بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

28 شباط 2019 10:28ص كيف نتجنب الحرب في فنزويلا؟

حجم الخط

نيويورك ــ بعد مرور شهر منذ أعلن خوان جوايدو، رئيس الجمعية الوطنية في فنزويلا، أنه يتولى صلاحيات الرئاسة الفنزويلية، التي يشغلها حاليا نيكولاس مادورو، لا تزال الأزمة السياسية في فنزويلا بعيدة كل البعد عن نهايتها. فقد تصاعدت حِدة التوترات إلى الحد الذي أصبح معه اندلاع حرب أهلية شاملة أمرا محتملا على نحو متزايد الآن ــ وهو السيناريو الذي لم يكن واردا قبل بضعة أسابيع فقط. في عطلة الأسبوع المنصرم، مات أربعة أشخاص على الأقل وأصيب المئات بجراح في اشتباكات عنيفة على حدود فنزويلا، عندما أطلقت قوات حكومية النار على مجموعة من المعارضة حاولت إدخال قوافل مساعدات إلى البلاد.

إن نظام مادورو مستبد، وعسكري النزعة، وعلى استعداد لقتل المدنيين للحفاظ على السلطة. والمجتمع الفنزويلي منقسم بمرارة بين ثوريين يستمدون الإلهام من هوجو شافيز سلف مادورو، ومعارضة كبيرة مظلومة ومضطهدة. وكل جانب يحتقر الآخر. وعلى هذا فإن السؤال معقد وعملي: ما العمل للمساعدة في توجيه فنزويلا بعيدا عن الحرب الأهلية ونحو مستقبل سلمي وديمقراطي؟

في مواجهة هذه التحديات العظمى، أخطأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقديراتها وحساباتها بدرجة خطيرة. فعندما اختارت الولايات المتحدة ــ إلى جانب مجموعة من دول أميركا اللاتينية ــ الاعتراف بجوايدو رئيسا لفنزويلا وحظر تجارة النفط مع حكومة مادورو، كانت تراهن على أن الضغوط ستكون كافية لإسقاط النظام. وكما صرح مسؤول أميركي كبير سابق لصحيفة وال ستريت جورنال فإنهم "تصوروا أنها علمية لن تستغرق أكثر من 24 ساعة".

الواقع أن هذا النمط من سوء التقدير سابق لإدارة ترمب. ففي منتصف عام 2011، أعلن الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن "يتنحى". على نحو مماثل، في عام 2003 أعلن جورج دبليو بوش أن "المهمة أنجزت" بعد فترة وجيزة من غزو الولايات المتحدة للعراق. وكل هذه الحالات تعكس غطرسة قوة عظمى تتغافل عن الحقائق المحلية على نحو متكرر.

لم تكن قدرة مادورو على تحمل الضغوط الأميركية الشديدة مفاجأة في نظر المراقبين القريبين من المؤسسة العسكرية في فنزويلا. ذلك أن هياكل القيادة والسيطرة على الاستخبارات العسكرية التي تتسم بالمركزية، فضلا عن المصالح الشخصية لكبار الضباط الذين يسيطرون على أقسام كبيرة من الاقتصاد، يجعل من غير المرجح إلى حد كبير أن ينقلب الجيش على مادورو. وربما يُفضي الاستفزاز الأميركي إلى إحداث انقسام بين قادة المؤسسة العسكرية والضباط الأصغر، لكن هذا من شأنه أن يجعل الانزلاق إلى حرب أهلية دموية أكثر ترجيحا. حتى يومنا هذا، لم يحدث أي انشقاق بين كبار الضباط الذين يتمتعون بسيطرة مباشرة على القوات.

في مواجهة احتمال تأخر تغيير النظام، بدأت إدارة ترمب وبعض أجزاء من المعارضة في فنزويلا التفكير جديا في العمل العسكري. وفي ترديده للغة استخدمها ترمب مؤخرا في أحد خطاباته ، كتب جوايدو يوم السبت أنه سيطلب رسميا من المجتمع الدولي "الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة". على نحو مماثل، حَذَّر على تويتر السناتور الجمهوري ماركو روبيو، الذي عمل كناصح للرئيس ترمب بشأن فنزويلا، أن تصرفات مادورو فتحت الباب أمام "تدابير متعددة الأطراف لم تكن مطروحة على الطاولة قبل 24 ساعة".

ويبدو أن هذه الأفكار كانت في ذهن ترمب لبعض الوقت في حقيقة الأمر. فكما كشف القائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق أندرو جي. مكابي مؤخرا في كتابه " التهديد "، قال ترمب في اجتماع في عام 2017 إنه يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تخوض حربا مع فنزويلا. ونقل مكابي عن ترمب قوله: "إنهم يملكون كل هذا النفط، وهم موجودون عند بابنا الخلفي مباشرة". تردد هذه التعليقات صدى تصريح ترمب في عام 2011 بأن أوباما تصرف بحماقة عندما لم يطالب بنصف النفط الليبي في مقابل المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة في إسقاط الدكتاتور معمر القذافي.

من المعروف أن التدخلات العسكرية الأميركية لا تحركها المصالح الاقتصادية والتجارية فحسب. فالتعامل بخشونة مع مادورو يحظى أيضا بشعبية كبيرة بين الناخبين الأميركيين من أصول كوبية وفنزويلية في ولاية فلوريدا، التي ينوب عنها روبيو، والتي ستشكل ساحة معركة رئيسية في الانتخابات الرئاسية في عام 2020.

يستشهد أنصار التدخل العسكري الأميركي على نحو منتظم بحالتي بنما وجرينادا كسابقتين لتغيير النظام السريع بقيادة الولايات المتحدة. ومع ذلك، فعلى النقيض من هاتين الدولتين، تملك فنزويلا مؤسسة عسكرية جيدة التسليح ويتجاوز عدد قواتها 100 ألف جندي. لا شك أن الولايات المتحدة قادرة على إلحاق الهزيمة بالجيش الفنزويلي، ولكن لا ينبغي للمرء أن يتعامى عن الفظائع التي ترتكبها الأنظمة السلطوية لكي يفهم أن محاولات الإطاحة بمثل هذه الأنظمة تنتهي غالبا إلى كارثة، كما حدث على نحو متكرر في الحروب الأميركية في الشرق الأوسط.

وحتى بدون تدخل عسكري، فإن سياسات العقوبات الأميركية من المحتم أن تؤدي إذا استمرت لفترة طويلة إلى مجاعة. فبقطع تجارة النفط الفنزويلية مع الولايات المتحدة والتهديد بفرض عقوبات على الشركات غير الأميركية التي تتعامل مع شركات النفط المملوكة لدولة فنزويلا، خلقت إدارة ترمب واحدا من أكثر أنظمة العقوبات الاقتصادية شدة على الإطلاق في التاريخ الحديث. ولكن فرض العزلة الاقتصادية على دولة تطعم نفسها في الأساس بالاستعانة بعائدات صادراتها من النفط ربما يؤدي إلى المجاعة الشاملة بدلا من التحريض على انقلاب.

يتعين على قادة الدول المجاورة لفنزويلا والعالَم أن ينحوا جانبا الخيار العسكري الأميركي. إن فنزويلا تحتاج إلى الوساطة التي تؤدي إلى انتخابات جديدة، وليس الحرب. كما تحتاج بصورة عاجلة إلى فترة من الهدنة السياسية في عام 2019 لإنهاء التضخم المفرط المدمر، واستعادة تدفقات المواد الغذائية والأدوية، وإعادة تشكيل القوائم الانتخابية والمؤسسات اللازمة لإجراء انتخابات سلمية وجديرة بالثقة في عام 2020.

وربما يشمل النهج البرجماتي العملي استمرار الحكومة الحالية في السيطرة على الجيش، في حين يتولى التكنوقراط الذين تدعمهم المعارضة السيطرة على الشؤون المالية، والبنك المركزي، والتخطيط، والإغاثة الإنسانية، والخدمات الصحية، والشؤون الخارجية. على أن يتفق الطرفان على جدول زمني لإجراء انتخابات وطنية في عام 2020، وتخليص الحياة اليومية من النزعة العسكرية تحت إشراف دولي، مع استعادة الحقوق المدنية والسياسية والأمن المادي في البلاد.

وينبغي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يشرف على فرض مثل هذا الحل. يمنح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن التفويض اللازم "لتحديد مدى وجود أي تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو فعل عدواني" واتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل "استعادة السلام والأمن الدوليين". ومجلس الأمن هو أيضا المكان المناسب عمليا، لأن الولايات المتحدة والصين وروسيا لديها جميعها مصلحة مالية وسياسية في إيجاد حل سلمي في فنزويلا. ومن الممكن أن تتفق الدول الثلاث بسهولة على مسار يقود إلى الانتخابات في عام 2020. ومن المشجع أن يعرض البابا فرانسيس وحكومات المكسيك وأوروجواي أيضا المساعدة في تيسير الوساطة لإيجاد مسار سلمي إلى الأمام.

يقول ترمب وغيره من القادة الأميركيين إن وقت التفاوض انتهى. وهم ينشدون حربا قصيرة سريعة إذا لزم الأمر. ولكن ينبغي لقادة العالَم ــ وخاصة أولئك في دول أميركا اللاتينية ــ أن ينتبهوا إلى مخاطر الحرب المدمرة، الحرب التي قد تدوم لسنوات وتنتشر على نطاق واسع.

المصدر: PS، موقع "اللواء"