نيويورك– ذكرت مصادر غربية أن ما لا يقل عن 300 روسي لقوا مصرعهم في الفترة ما بين 7 و8
فبراير/شباط اٍثر غارة جوية أمريكية على القوات السورية التابعة للرئيس بشار
الأسد. وكانوا كلهم يعملون لصالح شركة واغنر العسكرية الخاصة. بيد أن وزارة
الخارجية الروسية صرحت أن خمسة مواطنين روس فقط لقوا مصرعهم، ولا علاقة لهم
بالقوات المسلحة الروسية؛ وأصيب عشرات آخرون بجروح. ووصف وزير الخارجية سيرغي
لافروف التقارير الغربية حول هذه الخسائر بأنها "محاولة تخمنات حول
الحرب".
للوهلة
الأولى، يبدو رد فعل روسيا غير متوقع. وفي وقت يزداد فيه التوتر في العلاقات مع
الولايات المتحدة، وهذا الهجوم هو فرصة ممتازة للكرملين لإدانة منافسه. وعادة ما
تغتنم روسيا هذه الفرص: وفى وقت سابق، انتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة
باسيل نيبنزيا نظيرته الأمريكية نيكي هالى، وذلك لوصفها حكومة فلاديمير بوتين
"المنتخب شرعيا" ب "النظام".
وبالإضافة
إلى ذلك، تفتخر روسيا بمواطنيها الذين ماتوا في المعركة كأبطال. ويقال الكثير عن
شجاعة الطيار العسكري رومان فيليبوف الذي قتل في المعركة قبل أيام قليلة بسبب
الغارة الجوية الأمريكية. ويقوم أندري مالاخوف الآن، وهو شخصية تلفزيونية على شبكة
تلفزيون روسيا الأولى التابعة للكرملين، بتصوير فيلم وثائقي في سوريا عن فيليبوف.
ومع
ذلك، بالنسبة للغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، لم يلقى الجنود الروس
حتفهم، بل المرتزقة، الذين تعكس مشاركتهم في الصراع رغبة الكرملين في الحصول على
فرصة لإنكار معقول. وهذا واضح تماما في بيان وزارة الخارجية الروسية ردا على
التقارير الغربية. وأشار البيان أن "المواطنين الروس" جاءوا إلى سوريا
"بمحض إرادتهم ولأسباب مختلفة" و "ليس من مهمة الوزارة تقييم صحة
وشرعية قراراتهم".
وقد
استخدمت روسيا هذه القوات لحل مشاكلها من قبل، على سبيل المثال، أثناء ضم القرم
بشكل غير قانوني في عام 2014. وادعى الكرملين حينئذ بأن ذلك لم يكن بسبب الغزو
الروسي، بل راجع إلى إرادة الناس الذين يعيشون في شبه جزيرة القرم.
بفضل
المرتزقة، تمكن الكرملين من التقليل من التدخل الروسي في الشؤون السورية، فضلا عن
الخسائر، التي تنبأ العديد من الخبراء من بداية هذا التدخل، أنها سوف تكون مرتفعة
بشكل مذهل. بطبيعة الحال، لا يريد بوتين أن يتهم بتكرار الحرب الأفغانية الكارثية
1979-1989، التي ساعدت على انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولذلك،
حرص بوتين على تقديم العملية العسكرية الروسية كمسعى محدود، بغية تخليص العالم من
تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وعلاوة على ذلك، أعلن بوتين في ديسمبر/كانون الأول
الماضي، في زيارة للقاعدة الجوية الروسية في خميميم، انسحاب القوات الروسية، على
وجه التحديد لاستكمال المهمة الرسمية. وأعلنت وزارة الدفاع أن الوضع
"استقر" بعد القضاء على حوالي 35 ألف مقاتل و 700 معسكر تدريب.
سوف
تحتفظ روسيا في سوريا فقط بقوات محدودة في القواعد العسكرية الروسية الدائمة في
طرطوس وخميميم. وستقوم هذه القوات "بمهام تتعلق بحماية المصالح الوطنية
لروسيا". والمرتزقة الروس، وفقا لتصريحات السلطات، لا ينتمون للقوات الروسية.
ولكن
الحقيقة هي أن التدخل الكامل في سوريا، بما في ذلك المرتزقة، يهتم، قبل كل شيء،
بحماية المصالح الوطنية الروسية. ومن المؤكد أن تقديم الدعم لنظام الأسد سيسمح
لروسيا بالحفاظ على وجودها في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، ويبين أن أي
انتفاضة شعبية للإطاحة بحلفاء روسيا ستفشل.
إن
عرض روسيا واختبارها للتكنولوجيا العسكرية الجديدة، مثل الصواريخ عالية الدقة وغيرها
من الأسلحة، قد عزز هذه الإشارات. وفي الأسبوع الماضي، ردا على نشر المقاتلين
السريين والقاذفات الأمريكية، نقلت روسيا المقاتلين في مروحيات الجيل الخامس من
طراز سو-57 إلى سوريا، "لاختبارهم في معركة حقيقية".
هناك
سبب آخر لاستمرار التدخل الروسي في سوريا: وفقا لبعض التقديرات، تبين أن أكثر من
5000 مقاتل مسلم من أصل روسي من آسيا الوسطى والقوقاز يقاتلون من أجل داعش في
سوريا وبلدان أخرى. ويشعر الكرملين، لأسباب واضحة، بالقلق إزاء احتمال عودة هذه
العناصر المتطرفة ذات الخبرة القتالية إلى روسيا. وتزيد الحجج الغربية حول تدخل
روسيا في سوريا من احتمالات وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الروسية، لكن بوتين
يرفض ذلك. إذا تمكنت الولايات المتحدة من تبرير غزوها لأفغانستان والعراق وسوريا
تحت راية الأمن القومي، يمكن لروسيا أن تفعل الشيء نفسه في سوريا.
وقد
أعلن يونس بك يفكوروف، رئيس جمهورية أنغوشيا الروسية الصغيرة في شمال القوقاز، أن
العملية في سوريا استعادت سمعة روسيا كقوة عالمية. (بوتين لا يعترف بذلك، لكنه كان
سعيدا بثناء زعيم أنغوشيا، التي، على غرار الشيشان المجاورة وداغستان، غالبا ما
تكون مرتعا للتطرف الإسلامي). وهو على حق: فقد أجبرت الجهات الفاعلة الرئيسية، بما
في ذلك مصر وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، على الاعتراف بأن روسيا يجب
أن يكون لها رأي في تحديد مصير المنطقة. وفي الوقت الذي تؤدي فيه العقوبات الدولية
إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية القاتمة في روسيا، يتعين على الكرملين أن يضمن
اعتراف الشعب الروسي - والعالم أجمع - بهذا الواقع.
وبطبيعة
الحال، فإنه من الأفضل ألا يدرك الروس وغيرهم مدى ارتفاع تكلفة هذا التأثير حقا.
فبدلا من الاعتراف بالخسائر التي تقاس بمئات الأشخاص، يحتاج الكرملين إلى التأكيد
على أهمية روسيا في سوريا، وموقفها كمنتصر على داعش، وقدرتها على حماية حلفائها.
والأهم من ذلك أنه قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 18 مارس / آذار، والتي
سيفوز بها بوتين دون أي منازع، يحتاج الروس إلى فهم أن اختيارهم سيكون إما بوتين
أو الفوضى.
المصدر: PS، موقع "اللواء"