بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

10 نيسان 2019 11:41ص مهام "الناتو" في عامه السبعين

حجم الخط

أندري فوغ راسموسن ، الأمين العام السابق لحلف الناتو ورئيس وزراء الدنمارك السابق

كوبنهاجن ــ يحتفل حلف شمال الأطلسي هذا العام بمناسبتين: الذكرى السبعين لتأسيسه، والذكرى العشرين لتوسعه إلى ما وراء "الستار الحديدي" السابق لأول مرة. وإذا نظرنا إلى الوراء، فإن وضع الناتو باعتباره أنجح مشروع يهدف لإقامة السلام في التاريخ لا يعكس قوته العسكرية فحسب، بل يعكس أيضا قدرته على منح الأمل للدول التي تتطلع للانضمام إليه. فلا شك في أن الأمل في الحصول على عضوية الناتو (والاتحاد الأوروبي) كان بمثابة قوة دافعة لإرساء قواعد الديمقراطية والتحرر في بلدان وسط وشرق أوروبا الشيوعية سابقا.

يستمر الناتو في قبول حلفاء جدد من خلال "سياسة الباب المفتوح". وعلى الرغم من أن حماسه للتوسع منذ 20 عاما قد أدى إلى إثارة القلق حول احتمالات استعداء روسيا، إلا أن مثل هذا التحفظ لا يعتبر تصرفا حكيما. حيث يبين لنا التاريخ الحديث أنه في كل مرة يتراجع فيها حلف الناتو، تتقدم روسيا.

على سبيل المثال، في أبريل/نيسان عام 2008، اجتمع حلفاء الناتو في بوخارست لمناقشة تقديم خطة العمل المتعلقة بمنح العضوية إلى جورجيا وأوكرانيا. ونتيجة لإصرار ألمانيا وفرنسا، قررنا تأجيل هذا القرار حتى نهاية العام. ومن وجهة نظري، كان هذا خطأ. فبعد أشهر فقط من قمتنا، أصدر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف الأمر بغزو جورجيا، واحتلت روسيا أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية منذ ذلك الحين.

منذ أبريل 1999، وفر الناتو نظاما رسميا للدول المتطلعة للانضمام إليه حتى يتسنى لها تلقي المشورة والدعم، من خلال برنامج خطة عمل العضوية MAP . لكن معايير القبول تجعل من المستحيل عمليا منح عضوية الناتو لأي دولة منخرطة في نزاع إقليمي. يدرك الكرملين هذا الأمر، ولذلك دأب على إثارة ما يسمى بـ"الصراعات المجمدة" - وهي نزاعات على السيادة تبدأ باستخدام العنف ولكنها تستقر مع الوقت في حالة من الجمود - من أجل إبداء اعتراضه بشكل فعال على توسع حلف الناتو.

تعتبر أوكرانيا مثالا حيا على هذه الاستراتيجية الخبيثة. في عام 2014، دفعت الاحتجاجات الضخمة في شوارع كييف الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش إلى الفرار من البلاد. ومع ميل أوكرانيا الحاد والواضح تجاه الغرب، عاد بوتين إلى أساليبه القديمة، ونشر قوات خاصة لضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني. وسرعان ما تبع ذلك توغلات روسية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، حيث ظل النزاع قائما حتى يومنا هذا.

قمت مؤخرا بمراجعة ملاحظاتي من اجتماع المجلس المشترك للناتو مع روسيا لعام 2008 في بوخارست، ووجدت أن بوتين أصدر تصريحات في ذلك الاجتماع تردد صداها لاحقا بعد ضم شبه جزيرة القرم - منها على سبيل المثال، أن ثلث سكان أوكرانيا من الروس، أو أن وجود أوكرانيا في شكلها الحالي كان مرهونا بقرار من الاتحاد السوفيتي. وعلاوة على ذلك، فقد حذر الرئيس البولندي آنذاك ليخ كازينسكي، أثناء غزو جورجيا، من أن أوكرانيا ستكون التالية. لكن هذه الإنذارات المبكرة ذهبت أدراج الرياح.

ومع ذلك، تواصل كل من جورجيا وأوكرانيا إحراز تقدم كبير نحو الوفاء بمعايير عضوية الناتو، على افتراض أنهما سينضمان بالفعل إلى الحلف يوما ما. فقد وفرت إمكانية وجود علاقة أوثق مع الناتو قوة دافعة لإجراء إصلاحات ديمقراطية وعسكرية بالغة الأهمية، كما يساهم كل من البلدين الآن بانتظام في بعثات الناتو، أكثر حتى من العديد من الدول الأعضاء. ومع ذلك، تظل جورجيا وأوكرانيا بحاجة إلى إجراء مزيد من الإصلاحات لاستيفاء معايير العضوية الكاملة في الناتو.

أوكرانيا الآن في مرحلة الإعداد للجولة الثانية من انتخاباتها الرئاسية، ومن المقرر أن تجري جورجيا انتخابات برلمانية العام المقبل. وفي كلتا الحالتين، ستقرر خيارات كل من هذين البلدين مصيره لسنوات قادمة.

نظرا لهذه الظروف والمخاطر التي قد تنجم عنها، على الدول الأعضاء في حلف الناتو أن تقدم ماهو أكثر من مجرد عبارات دافئة حول الإرادة الديمقراطية للشعب الجورجي والأوكراني، وأن تعترف بالدور المخل الذي يلعبه جنون الكرملين في عملية ضم البلدين للحلف. كما يجب علينا أن نواصل مد يد السلام إلى روسيا تحت حكم بوتين، شريطة أن يغير هذا من سلوكها. لكن لا ينبغي أن نحكم على الدول الطموحة بحالة من "الجمود العميق" لأجل غير مسمى لمجرد استرضاء خصم استراتيجي. هدف الكرملين هو إعاقة تقدم هذه الدول نحو الإصلاح إلى أن يبدأ في الانحدار. وإذا سمحنا بحدوث ذلك، سنكون قد أهملنا أداء واجبنا.

في الذكرى السبعين لتأسيس الناتو، حان الوقت لأن يحدد الحلف نقاطا مرجعية واضحة لتحقيق مزيد من التكامل. ويمكن أن يبدأ من خلال تقديم شراكة لتعزيز الفرص مع أوكرانيا، مثلما حدث مع السويد وفنلندا وحتى جورجيا. هذا من شأنه إضفاء طابع رسمي على علاقة أوكرانيا مع التحالف، ويوفر نقطة انطلاق لخطة العمل المتعلقة بالعضوية ​​ومن ثم الانضمام الكامل.

وفي غضون ذلك، يجب على أعضاء الناتو زيادة الضغط (من خلال العقوبات) على روسيا لإنهاء النزاع في منطقة دونباس، على النحو المبين في بروتوكول مينسك 2014، والانسحاب من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ويجب أن يبين التحالف بوضوح أن استيلاء روسيا على تلك الأراضي لم يعد عقبة أمام منح الدول المتطلعة لنيل العضوية طريقا للانضمام الرسمي.

في هذه الحالة، يمكن لحلف الناتو أن يتبع نموذج انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي. حيث تتمتع قبرص بعضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، ولكن تم تعليق قانون الاتحاد الأوروبي في أجزاء من الجزيرة لا تسيطر عليها الحكومة القبرصية. وبالمثل، يمكن لحلف الناتو أن يوفر ضمانات أمنية لجميع الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الحكومتين الجورجية والأوكرانية.

لماذا يُعَد هذا الأمر مهما؟ خلال زيارة قمت بها مؤخرا لخط التماس في دونباس - الخط الأمامي بين القوات الأوكرانية والمسلحين الذين تدعمهم روسيا في أوكرانيا - أخبرني الجنود الأوكرانيون أنهم فخورون بالقتال من أجل الحرية والديمقراطية، ليس فقط من أجل بلادهم، ولكن من أجل أوروبا بأسرها. وإذا أراد حلف الناتو الاستمرار في أداء مهمته السياسية وهو على عتبات عقده الثامن، فعليه احترام تضحيات هؤلاء الجنود من خلال منح بلادهم طريقا واضحا للعضوية.

لن يكون توسيع حلف الناتو ليشمل أوكرانيا، وجورجيا في نهاية المطاف، قرارا سهلا على الإطلاق. لكنه قرار يجب أن يقع على عاتق الدول الأعضاء والدول التي تسعى إلى نيل العضوية، وليس روسيا. فكلما سمحنا لأن تؤتي تدخلات بوتين ثمارها، كلما سعى إلى تقويض سيادة الدول الديمقراطية.

المصدر: PS، موقع "اللواء"