بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

15 كانون الأول 2017 11:59ص حرب الهند الثقافية تصل بوليوود

حجم الخط

نيودلهي- لقد أصبحت الثقافة والتاريخ ساحة معركة جديدة في الهند وبينما لم ينتهي الجدل بعد حول وضع تاج محل كرمز للتعدد الثقافي في الهند فإن هناك جدل آخر يمزق البلاد بالفعل وهذه المرة فإنه يتعلق بأحد الأفلام .

إن الفيلم "بادمافاتي" يحكي قصة ملكة راجبوت والتي تحمل الاسم نفسه ويعتقد انها ماتت مع 16000 إمرأه اخرى من طبقة محاربي راجبوت وذلك باشعال النار في انفسهن سنة 1301 من أجل تجنب أن يتم أسرهن من قبل سلطان دلهي الغازي علاءالدين خيلجي وعلى الرغم ان الفيلم لم يتم عرضه بعد فلقد ظهرت بالفعل أخبار كثيرة عنه على الصفحات الاولى للصحف بالإضافة الى النقاشات في نشرات الاخبار المسائية كما ظهرت تهديدات هستيرية بالعنف بالاضافة الى منعه في اربع ولايات تقع تحت سيطرة حزب بهارتيا جانتا الحاكم .

إن هناك شكوك حول الدقة التاريخية لقصة بادمافاتي فلا توجد أي اشارة للملكة في أي من الوقائع التاريخية المعاصرة لهجوم خيلجي على شيتورجار بما في ذلك من المؤرخين الذين رافقوا قواته ولكن بادمافاتي كانت شخصية اسطورية منذ سنة 1540 عندما قام الشاعر الصوفي مالك محمد جاياسي بتكريس ملحمته الشعريه "بادمافات "لقصتها.

لقد قيل ان جاياسي لم يكن ينوي ان يتم النظر الى حكايته بشكل حرفي وان هذا العمل يمثل التقليد الفارسي الشعري الصوفي والذي يستخدم الرومانسية ليعكس بحث الانسان عن الخالق وطبقا لهذا التفسير فإن القصيدة هي رمز لتوحد العقل والروح في مواجهة القوى الخارجية ولقد اختار جاياسي هجوم خيلجي على شيتورجار كمسرح لملحمته لأن اسمها تضمن كلمة شيت (الضمير).

لكن الأدب عندما ينشر يكتسب حياة خاصه به فحكاية جاياسي قد تم اعادة سردها لمرات لا تحصى ولا تعد من قبل الشعراء الغنائيين البنغوليين ومن رواة الحكايات الشعبية وحتى من قبل العقيد الانجليزي تود والذي قام بوضع حكاية بادمافاتي في مجموعته سجلات واثار راجبوتانا ومن خلال اعادة سرد هذه الحكايه فإن قيامها بحرق نفسها "جوهار" أصبح عمل نبيل من اعمال المقاومه ضد المسلمين الشهوانيين مما جعلها مثال للانوثه الهندوسيه التي لا تشوبها شائبه.

مع مرور الوقت اصبحت بادمافاتي في مرتبة الالهة فموقع انتحارها المفترض اصبح مكان للجذب السياحي كما ادعى رئيس منظمة راجبوت ذا كارني سينا انه ينتمي لذريتها وعندما تمت مواجهته بوجهة النظر القائله انها كانت شخصية خياليه ، رد قائلا :" انا رقمي 37 في تسلسل ذريتها المباشر فهل انا شبح؟".

مع هذه الاهميه الكبيره لصورة بادمافاتي كرمز للشرف والنقاء الانثوي قرر منتج افلام بوليوود سانجاي ليلا بانسالي عمل فيلم عن قصتها مما تسبب من غير قصد في جعل الفيلم هدفا للمشاعر التاريخيه حيث قامت منظمة ذا كارني سينا بتحطيم مكان تصوير الفيلم في قلعة جايجار في جايبور كما قامت بتعطيل التصوير في موقع اخر جديد وان كان اقل اصاله في كوهلابور متهمة بانسالي بتصوير مشهد غرامي بين الملكه الهندوسيه والغازي المسلم كما هناك اقاويل بإن المجتمع المحلي في راجبوت قد قام بتعطيل عرض الفيلم على اساس انه يشوه التاريخ على الرغم من انكار بانسالي لذلك.

إن منتقدي الفيلم بما في ذلك اربعة رؤساء وزراء في اربعة ولايات هنديه تحت سيطرة حزب بهارتيا جانتا الحاكم والذي قاموا استباقيا بمنع عرض الفيلم قد قاموا بادانة الفيلم قبل حتى ان يشاهدوه وهذا يعكس النهج الدفاعي الزائد عن الحد لبعض الهندوس في الهند وذلك من اجل الدفاع عن نظرتهم للتاريخ الذي يؤمنون به وحتى عندما يكون التاريخ مثل ما هو الحال في قصة بادمافاتي ليس اكثر من خيال جماعي ملفق.

لا يوجد شخص اكثر علمانية من اول رئيس وزراء للهند جواهرلال نهرو والذي لخص الظاهرة قبل سبعة عقود عندما قال :"إن الحقائق والخيال متشابكه معا لدرجة انه لا يمكن الفصل بينهما وهذا الخليط يصبح تاريخ يعكس تصورات الناس والتي ربما لا تعطينا فكره عن ما الذي حدث بالفعل ولكنها تخبرنا شيء آخر مهم وهو ما الذي كان الناس يعتقدون انه حصل وماذا كان تصورهم لقدرات اسلافهم الابطال وما هي الافكار المثاليه التي الهمتهم . إن هذا التاريخ الذي يعكس تصورات الناس - خليط من الحقيقه والخيال وفي بعض الاحيان خيال فقط- يصبح حقيقيا من الناحية الرمزية".

إن هذا الطرح يفسر باختصار المعارضه التي واجهها فيلم بادمافاتي فبالنسبة لبعض الهندوس فإن الفرق بين الحقيقة التاريخية والخرافة الثقافية لا يهم فالذي يتم تذكره والاعتقاد به هو بنفس اهمية الحقائق وفي المناخ السائد اليوم والذي يبالغ في التركيز على مفهوم "التعرض للإهانه وجرح مشاعر مجتمع ما فإن هذه النظره ذات صله فافتخار الهندوس القديم بالتعايش وقبول الاختلاف وهي الدعائم التي عكست التنوع الرائع في الهند قد اصبح تحت التهديد اليوم.

لكن هناك سابقة تاريخية لرده الفعل تلك فبانسالي كان يجب أن يتعلم من ردة الفعل العنيفة على فيلم آخر قبل عقد من الزمان ففي تلك الفتره اعترض مصففو الشعر على فيلم "بيلو باربر" حيث جادلوا (على نحو سخيف) بإن كلمة باربر "حلاق" هي اهانه لمهنتهم وهددوا بالاحتجاج على الفيلم في كل مكان يتم عرضه فيه وهي تهديدات اجبرت نجم ومنتج بوليوود على اسقاط الكلمه الثانية واعادة تسميته ليصبح اسم الفيلم بيلو فقط .

ربما من غير المهم ان نهتم كثيرا باراء العناصر المتخلفة بفيلم بوليوودي ولكن مثل تلك الردود تعكس نفس ضيف الافق الذي قاد الى الحادثه المشهوره المتعلقه بسحب كتب الباحثة السانسكريتيه ويندي دونيجير المهمه عن الهندوسيه وبينما سيكون من المبالغ به القول بإن حرية التعبير في الهند في خطر فإن جو التخويف والترهيب من قبل الغوغاء الغاضبين والذي عادة ما تستسلم الحكومات طواعيه لهم اصبح واضحا ومن خلال السماح لهولاء المتنمرين غير المتسامحين بإن يقوموا بالتخويف والترهيب بشكل غير قانوني نكون بذلك قد سمحنا لهم بالإضرار بشيء حيوي لبقاء الهند كحضارة .

إن على الهند التعددية والديمقراطية ان تتعايش مع التعبيرات المتنوعه للهويات المختلفه علما ان السماح للبعض والذين نصبوا انفسهم كأشخاص قادرين على الحكم على التراث الهندي لفرض نفاقهم وازدواجية المعايير لديهم على الناس الاخرين يعني السماح لهم بتعريف الهوية الهندية بطريقة لا تعد فيها هذه الهوية هندية بالاساس.

المصدر: PS ، موقع "اللواء"