ابقاء البيانات ضمن البلد يسمح للحكومات كذلك بالتحكم بها .
أن قانون امن الانترنت في فيتنام والذي دخل حيز التنفيذ في يناير يسمح للحكومات بالوصول لبيانات التواصل الاجتماعي المخزنة محليا وازالة المحتوى الذي يعتبر معارضا للدولة ولقد اضافت الصين بامكانياتها الكبيرة بعدا آخر لذلك بحيث تستخدم الذكاء الصناعي المتقدم في تحليل البيانات المتدفقة مما يمكنها من مراقبة مواطنيها.
بالاضافة الى القمع القانوني فإن استخدام مقاطع فيديو مزيفة وجيوش التصيد الالكتروني يساعد الحكومات على نشر اجندتها وتشوية سمعة النشطاء. ان اولئك الذين ينخرطون في أنشطة التصيد الالكتروني في تايلند والفلبين وفيتنام يتنمرون من خلال الانترنت على المعارضين بشكل منهجي .
إن النشطاء في جنوب شرق اسيا وفي الدول السلطوية حول العالم يشعرون بتأثيرات تلك المبادرات.  لقد تم استخدام قانون الاتصالات ووسائل الاعلام المتعددة في ماليزيا من اجل مقاضاة الافراد بسبب انتقادهم للسلطات او الملكية في 38 قضية على اقل تقدير سنة 2017 وفي ماينمار فإن هناك اكثر من 100 قضية تم تحويلها للمحاكم بموجب قانون الاتصالات منذ سنة 2013 وفي سنة 2016 وحدها تم مقاضاة 54 شخص وسجن 8 اشخاص بتهمة المعارضة من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي .
لقد سجنت الطغمة العسكرية في تايلند عشرات المواطنين بتهمة تبادل معلومات حساسة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومع اقتراب موعد الانتخابات لسنة 2019 استخدمت قانون جرائم الكمبيوتر من اجل توجيه تهم لا اساس لها من الصحة ضد احزاب المعارضة مع غض البصر عن الاخبار المزيفة التي تبثها اجهزة التصيد الالكتروني التي تعمل لديها وفي فيتنام والتي تم فيها توجيه تهم لمئات المعارضين في 2017-2018 بتهم مزعومة تتعلق بالانشطة ضد الدولة من خلال الانترنت وغيره فإن قانون جرائم الانترنت الجديد سيجعل الامور اسوأ بكثير.
بالنسبة للنشطاء فإن مواجهة قوانين الانترنت الظلامية وغيرها من اشكال القمع الرقمي لن يكون سهلا لاسباب ليس أقلها هو ان هذا الموضوع ما يزال جديدا  ولكن هذا لم يمنع البعض من المحاولة وبالفعل فإن احتجاجات مثل تلك التي حصلت في كوريا الجنوبية حققت بعض النجاح في الحصول على المزيد من المراقبة القانونية كما بدأت العديد من مجموعات التعليم المدني بالترويج لمحو الامية الرقمية وذلك لمساعدة المواطنين على مراقبة انتهاكات قوانين الانترنت.
أما على المستوى العالمي فلقد بدأت شبكات الحث بمحاولة التأثير على الحكومات الديمقراطية والمنظمات الدولية من اجل الضغط على الأنظمة السلطوية ولكن هناك حاجة اوسع لرد عالمي منسق يستهدف حماية الفضاء المدني وفقط من خلال ضغط شعبي مستدام يمكننا ان نأمل بإقناع الانظمة السلطوية بمراجعة أو تغيير سياساتها المتعلقة بالانترنت.
 
المصدر: PS، موقع "اللواء"