بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

28 آذار 2019 12:22م عزل ترامب ضرورة لمنع الكارثة

حجم الخط

نيويورك ــ كان خبراء الصحة العقلية وغيرهم يحاولون تحذير الناس من مخاطر الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ انتخابه . والواقع أن نرجسية ترمب الشديدة، وساديته، وافتقاره التام إلى التعاطف مع الغير، وإعجابه بالمستبدين ممارسات يومية يراها الجميع . وربما يرغب بعض المراقبين في رؤيته كمهرج مستغرق في ذاته، لكنه يمثل خطرا حاضرا وجليا للعالم الذي يجب أن يُمنَع من قيادته (أو تضليله) إلى الكارثة.

مع صدور تقرير المستشار الخاص روبرت مويلر، تضاعفت المخاطر إلى حد كبير. ورغم أننا لم نر النص الفِعلي ــ بل نسخة منه مقدمة من حليف الرئيس السياسي المدعي العام الأميركي ويليام بار ــ فإن النتيجة المزعومة التي خلص إليها مويلر بأن ترمب لم يتواطأ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن سوف يشجع ترمب على الهجوم في الأرجح. وما يجعل ادعاء ميولر كارثيا بشكل خاص هو حقيقة التواطؤ الضمني الواضح وضوح الشمس. أدار ترمب حملته الانتخابية في عام 2016 في حين كان يحاول سرا إبرام صفقة عقارية عملاقة في موسكو (وكالعادة، كذب بشأنها على عامة الناس)، و أعرب عن رأيه علنا في ما يتصل بإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا أثناء ملاحقته لهذه الصفقة.

الآن سيشعر ترمب بالقدرة على تنفيذ انتقامه وسوف يستغرق في أوهام العظمة. في الأسابيع الأخيرة، سخر ترمب بشكل متكرر من سيناتور أميركي ميت و لم يتفوه بكلمة أسف واحدة في ما يتصل بخمسين من المصلين المسلمين الذين قُتِلوا في نيوزيلندا على يد ذكر أبيض يؤمن بتفوقه العنصري والذي أشار إليه بالتحديد في بيان لتبرير المذبحة. عندما يُنتَقَد ترمب فإنه يقضي أياما في غضب مستعر ضد خصومه على تويتر . وهو يستخدم التجمهرات الحاشدة وغير ذلك من المناسبات العامة لوضع نموذج لسياسة تعتبر مشاعر الإنسانية والرحمة نقاط ضعف وليست قيمة إنسانية أساسية.

ربما تكون نوبات الغضب التي تتملك من ترمب على نحو متزايد راجعة إلى تدهور إدراكي (خَرَف). على سبيل المثال، بمرور الوقت، يبدو أن قدرته على تكوين جمل كاملة، واستخدام كلمات معقدة، والحفاظ على سلسلة متماسكة من الأفكار، بدأت تتآكل . وهناك تاريخ موثق لخرف كان يعاني منه والده.

الأمر المؤكد هو أن ترمب يعرض العالم للخطر. فقد انسحب الآن من معاهدتين نوويتين، إحداهما مع إيران والتي وافق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأكمله، ومعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى مع روسيا والتي ظلت قائمة منذ عام 1988. أما دبلوماسيته المستضعفة إلى حد السَخَف في التعامل مع كوريا الشمالية فقد أصبحت في حالة مزرية، حيث تهدد كوريا الشمالية الآن بإجراء جولة جديدة من التجارب النووية.

في عهد ترمب، قررت حكومة الولايات المتحدة، وحدها بين كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التنصل من الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ ، تاركة الأميركيين دون قيادة عاقلة مع تزايد حدة الأزمات المناخية . وكانت استجابته لإعصار ماريا، الذي خلف أكثر من ثلاثة آلاف قتيل في بورتوريكو، تنضح ب احتقار الضحايا وإهمالهم ، وكذا كانت استجابته للحرائق الضخمة التي دمرت كاليفورنيا العام الفائت، والتي أودت بحياة العشرات، و الفيضانات الضخمة التي تُحدِث الآن خسائر فادحة في مختلف أنحاء الغرب الأوسط.

الواقع أن نظرة ترمب للعالم يردد صداها المتطرفون من ذوي البشرة البيضاء في مختلف أنحاء العالم. وتُظهِر البيانات ارتفاعا في جرائم الكراهية في الولايات المتحدة منذ اليوم التالي لانتخابه، بما في ذلك تضاعف عدد جرائم القتل التي يرتكبها من يؤمنون بتفوقهم العرقي من ذوي البشرة البيضاء، فضلا عن حالات التنمر في أفنية المدارس التي انتشرت على نطاق واسع باسمه وعدد غير مسبوق من حوادث إطلاق النار الجماعي وعمليات القتل باستخدام أسلحة نارية . وكانت عملية القتل الجماعي في معبد بيتسبرج، ومفجر " القنبلة الأنبوبية " الذي حاول اغتيال كبار الديمقراطيين، و مطلق النار مؤخرا في كرايستشيرش في نيوزيلندا، كلها أمثلة على غرف الصدى التي تردد عنف ترمب. أثناء حملته الانتخابية، تباهى ترمب بأنه يستطيع أن "يقف في منتصف الجادة الخامسة ويطلق النار على شخص ما" دون أن "يفقد أي صوت من أصوات الناخبين". منذ ذلك الحين، أيد مرارا وتكرارا السلوك العنيف من خلال التهكم، والتحريض، ومؤخرا تحذير مفاده أن أتباعه المسلحين يمكنهم أن يتحركوا بسرعة بمجرد تلقيهم الأمر منه.

الواقع أن هذا النمط من العلاقة السادية بين زعيم وأتباعه أفضى إلى إزهاق أرواح الملايين في الماضي وأغرق دولا بأسرها في الحرب والخراب. لكنه لم يحدث من قبل قط في بلد يمتلك الآلاف من الأسلحة النووية ويجيش قوات عسكرية في أكثر من 100 دولة في مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، حتى الآن، لا يزال كثيرون يخطئون تفسير انجذاب ترمب للعنف على أنه مجرد تكتيك سياسي وليس نتاجا لعقل مختل مضطرب.

منذ بدأت إدارته، اتبع ترمب دليل الحاكم المستبد من خلال محاولة الحكم بالمراسيم، ومؤخرا من خلال إعلانه المتهور لحالة الطوارئ لبناء جدار على الحدود الأميركية مع المكسيك. والآن يجب إيقافه قبل أن يشن حربا، ربما مع فنزويلا أو إيران ، أو قبل أن يعمل أتباعه المسلحون على تصعيد العنف ضد خصومه السياسيين. ومن المؤكد أن الحملة الانتخابية لعام 2020 من الممكن أن تتحول بسهولة إلى عنف جامح في الشوارع بتحريض من ترمب.

يقترح هذا التقييم ــ وسلوك ترمب ذاته ــ خمس خطوات يجب اتخاذها دون أدنى تأخير.

أولا، يجب أن يبدأ مجلس النواب عقد جلسات توجيه الاتهام والعزل. إن ترمب مسؤول عن نفس مخالفات تمويل الحملة الانتخابية التي تُرسِل الآن محاميه السابق مايكل كوهين إلى السجن. كما خرق ترمب على نحو متكرر وبشكل متهور قوانين التمويل والضرائب من خلال غسل الأموال ، و التقييمات الكاذبة للأصول ، و التلاعب في سداد الضرائب على نحو مزمن. وربما يكون في النشر العلني لتقرير ميولر الكامل أرضية إضافية لتوجيه الاتهام والعزل.

ثانيا، ينبغي للكونجرس أن يسترد على وجه السرعة الحق الدستوري الواضح غير الملتبس في إعلان الحرب. من المحزن أن الكونجرس تنازل عن هذه السلطة فعليا للسلطة التنفيذية. ومع ذلك فإن سلطة شن حرب، وخاصة في حالة قوة مسلحة نوويا، لا يجوز أن تُسنَد أبدا لشخص واحد فقط. ويصدق هذا حتى لو كان للولايات المتحدة رئيس عاقل.

ثالثا، يتعين على خبراء الصحة العقلية أن يفوا بمسؤوليتهم عن حماية صحة وسلامة المجتمع من خلال التوضيح العلني، إذا لزم الأمر، بأن ترمب ليس مجرد سياسي متآمر، أو زعيم قوي، بل هو فرد غير مستقر عقليا وقادر على إحداث ضرر واسع النطاق. والواقع أن حقهم و واجبهم المهني يملي عليهم عرض المعلومات المهمة الكفيلة بتمكين المشرعين من حماية البلاد.

رابعا، يتعين على وسائل الإعلام أن تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد تغطية مزاج ترمب اليومي إلى تغطية عدم استقراره العقلي. والقصة الحقيقية ليست فقط أن ترمب يكذب كما يتنفس، أو أنه قاس ومتعصب، بل إنه يشكل تهديدا للآخرين .

أخيرا، يتعين على الأميركيين أن يعملوا على تنظيم أنفسهم سياسيا لمنع حدوث كارثة انتخابية أخرى في عام 2020، والتي ربما يحاول ترمب إذكاء نيرانها من خلال ادعاءات الاحتيال ودعوة أتباعه إلى انتهاك قواعد الديمقراطية . وإذا لم يُعزَل ترمب (كما ينبغي له)، فيجب بذل كل جهد ممكن للحفاظ على الديمقراطية وحماية المجتمع من نزعته التدميرية.

المصدر: PS، موقع "اللواء"