بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

24 حزيران 2020 08:33ص «لا يحق لأي دولة أن تأخذ أراضي الغير بالقوة».. أين الدعم الشعبي لفلسطين؟

حجم الخط

تبنى العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مبدأ بسيط ولكنه قوي. "لا يحق لأي دولة أن تأخذ أراضي الغير بالقوة". فعندما غزت الأرجنتين جزر الفوكلاند عام 1982 لم يعترض أحد على قيام المملكة المتحدة بالتدخل العسكري واسترجاع أراضيها. وعندما احتلت العراق الكويت عام 1990 أصدرت الأمم المتحدة قرارا شرعن العمل العسكري لا خراجها، وفي عام 2014 عندما ضمت روسيا القرم أعلنت الأمم المتحدة فرض عقوبات اقتصادية عليها لاتزال مطبقة حتى الآن.

وطيلة 53 عاما، وضع الفلسطينيون أملهم في هذا المبدأ والذي تم شموله في ديباجة قرار مجلس الأمن رقم 242 حيث وضعت خارطة طريق للسلام بين إسرائيل وفلسطين حيث أكد القرار: "إن مجلس الأمن يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب. ورغم أن الفلسطينيين لم يقبلوا بالعيش تحت الاحتلال إلا أنه كان دائم الأمل بأن الحق سيعلو وأن الاحتلال الإسرائيلي "غير المقبول" سينتهي عاجلا أم آجلاً.

ولكن خلافا لوضع أهل فوكلاند والكويتيين والأوكرانيين، أظهر الفلسطينيون ليونة في التفاوض على حل مقبول مع إسرائيل. ولكن بدلا من تشجيعهم على مواقفهم فإن عرض الفلسطينيين بقبول تبادل أراض (متساو بالمساحة والنوع) تم تحريفه من قبل المسؤولين الإسرائيليين لكي يبرروا سرقة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

والآن تتنقل إسرائيل إلى ضمّ قطع كبيرة من أراضي الضفة الغربية. لم تكن إسرائيل طبعا، بهذه الوقاحة بدون دعم من جهة أخرى. فقد استغلت إسرائيل الفرصة التي قدمها لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره الهاوي جاريد كوشنر من خلال خطة سلام زائفة تم الإعلان عنها في شهر كانون ثاني الماضي. الخطة التي تم ابتكارها في إسرائيل، ثم تم عرضها على الولايات المتحدة، تقدم لإسرائيل أراض فلسطينية هامة واستراتيجية لكل من فلسطين والأردن، وفي المقابل يتم إلقاء الفلسطينيين في الصحراء بالمعنى الحرفي والحقيقي للكلمة.

ورغم أن الأمريكان عرضوا "رؤيتهم" تحت بند "الكل أو لا شيء"، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يواجه عدة تهم بالفساد كان سعيداً بحصوله على الهدايا السياسية من ترامب. ومع الدعم اللامحدود من القوة العظمى في العالم فإن إسرائيل تشعر أنها تستطيع سرقة الأراضي دون أي التفات للاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين والأردنيين والمصريين، عدا عن رفض باقي العالم لهم.

لقد وفر مؤتمر كامب ديفيد 2 غير المهيأ له تماما عام 2000 فرصة ليقبل الرئيس الفلسطيني بفكرة تبادل محدود للأراضي. ولكن القيادة الفلسطينية أوضحت مرات عديدة أن هذه العملية يجب أن تكون متساوية في الكم والنوع. وفي هذا العام أعلم الرئيس محمود عباس اللجنة الرباعية المشكلة من الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي، أن الفلسطينيين لا يعارضون بعض التعديلات البسيطة على الحدود مقابل أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة في نهاية المطاف.

كان التفكير الفلسطيني حول إمكانية إجراء تعديل طفيف على حدودالـ67، بحيث يتم ضم بعض المستوطنات الكبيرة المحاذية للحدود وفي المقابل يمكن على سبيل المثال إنشاء ممر يربط الضفة الغربية مع قطاع غزة. المشكلة تتمثل بأن الإسرائيليين وبعض الأمريكان يقومون دوما بعرض الموقف الفلسطيني وكأنه رافض لأي سلام أو مفاوضات. إن هدف عرض الموقف الفلسطيني بصورة سلبية يأتي لتبرير إجراء أحادي الجانب تحت حجة أنه لا توجد أية فرصة للسلام مع الجانب الفلسطيني، خلافا للحقيقة والواقع.

ففي السنوات الأخير وكما أوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في نيسان عام 2014 فإن ما عطل المفاوضات الإسرائيلي- الفلسطينية كان قرار إسرائيل بإنشاء مستوطنات جديدة في المناطق الفلسطينية. وكان الجانب الفلسطيني قد قرر مقاطعة الولايات المتحدة عام 2018 عندما قررت نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن. فالموقف الفلسطيني معارض فقط لمفاوضات برعاية إدارة ترامب المؤيد لإسرائيل حصرا، في حين توافق القيادة الفلسطينية على مفاوضات برعاية متعددة الأطراف.

وكانت القيادة الفلسطينية أعلنت أنها مستعدة للمشاركة في مفاوضات تحت رعاية الرباعية+، وهي مجموعة من حلفاء أمريكا مثل السعودية والإمارات واليابان. وقد دعت روسيا الفلسطينيين والإسرائيليين لمفاوضات في موسكو إلا أن نتنياهو رفض الاقتراح مرارا.

وفي شهر أيار الماضي قدم مسؤولون فلسطينيون مشروع سلام مكون من أربعة صفحات كرد على مشروع ترامب, ويشمل العرض الفلسطيني الموافقة على إقامة دولة منزوعة السلاح مع تعديلات طفيفة على الحدود, ولكن صقور إسرائيل في البيت الأبيض تجاهلوا هذا العرض.

وتقول إسرائيل في مجال تبريرها للعمل غير القانوني إنها ستضم مناطق تم شمولها في خطة ترامب كجزء من إسرائيل. ولكن حتى كوشنر الساذج في الأمور السياسية ومهندس الخطة الأمريكية، يرفض فكرة نقل أراض بصور أحادية الجانب. فأهمية المفاوضات تكمن في إمكانية الأخذ والعطاء، فإذا تم الأخذ قبل المفاوضات فما فائدة الحديث مع الطرف الآخر ضمن مسار السلام التفاوضي؟

إن موضوع التحرك أحادي الجانب غير عادل ولن ينجح. فنجاح وشرعية السلام لا يأتي عندما يوقع سياسيون اتفاقية (غالبة تحت الضغط.) ولكن السلام يمكن تحقيقه عندما تكون تفاصيله مقبولة من الشعوب التي ستتأثر به. ففي غياب دعم حقيقي من الشعوب فإن السلام لن يدوم لأن السلام بحاجة إلى دعم شعبي واسع كي يستمر.

محاولات نتنياهو ضم أراض فلسطينية محتلة بصورة أحادية الجانب ستخلق غضبا ومرارة وسفك دم بريء. ولذلك عارض الفكرة معظم زعماء أمريكا اليهود وغالبية أعضاء الكونغرس ومرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة جو بايدن، ومئات الخبراء الاستراتيجيين والأمنيين الإسرائيليين.

إن الوضع يتطلب العودة لمفاوضات بناء على إطار واضح ومتفق عليه بهدف التوصل إلى حل يقبله الطرفان الآن وفي المستقبل. فالحلول أحادية الجانب ستجعل من إمكانية السلام أمرا مستبعدا


المصدر: project syndicate