بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

27 كانون الأول 2018 11:05ص ترامب الكارثة

حجم الخط

واشنطن- بالنسبة لأولئك الذين لم يدركوا الأمر بعد، فإن الآثار السلبية لانتخاب رئيس أميركي يزدري آراء الخبراء، متهور، كذاب، بليد، مضطرب، جاهل، غير مؤهل، متعصب، فاسد، ومفاوض ضعيف أصبحت واضحة للغاية في الأيام الأخيرة. وقد أثارت ثلاثة تطورات كبيرة من يوم الأربعاء الماضي حتى يوم السبت غضب أنصار دونالد ترامب الجمهوريين، الذين أدركوا في النهاية الآثار السلبية لأفعال ترامب، والتي تتمثل في خفض الضرائب (على الأغنياء والشركات بشكل خاص) وتعيين اثنين من المحافظين في المحكمة العليا. واليوم، أصبح من الصعب تجاهل مخاطر وجود مثل هذا الشخص في المكتب البيضاوي.

كانت الأحداث الثلاثة الكبرى مثيرة للقلق بالنسبة للحزبين: فقد كانت مدمرة للمصالح الوطنية الأمريكية، وكان من الممكن تجنبها. ومما زاد الأمور سوءا، أنها جاءت في تتابع سريع، وخلقت الإحساس بأن رئاسة ترامب أصبحت خارجة عن السيطرة (عكس الإنذارات السابقة).

في صباح يوم الأربعاء 19 ديسمبر/ كانون الأول، أعلن ترامب في تغريدة له على تويتر سحب قواته بالكامل من الأراضي السورية، قائلاً: "ألحقنا الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا، والذي كان السبب الوحيد لوجودنا هناك". كان القرار مفاجئا للجميع باستثناء عدد قليل من المسؤولين الحكوميين - والذين حاولوا إقناعه بالعدول عن هذا القرار. لم يتم إخبار أو التشاور مع الأعضاء الرئيسيين في الكونجرس؛ ولا حلفاء أمريكا، الذي اعتمدت قواتهم على وجود الجيش الأمريكي. ببساطة، لا يجب اتخاذ قرارات رئيسية تتعلق بالسياسة الخارجية على هذا النحو: يتم التشاور مع الحلفاء سلفًا، كما يتم إبلاغ أعضاء الكونجرس قبل أي إعلان من هذا القبيل. تتعلق هذه الاحتياطات بأكثر من حسن السلوك: قد تستفيد الإدارة من بعض الدروس من خلال التشاور والإبلاغ.

تمت إدانة القرار على الفور وعلى نطاق واسع. وقال ليندسي غراهام، حليف ترامب في مجلس الشيوخ: "لقد تعرض تنظيم داعش لضربة موجعة ولكنه لم يهزم بعد. إذا تم اتخاذ قرار بسحب قواتنا في سوريا، سيزيد احتمال عودته بشكل كبير". إن الانسحاب على الفور يعني التخلي عن الأكراد، الذين كانت الولايات المتحدة تحميهم من تركيا، وقاموا بشن هجوم مشترك ضد تنظيم داعش. كما يترك الانسحاب سوريا تحت رحمة بشار الأسد وروسيا (حليفة الأسد) وإيران.

إن الزعيمان الأجنبيان الوحيدان اللذان رحبا بالقرار هما الزعيم التركي المستبد رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتبين في وقت لاحق أن أردوغان أقنع ترامب، الذي أعلن في وقت سابق عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، بالقيام بذلك). ثم جاءت الأنباء التي تفيد بأن ترامب قرر أيضًا - مرة أخرى دون مشاورات - سحب نصف القوات الأمريكية من أفغانستان، رغم أن الولايات المتحدة كانت في خضم المفاوضات مع طالبان.

وقد كان الإعلان عن الانسحاب المفاجئ من سوريا بمثابة صفعة مفاجئة لوزير الدفاع جيمس ماتيس، العضو الأكثر انضباطا واحتراما في حكومة ترامب، رغم أنه كان بعيدا عن هذه القضية. في يوم الخميس، أعلن ماتيس، الذي ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره الأمل الوحيد في كبح أخطر قرارات ترامب، بشكل مفاجئ عن تقديم استقالته من منصبه. وقد أوضح خطاب الاستقالة أنه لم يعترض فقط على قرار الانسحاب المتهور، بل على نمط السلوك: والذي يتمثل في ارتباك ترامب بين الحلفاء والمعارضين، واستعداده للتخلي عن الأصدقاء، مثل الأكراد، وتحطيم التحالفات، مثل حلف شمال الأطلسي. وأوضح أصدقاء ماتيس في مقابلات تلفزيونية أن أكثر ما أثار قلق جنرال القوات البحرية المتقاعد من مجموعة الأربع نجوم وخبير في الدفاع لم يقتصر على أنه لم يعد قادراً على التأثير على السياسة، ولكن أيضاً على اعتبار ما تبقى له في الحكومة سيكون بمثابة تأكيد سلطة ترامب، وهو المنصب الذي لم يعد يستطيع تحمله.

وقد أصدر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، بيانا بعد ظهر يوم الخميس، حيث قال اٍنه "حزين" بسبب رحيل ماتيس (ويعتقد الكثيرون أن ذلك دليل على قلق ماكونيل الخاص حول تأثير ترامب على الحزب الجمهوري). أعرب أعضاء الكونجرس عن خوفهم من رئاسة ترامب دون حواجز أو قيود.

لقد أصبحت قائمة المنسحبين من إدارة ترامب طويلة بشكل غير مسبوق. مع ذلك، فقد تم إجبار البعض للقيام بأعمال تنم عن الفساد (ولم يكن يجب تعيينهم في المقام الأول)، وتم طرد آخرين بسبب تحول ترامب ضدهم، وغادر بعضهم بسبب معاملة الرئيس السيئة، حيث يقوم بتوبيخ المرؤوسين بشكل مباشر ويهددهم بالتخلي عنهم. في البداية، كان يعامل ترامب ماتيس باحترام ومودة؛ لكنه تعب تدريجيا من اختلاف أعضاء مجلسه المتميزين مع سياساته المتهورة.

يعد ترامب متقلبا للغاية، حيث أعلن أن جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض وأقرب مستشاريه سيغادر منصبه نهاية العام الحالي. لملء الوظيفة، التي لم يكن أحد يريدها، قام ترامب بتعيين ميك مولاني، عضو مجلس النواب السابق المحافظ الذي شغل مناصب حكومية رفيعة في وقت واحد. وقد قال مولفاني في حوار تلفزيوني خلال انتخابات عام 2016 إنه سيصوت لصالح ترامب بدل هيلاري كلينتون، على الرغم من أن ترامب "إنسان فظيع".

بحلول منتصف ليلة الجمعة، ستتوقف المؤسسات الفدرالية الأميركية عن العمل، وذلك لاعتراض ترامب على قرار الكونجرس (وإن كان يسيطر عليه الجمهوريون) برفض إنفاق مليارات الدولارات لتطبيق وعده في الحملة لبناء جدار على الحدود مع المكسيك. (وقد أثار قرار الرئيس ترامب في الانتخابات النصفية بنشر جنود على الحدود مع المكسيك، والذي يزعم أنها خطوة صائبة لصد المهاجرين القادمين من أمريكا الوسطى، غضب ماتيس بشدة).

لا يحظى هذا الجدار بشعبية كبيرة بين العامة، ولا يعتبره سوى أتباع ترامب مفيدا لمحاربة الهجرة غير الشرعية (أو تهريب المخدرات). ولكن باستعماله لدعم قاعدته السياسية - على الأكثر حوالي 35 ٪ من الناخبين - يمكن أن يحطم ترامب نفسه. في اجتماع متلفز في البيت الأبيض، وقع في فخ وضعه القادة الديمقراطيون، قال بإصرار غاضب على أنه سيكون "فخوراً" بقراره إغلاق الحكومة إذا لم يتمكن من الحصول على المليارات الضرورية لتمويل على الأقل جزء من الجدار. تحت ضغط قوي من شخصيات وسائل الإعلام اليمينية للإيفاء بوعده، قام ترامب بعقد صفقات الموازنة وتخلى عنها حتى نفد الوقت.

لذا، قبل عيد الميلاد مباشرة، تم إجبار مئات الآلاف من العمال الفيدراليين - أناس حقيقيون في جميع أنحاء البلاد الذين عليهم دفع فواتير - على العمل دون معرفة متى سيحصلون على أجر. وأصبح ترامب الآن رهينة في البيت الأبيض، لأنه يدرك أنه سيكون من الصور الرهيبة أن يُنظر إليه وهو يلعب الغولف ويتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائه الأغنياء في منزله على شاطئ بالم، بينما قبل عيد الميلاد بوقت قصير، كان العمال الحكوميون في حالة عطالة.

ولكن في الوقت الذي يتعين فيه على ترامب أن يتصور كيف يهبط من حائطه الخيالي، فإنه حتى الآن قام بتصعيد تفاهته، وإزالة ماتيس قبل شهرين من الموعد المحدد، وتوجيه الإهانات للسياسيين الذين انتقدوا أخطاءه الأخيرة. لقد أضحى مزاجه غريبا أكثر من أي وقت مضى، وأصبح موسم الأعياد محاطا بشعور متزايد من الخطر المنبعث من البيت الأبيض.

المصدر: PS، موقع "اللواء"