بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

4 شباط 2019 12:24م لماذا ستضر بريكست بأوروبا؟

حجم الخط

برلين – ان الزمن يمضي بسرعة باتجاه 29 مارس وهو موعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي وسواء كان بريكست "ناعم " أم " قاس " فإن المملكة المتحدة مرشحة لإن تتعرض لفترة من الاضطرابات الاقتصادية الشديدة ولكن بريطانيا نجت من ازمات اكبر من بريكست بكثير وسوف تتغلب على هذه ايضا في وقت ما . بالنسبة لي فإن السؤال الحقيقي هو ماذا تعني بريكست لمستقبل اوروبا.

ان من شبه المؤكد ان "الفكرة الأوروبية " ستبقى فالاتحاد الاوروبي لن يتفكك في اعقاب بريكست وسوف يتغلب على التأثيرات السلبية لخروج المملكة المتحدة ولكن بريكست سيضر بالدور الأوروبي في العالم بشكل نحن الاوروبيون غير قادرين حاليا على استيعابه . ان قرار ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاخير بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لبعثة الاتحاد الاوروبي في واشنطن ربما يعتبر بمثابة جرس انذار لما قد يحصل مستقبلا.

ان الخلفية الجيوسياسية لبريكست لا يمكن تجاهلها ويمكن ان تلعب دورا كبيرا في تحديد تأثير بريكست على الاتحاد الاوروبي. ان الحقيقة الأكثر بروزا هي ان توازن القوى السياسي والاقتصادي في العالم يتحرك من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادي وهو توجه لا يمكن ان نلقي اللوم بشأنه على شعبويين مثل ترامب ففي واقع الامر الرئيس باراك اوباما هو الذي قال ان الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة محيط هادي عوضا عن دولة محيط اطلسي بينما كان من سبقوه يعتبرون الولايات المتحدة كلاعب عابر للإطلسي وبينما من الممكن اننا نعيش اليوم في عالم يخلو من الدول العظمى المسيطرة بحيث لا توجد قوة واحدة تتولى المسؤولية العالمية فإن غدا قد يحمل لنا عالم يتكون من قطبين حيث تتنافس الولايات المتحدة الامريكية والصين على الهيمنة العالمية.

ان الاوروبيين بما في ذلك البريطانيين يواجهون سؤالا يتعلق بكيفية المحافظة على سيادتنا بين مراكز القوى الجديده والمتنافسة وربما باستثناء السياسات المناخية فإن اوروبا هي بالفعل بمثابة المتفرج على معظم الصراعات والقضايا الدولية وهذا يتضمن الاستئناف الذي يلوح بالأفق لسباق التسلح النووي حيث يبدو ان ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصممان على ذلك بالاضافة الى الاضطرابات العنيفة في الشرق الاوسط. ان مجموعات الثوار التي تقاتل الرئيس بشار الاسد وعوضا عن تلجأ لإوروبا في مواجهة اعلان ترامب عن سحب القوات الامريكية من سوريا ، فإنها قررت ان تلجأ الى روسيا وتركيا.

بعد بريكست ،قد نجد انفسنا في وضع اكثر خطورة لإن العالم سينظر الى الاوروبيين على أنهم اكثر ضعفا وحيث اننا غير قادرين على العمل معا بشكل جاد ووضع اطار لمصالحنا فإن جهودنا لإقناع الاخرين بنظرتنا للعالم تبدو خادعة وبالاضافة الى ذلك ومع وجود بريكست فإن الاتحاد الاوروبي سيخسر عضو يتمتع بشبكات دبلوماسية تمتد لقرون عديدة وقوة اقتصادية ونووية بالاضافة الى قوة عسكرية من الطراز الاول .

إن كل هذا يدعونا لاستغلال الاسابيع المتبقية حتى 29 مارس وربما بعد ذلك التاريخ من اجل السعي للتوصل الى حلول وسط قد تحد من الضرر الذي قد ينتج عن بريكست. ان من الواضح ان احتمالات النجاح تبدو ضعيفة فبالنسبة لمعظم المعارضة من حزب العمال البريطاني فإن اوروبا أقل اهمية بكثير من الاطاحة برئيسة الوزراء تيريزا ماي . ان العديد من اعضاء حزب المحافظين الحاكم (وللإسف بعض من اعضاء حزب العمال ايضا) سيحققون هدفهم المتعلق ببريكست من خلال عدم عمل اي شيء كما ان الحصول على اغلبية برلمانية من اجل التوصل لبريكست "ناعم " عن طريق التفاوض لا يبدو خيارا محتملا بسبب ان ذلك سيترك مستقبل المملكة المتحدة بإكمله في أيدي الإتحاد الأوروبي وذلك عند التفاوض على بنود البقاء ضمن السوق المشتركة.

اذن ماذا يجب ان يفعل الأوروبيون ؟ ربما يحق لنا ان نشير بعد ان نهز اكتافنا الى ان بريطانيا وضعت نفسها في هذا المأزق بسبب السلوك الضعيف لنخبها السياسية ولكن هذا الموقف لن يساعد احدا فالشعب البريطاني واوروبا بكاملها ستعاني من عواقب بريكست وحتى نصل لحل يبقي بريطانيا في اقرب وضع ممكن من الاتحاد الاوروبي ، يتوجب على الاوروبيين ان يعترفوا ان ما يحصل بتاريخ 29 مارس يهمنا جميعا.

ان على الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية الاوروبية على وجه التحديد التواصل مع حزب العمال البريطاني وزعيمه المتشكك باوروبا جيرمي كوربين كما يتوجب على المحافظين والليبراليين الالمان مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التواصل مع الحكومة الايرلندية فيما يتعلق بالعواقب المحتملة لبريكست قاس وخاصة وضع نقاط حدود بين ايرلندا وايرلندا الشمالية وعودة العنف للجزيرة . لقد كان هدف التسوية الخاصة "المصد الخلفي" في اتفاقية الانسحاب التي توصلت اليها ماي مع الاتحاد الاوروبي هو منع حدوث ذلك ولكن البرلمان البريطاني رفض تلك الاتفاقية باغلبية كبيرة بتاريخ 15 يناير.

يجب على الاوروبيين ان يسألوا انفسهم كذلك ما اذا كان بامكاننا الموافقة على معاهدة افضل بين الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة مقارنة بما لدينا حتى الان . ربما هناك طرق اخرى لطمأنة بريطانيا بإنه سيكون هناك معاهدة لاحقة للمتابعة تكون مقبوله لكلا الطرفين بحيث لا يمكن بموجب تلك المعاهدة ان يبقى احد الاطراف رهينة للاخر بشكل دائم وربما هناك مساحة للمناورة فيما يتعلق بحرية التنقل والحركة ضمن الاتحاد الاوروبي وفي واقع الامر ليس فقط الحكومة البريطانية ، بل ايضا رؤساء البلديات ومجالس البلدات في المانيا يريدون ادوات اكثر وافضل من اجل التخفيف من تأثير الهجرة على انظمة الضمان الاجتماعي . ان حرية التنقل والحركة لا تعني عدم ادارة هذه الحرية.

بينما يقترب الموعد النهائي بتاريخ 29 مارس فإن على الاتحاد الاوروبي ان يوضح ان الساعة ستتوقف لو ارادت المملكة المتحدة المزيد من الوقت وهذا لن يكون شيئا جديدا فيما يتعلق بالمفاوضات الدولية وحتى تاريخ الانتخابات البرلمانية الاوروبية لهذا العام يجب أن لا يكون عقبة لا يمكن تجاوزها. لقد حان الوقت للإبداع السياسي بحيث يتم استغلال اي فرصة للنجاح مهما كانت احتمالية نجاحها ضئيله . ان ثمن بريكست فوضوي هو ثمن مرتفع جدا لا يمكن لإي شخص في اوروبا ان يقبله بكل سرور.

المصدر: PS، موقع "اللواء"