بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

10 أيلول 2020 07:50ص حيل ترامب القذرة

حجم الخط

مع اقتراب شهر تشرين الثاني، أصبحتُ أشد توتراً بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بينما يركز أصدقائي الأمريكيون على تقدم جو بايدن على الرئيس الحالي دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، إيمانًا منهم بقدرة الديمقراطية الأمريكية على التجديد الذاتي، فإن وجهة نظري كمواطن بريطاني ومدير مركز أبحاث تُثير قلقي.

بصفتي بريطانيًا، يمكنني أن أتذكر مشاهدة تقدم 20 نقطة في استطلاعات الرأي لصالح "البقاء" لتصبح فوزًا لصالح "المغادرة" في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل أربع سنوات. وكمدير لمركز أبحاث، أعمل عن كثب مع الباحثين الذين يدرسون طرق تلاعب القادة الاستبداديين بالأنظمة الديمقراطية للبقاء في السلطة، كما حدث في تركيا وروسيا وهنغاريا وبولندا. في الواقع، غالبًا ما يبدو كما لو أن ترامب قد درس عن كثب التكتيكات التي ابتكرها رجال أقوياء طموحون أكثر من أي شخص آخر. بناءً على المحادثات الأخيرة مع الخبراء في هذه البلدان، قمت بتجميع القائمة التالية من التكتيكات والحيل القذرة التي يبدو أن ترامب يقوم باستخدامها.

يتمثل التكتيك الأول في استغلال التاريخ سياسيا. يروج القادة الشعبويون لبرامجهم السياسية من خلال الاستقطاب والانقسام الاجتماعي. فهم لا يمانعون إبعاد وإهانة بعض الناخبين إذا كان ذلك سيؤدي إلى تنشيط قاعدتهم. من خلال إظهار أنفسهم كأبطال للعظمة الوطنية، فإنهم يريدون تحديد من يُعتبر مواطنًا حقيقيًا ومن لا يُعتبر كذلك. هذه الممارسة تضع التاريخ حتمًا في المقدمة.

لقد قدم كل زعيم رواية تاريخية شديدة الحزبية، سواء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استحضر النصر السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعود إلى الإمبراطورية العثمانية، أو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يركز على معاهدة تريانون، أو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يسترجع فترة السلام البريطاني.

هناك نهج آخر ذي صلة، وهو ما يمكن تسميته بسياسات ما بعد الحقيقة. يُفضل هؤلاء القادة التواصل المباشر مع الناخبين من خلال مقاطع الفيديو الدعائية الاحترافية وشبكات التواصل الاجتماعي، لأن ذلك يسمح لهم برفض الحقائق المزعجة التي يقدمها الخبراء. في هذا النظام البيئي الإعلامي، لا يرغب أحد في مراجعة الحقائق، لأن الأشخاص الذين يحتاجون إلى سماعها لا يستمعون، أو يرفضون تصديق أي شيء تقوله وسائل الإعلام "الليبرالية". في العديد من الديمقراطيات، أصبحت الأخبار الكاذبة الآن أكثر شيوعًا على المستوى المحلي، حيث ملأ الناشطون السياسيون الفراغ الذي خلفه تراجع وسائل الإعلام التقليدية في المدينة والمنطقة.

هناك تكتيك ثالث يتمثل في انتقاد المرء لحكومته. يُقال إن مصطلح "الدولة العميقة" نشأ في تركيا في تسعينيات القرن الماضي، ولكنه يظهر الآن بشكل بارز في قاموس ترامب وأوربان وأردوغان وجونسون وحاكم بولندا الحالي ياروسلاف كاتشينسكي. من خلال إلقاء اللوم على شخصيات غامضة ومجهولة الهوية خلف المؤامرات السرية والغامضة، فإن لدى جميع هؤلاء القادة عذر جاهز لكل إخفاقاتهم.

العنصر الرابع في قائمة التكتيكات يكمن في قمع الناخبين. مثل محاولات أردوغان المستمرة لاستبعاد الناخبين الأكراد، يحاول ترامب والحزب الجمهوري يائسين حرمان الأمريكيين الأفارقة من حق التصويت. بالنسبة لرجل قوي يشغل منصب الرئيس الحالي، فإن الحاجة إلى قلب الموازين الانتخابية تفتح الباب أمام جميع أنواع الهجمات على العمليات الديمقراطية.

ولذلك، قبل الانتخابات العامة في بولندا في مايو/ أيار الماضي، حاول حزب القانون والعدالة الحاكم تقييد جميع عمليات التصويت عبر البريد، مما أدى فعليًا إلى نقل السيطرة على الانتخابات من اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة إلى خدمة البريد التي يسيطر عليها حزب القانون والعدالة. على الرغم من معارضة هذه الخطة في نهاية المطاف، إلا أنها أظهرت أن هناك طرقًا عديدة للتدخل في العملية أو تخريبها. ليس من المستغرب أن التصويت عبر البريد وتسييس خدمة البريد الأمريكية أصبحا من القضايا الرئيسية في الانتخابات الأمريكية أيضًا.

هناك أداة أخرى ذات صلة والتي تتمثل في"التكنولوجيا السياسية"، وهو مصطلح يشير إلى الحيل القذرة المرتبطة عادة بسياسات ما بعد الاتحاد السوفيتي. وتشمل هذه الأساليب الدعم الروسي السري لمرشحي الطرف الثالث مثل جيل ستاين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016؛ و"الكومبرومات" أو مواد المساومات (والتي تجسدها عملية البحث عن أنشطة بايدن القذرة في أوكرانيا)؛ وإعلان النصر ببساطة قبل عد الأصوات. في حالة الولايات المتحدة، إذا أعلن ترامب الفوز قبل وصول جميع بطاقات الاقتراع البريدية، يمكن للهيئات التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون في الولايات الرئيسية إنهاء العد في وقت مبكر لتأمين هذه النتيجة.

يمكن لرئيس استبدادي حالي أن ينخرط أيضًا في أشكال مختلفة من "الحرب القانونية"، باستخدام قوات إنفاذ القانون أو المحاكم الممتثلة لتسهيل التزوير الانتخابي، وقمع الناخبين، والتستر، وغيرها من انتهاكات العملية الديمقراطية. هنا، تتمثل إحدى أكبر المزايا في القدرة على التحكم في توقيت الأحداث أو نشر معلومات ضارة سياسيًا.

لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن إعلان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك جيمس كومي عن إجراء تحقيق جديد مع هيلاري كلينتون قبل أيام فقط من انتخابات عام 2016 قد أدى إلى ترجيح النتيجة لصالح ترامب. يرأس اليوم وزارة العدل المدعي العام وليام بار، وهو رجل لم يُظهر أي ندم عن تسييس وكالات إنفاذ القانون المستقلة نيابة عن ترامب.

يكمن تكتيك استبدادي شائع آخر في لعب ورقة "القانون والنظام". من خلال وصف احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" بأنها موجة من أعمال الشغب "الحضرية" العنيفة، يعمل ترامب على استرجاع السياسات العنصرية التي استخدمها الرؤساء الجمهوريون السابقون منذ ريتشارد نيكسون، وكذلك من قبل أردوغان مؤخرًا خلال احتجاجات حديقة جيزي في عام 2013.

إن المشكلة بالنسبة للديمقراطيين في الولايات المتحدة وفي جميع البلدان، هي أن كل هذه التقنيات تميل إلى أن تصبح أكثر فاعلية كلما تم استخدامها. يمكن أن يؤدي التحقق من الأخبار المزيفة عن غير قصد إلى نشر معلومات مضللة على نطاق أوسع. قد تتحول التحذيرات بشأن قمع الناخبين إلى نبوءات ذاتية التحقق إذا خلص عدد كبير من الناس إلى أن العملية مزورة ولا تستحق المشاركة فيها. يخلق الطعن في الانتهاكات من خلال المحاكم انطباعًا بنهاية الديمقراطية.

لتجنب هذه الآثار السلبية، يجب تحديد عملية إفساد الديمقراطية بوضوح وتسميتها وتحليلها من خلال مقاربة جديدة. هناك اختلاف كبير بين الحيل السياسية التي سبق ذكرها والتزوير الصريح لنتائج الانتخابات، كما حدث الشهر الماضي في بيلاروسيا. يؤكد نيكو بوبيسكو، وزير خارجية جمهورية مولدوفا الأسبق وهو الآن عضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الاستبداد ليس المصطلح الصحيح لوصف هذه الظاهرة. بدلا من ذلك، يتعلق الأمر "بتدهور وتآكل وتفكيك الديمقراطية".

في جميع الأحوال، إذا كان ترامب هو رئيس مولدوفا، يفترض المرء أن الاتحاد الأوروبي سوف يدعوه بسبب حيله القذرة. من شبه المؤكد أن أي انتقادات من الخارج ستؤدي إلى نتائج عكسية. لكن قد يساعد ذلك في وضع التجربة الأمريكية الحالية في سياق أوسع نطاقًا، حتى تتمكن القوى الديمقراطية من رؤية ترامب بشكل أكثر وضوحًا. في نهاية المطاف، الطريقة الوحيدة لهزم ترامب هي من خلال السياسة. تتمثل مهمة الديمقراطيين في تذكير الأمريكيين بما تعنيه الديمقراطية - ويأمل المرء أن تتصدى بفعالية لتكتيكات ترامب.

المصدر: project syndicate