بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

19 أيلول 2017 05:48م ترمب جديد مع الحزب الثالث..

حجم الخط
واشنطن، العاصمة ــ من المتفق عليه عموما في واشنطن العاصمة أن رئاسة دونالد ترمب تدخل مرحلة جديدة. ولكن تعريف هذه المرحلة على وجه التحديد أمر مُعضِل وملتبس.
كان من المتوقع عل نطاق واسع أن يؤدي إبعاد ستيفن بانون ــ كبير مستشاري البيت الأبيض السابق والتجسيد المقيم للقومية الأميركية البيضاء ــ إلى جعل الإدارة تجري بقدر أكبر من السلاسة، وتخفيف حِدة (وإن لم يكن القضاء على) الاقتتال الداخلي، وتقليل عدد التسريبات. 

وربما أصبحت الحرب الداخلية أكثر هدوءا منذ تولى جون كيلي منصب رئيس هيئة العاملين في البيت الأبيض وفَرَض المزيد من النظام في الجناح الغربي. ولكن ما دام ترمب رئيسا، فلن يكون النظام السمة الرئيسية للبيت الأبيض. والواقع أن ترمب لا يزال على اتصال دائم بستيفن بانون، الذي عاد إلى تولي المسؤولية في بريتبارت نيوز.

كان من المحتم، بحلول أوائل سبتمبر/أيلول، بعد مرور خمسة أسابيع كاملة على كيلي في منصبه، أن يبدي ترمب الانزعاج في ظل القيود التي فرضها رئيس هيئة العاملين لديه. الواقع أن كيلي فرض ضوابط مشددة على عملية اختيار من يدخل المكتب البيضاوي، وهو يتنصت على أغلب مكالمات ترمب الهاتفية خلال ساعات العمل، وهو من يقرر أي قطعة من الورق تصل إلى مكتب الرئيس، مما يزيل الخطب المطولة المفرطة في الإيديولوجية التي تعود بعض الموظفين على تمريرها إليه خلسة.

المشكلة أن ترمب يحب الفوضى؛ وهكذا كان يدير أعماله، وهو لا يحب أن يسوسه أحد. وكان يحب السماح لأشخاص مفضلين بالدخول إلى مكتبه وقتما شاءوا، وكانت عقيدته الإدارية تتلخص في تأليب الناس على بعضهم بعضا. وهو لا يكلف نفسه عناء السيطرة على انفعالاته عندما يتعامل مع مساعديه. وحتى كيلي، وهو جنرال سابق في سلاح البحرية، وقع تحت سياط لسان ترمب. والآن يراهن المراقبون على متى يقرر كيلي أنه نال ما يكفي.

لم أعهد البيت الأبيض قَط بهذه الصورة حيث يعتمد قدر كبير من الأمر على من جلب على نفسه غضب الرئيس. كان جاري كوهن، رئيس جولدمان ساكس السابق وكبير مراقبي العمليات الذي يشغل منصب المستشار الاقتصادي للرئيس ترمب، آخر المقالين. وكانت الخطيئة التي ارتكبها كوهن أنه أذاع علنا أنه كاد يستقيل في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت الشهر الفائت في شارولتسفيل في ولاية فرجينيا، عندما ساوى ترمب بين المتظاهرين من المؤمنين بتفوق العِرق الأبيض والنازيين الجدد، الذين كان كثيرون منهم يحملون السلاح، وبين أولئك الذين عارضوهم.

في واقع الأمر، ربما يتعاطف المرء بعض الشيء مع رئيس يريد مساعده أن يلعب على الحبلين، كما فعل كوهن ــ فيبدي الألم والأسى دون أن يلحق ذلك بالأفعال. ولكن ربما تنشأ المشاكل عندما يختار الرئيس تجاهل كبير مستشاريه الاقتصاديين. فقد اعتُبِر كوهن واحدا من الأصوات الأكثر اعتدالا في الإدارة، وكان يريد أن يخلف جانيت يلين كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

في أوائل سبتمبر/أيلول بلغت التكهنات حول إمكانية ظهور "ترمب جديد" ذروتها، عندما أبرم الرئيس اتفاقا مفاجئا مع القادة الديمقراطيين في الكونجرس. فقد اتفق ترمب مع زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، ونظيرها في مجلس الشيوخ تشاك شومر، على كيفية زيادة سقف الدين الفيدرالي، الذي يتعين على الكونجرس رفعه كل عام مع زيادة الإنفاق، وتوسيع الاعتمادات للإبقاء على الحكومة عاملة (لأن الكونجرس يفشل بشكل روتيني في تدوين فواتير الاعتمادات في الوقت المحدد). وكان كل من البندين مربوطا باعتماد خاص في أعقاب إعصار هارفي لتغطية تكاليف جهود إعادة البناء. (ولا زلنا في انتظار إعصار إيرما الأكبر).

في خضم المناقشة في اجتماع المكتب البيضاوي مع بيلوسي وشومر، قاطع ترمب وزير الخزانة ستيف منوشين عندما كان يدافع عن موقف الجمهوريين بأن هذه القضايا ينبغي أن تؤجل لمدة 18 شهرا، إلى ما بعد انتخابات الكونجرس في عام 2018. وقد زعم الديمقراطيون أن زيادة سقف الدين وتوسيع الاعتمادات ينبغي أن يدوم لمدة ثلاثة أشهر فقط، مما يجبر الجمهوريين على الإدلاء بأصوات فيها مخاطرة انتخابية قبل انتخابات 2018.

قبل الاجتماع، رَفَض رئيس مجلس النواب بول ريان بشدة اقتراح الديمقراطيين. ولكن فجأة، وبدون حتى إخطار مساعديه، تبنى ترمب الاقتراح. وبهذا، قَبِل مؤلف كتاب "فن الصفقات" موقف الديمقراطيين المنفتح.

وذهب المعلقون إلى المبالغة، فأضفوا على الأمر أهمية كبيرة: فالآن لم يعد ترمب جمهوريا بل مستقلا. وربما ينشئ حزبا ثالثا. وكان ذلك التحرك بمثابة بداية طريقة جديدة للحكم.

حقيقة الأمر أن ترمب ربما رأي فرصة وانتهزها. ففي غياب أي إنجازات تشريعية حقيقية يستطيع أن ينسبها إلى نفسه، يصبح بهذا وكأنه فعل شيئا. وكان قادة الجمهوريين في الكونجرس، وريان، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، على خلاف مع ترمب لبعض الوقت، لأنهم كانوا عاجزين عن تنفيذ أجندته التشريعية. وقد شعر بالحرج والغضب إزاء فشلهم في إلغاء وإحلال قانون الرعاية الميسرة، أو أوباما كير. (لم يعترف ترمب بمساهماته الخاصة في الكارثة). وفي ما يتصل بالعديد من القضايا، يفتقر ترمب إلى الأغلبية الحاكمة في مجلس الشيوخ.

في خضم كل هذه الإثارة بشأن اصطفاف ترمب مع الزعماء الديمقراطيين، جرى تجاهل حقيقة مفادها أن القضية المطروحة تتعلق بتوقيت التشريع، وليس جوهره. والواقع أن المناقشات المحتدمة اللاحقة حول معتقدات ترمب الأساسية ــ فربما كان ديمقراطيا في السِر، حيث تبرع لمرشحين ديمقراطيين ذات مرة وكان متعاطفا مع مواقف الديمقراطيين (مثل موقفهم من الإجهاض) ــ أخطأت بيت القصيد. ذلك أن ترمب لا يعتنق فلسفة سياسية بعينها؛ بل هو انتهازي متعطش للدعاية والثناء.

بيد أن هذا السلوك الجاحد ربما يتبين أنه ذاتي الدفع. فعلى الرغم من كل احتقاره لوسائل الإعلام "غير الشريفة"، كان ترمب مبتهجا إزاء التغطية الصحافية الإيجابية التي حظيت بها خطوته الثنائية الحزبية. وربما يغريه هذا فيحاول القيام بتحركات أخرى من نفس القبيل.

المصدر: موقع "اللواء"، PS