بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

2 كانون الثاني 2018 10:26ص ترمب والعام 2018 سيكون عاصفا

حجم الخط

واشنطن، العاصمة ــ عندما شد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرحال فجأة إلى قصره وناديه الخاص في بالم بيتش بولاية فلورديا، لقضاء عطلة الأعياد، تَرَك واشنطن العاصمة على الحافة. ومن الواضح أن ترمب وحلفاءه الأقوياء في الكونجرس ــ لديه أكثر من حليف على ما أعتقد ــ عازمون على نسف ما يفترض أنه تحقيق قانوني مستقل حول ما إذا كان ترمب وأعضاء حملته الانتخابية تواطأوا مع روسيا في جهودها الرامية إلى هزيمة هيلاري كلينتون في عام 2016.

الواقع أن سلوك معسكر ترمب في التعامل مع المستشار الخاص روبرت ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يساعد ميولر في إدارة التحقيق، يجعل سلوك ريتشارد نيكسون ومعاونيه في التعامل مع المحققين في قضية ووترجيت يبدو مروضا ومحترما بالمقارنة. ورغم أن نيكسون أقال أول مدع عام مستقل، أرشيبالد كوكس، في "مذبحة ليلة السبت" الشائنة، فقد جرى تنصيب مدع عام آخر وفي نهاية المطاف استقال نيكسون خوفا من مواجهة الاتهام أمام مجلس النواب والإدانة أمام مجلس الشيوخ. (في تلك الحالة، اضطر نيكسون إلى ترك المنصب دون المعاش التقاعدي السخي).

ومن العجيب أن ترمب ومستشاريه لم يتعلموا من تاريخ أقرب إلى الزمن الحاضر أيضا. ففي إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، عَرَّض ترمب نفسه لتعيين نائب عام خاص. ولا أحد يستطيع أن يجزم الآن ما إذا كان الأمر قد ينتهي إلى محاولة توجيه الاتهام لترمب. لكن أغلب المراقبين يعتقدون أن عددا من كبار الجمهوريين في مجلس النواب، حيث قد تبدأ عملية توجيه الاتهام والعزل، يتعاطفون مع ترمب، وهو ما يرجع في الأساس إلى خوفهم من القاعدة الانتخابية الموالية له (التي تشمل نحو ثلث البلاد، وتتجمع في العديد من دوائر الكونجرس).

وقد يتغير هذا إذا استولى الديمقراطيون على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني. ولكن حتى إذا فاز الديمقراطيون بمجلسي الكونجرس، فلن يتمكنوا في الأرجح من حشد أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترمب في مجلس الشيوخ.

من الواضح أن ترمب يخشى أن يجد ميولر الأساس لتوجيه الاتهام إليه رسميا. ويتلخص احتمال قوي في توجيه الاتهام للرئيس بعرقلة العدالة ــ وهي إساءة تستوجب العزل وجريمة. ويتطلب الاتهام الجنائي بعرقلة العدالة إثبات النية للإدانة، ولكن الجهود المتوالية التي يبذلها ترمب للتأثير على التحقيق أو وقفه تشير إلى أنه يخشى أن يكون عُرضة للخطر. والواقع أن مجرد التساؤل حول إمكانية توجيه الاتهام إلى رئيس أمر مزعج في حد ذاته؛ ولكن إذا رأي ميولر أن الرئيس لا ينبغي توجيه الاتهام له، فإنه قد يسلم اتهاماته إلى مجلس النواب، الذي يقرر آنئذ ما إذا كان عليه أن يمضي قدما في عملية توجيه الاتهام والعزل.

ويبدو أن ترمب عازم على تفادي كل من النتيجتين، فمن الواضح أنه يخشى الفشل. ولكن ليس الأمر أن ترمب قد يكون في ورطة قانونية فحسب، فقد أدار ميولر تحقيقا منضبطا ومحكما، بلا تسريبات؛ ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يتم توجيه الاتهام إلى زوج ابنة ترمب، جاريد كوشنر.

وربما يفسر هذا لماذا يذهب ترمب إلى ما لم يجرؤ نيكسون على الذهاب إليه قَط، من خلال محاولة تشويه سمعة ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وحتى الآن، كان كل منهما يتمتع باحترام الحزبين. ولكن ترمب شعر بالإحباط إزاء التحذيرات التي تلقاها من أن إقالة ميولر من شأنها أن تطلق العنان لعاصفة سياسية. (لأن نائب المدعي العام رود روزنشتاين لابد أن يتخذ القرار بشأن إقالة ميولر، ولأنه قال إنه لا يرى سببا للقيام بذلك، فسوف يكون لزاما على ترمب أن يقيل روزنشتاين أولا، وهو ما قد يبدو شبيها إلى حد كبير بمذبحة ليلة السبت، التي كانت بمثابة نقطة التحول في رئاسة نيكسون). وعلى هذا، فمن خلال إثارة التساؤلات حول نزاهة ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي، يحاول ترمب وحلفاؤه تمهيد الساحة لرفض جماهيري واسع النطاق لتقرير ميولر أياً كانت نتائجه.

كان المشهد مفزعا. فقد أدان ترمب مكتب التحقيقات الفيدرالي في مشاركاته على موقع تويتر وفي تصريحات أخرى. وأخضع حلفاؤه من جناح اليمين في مجلس النواب (الأكثر تحزبا حتى من مجلس الشيوخ) مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد كريستوفر راي لاستجواب عدائي في جلسات استماع متعددة. كما استجوبوا بكل عنف نائب المدير أندرو مكابي ــ الذي كان قريبا من كومي ويمكنه تأكيد مزاعمه بشأن محاولة ترمب إقناعه بالإبقاء على التحقيق محدودا وعدم توسيع نطاقه ــ لمدة ثماني وتسع ساعات في كل مرة.

كان إرهاب كبار المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي من قِبَل لجان مجلس النواب غير مسبوق منذ حملات مطاردة وقمع المعارضين المناهضة للشيوعية في خمسينيات القرن العشرين. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى إقالة المسؤولين المزعجين في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل أو إرغامهم على الاستقالة. ومن المؤسف أنها صادفت بعض النجاح. فمن المقرر أن يتقاعد مكابي في عام 2018، وقد أظهر استطلاع حديث للرأي انخفاضا كبيرا في مستوى الدعم الشعبي لتحقيق ميولر على مدار الأشهر الستة المنصرمة.

هذا هو ما جعل العاصمة على الحافة. فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن ترمب لن يتخذ بعض الإجراءات الدرامية ــ سواء في ما يتصل بالشؤون الدولية أو التحقيق في مسألة روسيا ــ خلال إقامته في بالم بيتش. وفي حين يواصل ترمب الخضوع لكلمات الإطراء من قِبَل فلاديمير بوتن ( صَرَّح مسؤول الاستخبارات الأميركية المتقاعد جيمس كلابر مؤخرا بأن عميل الاستخبارات السوفييتية السابق بوتن شديد البراعة في التعامل مع ترمب)، تتدهور العلاقات الأميركية مع روسيا.

ويتخذ كل من الجانبين خطوات تُفضي إلى تعميق التوترات الثنائية. فكانت الغواصات الروسية تتهادى بالقرب من كابلات الاتصالات الغربية الحيوية عند قاع المحيط الأطلسي، الأمر الذي ينطوي ضمنا على خطر إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأميركي والأوروبي وأسلوب الحياة في الغرب. وفي الرد على ذلك، تخطط منظمة حلف شمال الأطلسي لإنشاء مركز قيادة جديد لمراقبة مثل هذه الأنشطة. كما كانت الطائرات العسكرية الروسية تحلق قريبا من طائرات حلف شمال الأطلسي.

علاوة على ذلك، أعلنت إدارة ترمب مؤخرا أنها ستسمح ببيع أسلحة دفاعية فتاكة لأوكرانيا، للتصدي للعدوان الروسي هناك ــ وهو التحرك الذي تزعم روسيا أنه لن يجلب إلا المزيد من العنف. ثم هناك كوريا الشمالية، التي بات من المحتمل للغاية الدخول في حرب معها، وفقا لبعض المسؤولين العسكريين المتقاعدين.

من المعروف عن ترمب تقلبه واندفاعه، ولكن حتى الآن نجح كبار مستشاريه في تقييده. وهم يسعون جاهدين إلى تجنب اتخاذ إجراءات أو إبلاغه بأمور ربما تزعجه. ومؤخرا كشفت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين عن إبلاغه بالمعلومات الاستخباراتية يتجنبون الحديث عن روسيا.

ولكن من المفهوم أن تكون الكوكبة المحيطة بالرئيس ترمب من مسؤولي السياسة الخارجية والاستخبارات على وشك أن تتغير. فمن المتوقع على نطاق واسع أن يحل محل وزير الخارجية ريكس تيلرسون شخص أكثر تشددا في أوائل عام 2018. وقد بدأ الخروج الجماعي لموظفي البيت الأبيض بسبب عدم رضا من جانبهم أو استياء من جانب ترمب. وحتى إذا مرت عطلة الأعياد في سلام نسبي، فمن الواضح أن عام 2018 سيكون عاما صاخبا عاصفا.

المصدر: PS، موقع "اللواء"