لندن
— تتقارب الدول الأفريقية مع بعضها البعض بشكل متزايد. إذ أبرمت اتفاقية تاريخية
بشأن التجارة الحرة في بداية هذا العام. وحقق شرق أفريقيا تقدما هائلا بشأن حرية
تنقل الأشخاص؛ كما تمت العودة إلى الالتزام بسوق موحدة للنقل الجوي، الذي من شأنه
أن يربط بين الدول أفضل من أي وقت مضى.
إن
أي خطوة من أجل تعزيز التعاون والتماسك في أفريقيا مهمة في حد ذاتها. إنهما يبينان
إلى مدى يدرك الجيل الجديد من القادة الأفارقة أن القوة في القرن الواحد والعشرين
تعكس القوة في الأعداد.
لكن
بالنسبة لأفريقيا، تتطلب القوة وجود الطاقة الكهربائية: فانعدام الطاقة الكهربائية
لازال يعرقل تطور القارة. كما أن الاندماج ضروري لتوسيع حجم الأسواق والربط بينها،
وخفض تكلفة المستهلك، والدفع بعجلة النمو.
ورغم
التطور الذي عرفته أفريقيا في السنوات الأخيرة، لازال أكثر من 600 مليون شخص في
أفريقيا يفتقرون إلى الطاقة الكهربائية. وتشهد الطاقة الشمسية تحسنا، وأصبحت خيارا
ممكنا بفضل تكلفتها المنخفضة. كما أن التدفق المتزايد لرأس المال الخاص تزامن مع
إصلاحات وطنية واسعة النطاق لقطاع الطاقة ، التي من المفترض أن تساعد على توفير
الطاقة الكهربائية. لكن خفض تكلفة الطاقة الكهربائية وتوفيرها في المدن النامية
والمناطق الشاسعة تبقى مهمة مثيرة للمخاوف، لكنها مهمة رئيسة.
أخبرني
جميع القادة الأفارقة الذين تحدثت معهم أن جعل الطاقة متاحة في قمة أولوياتهم،
وحدد معظمهم أهدافا طموحة لتوليد الطاقة وتحويلها. لكن تحقيق هذه الاهداف يتطلب
المزج بين التكنولوجيات، وهو أمر صعب حتى في أحسن الظروف، ويزداد صعوبة عندما
تحاول الدول تحقيق تلك الأهداف لوحدها.
والواقع
أن الموارد ليست موزعة بشكل عادل بين الدول. فالبعض لديه الغاز، والبعض الآخر لديه
موارد مائية. وهناك دول لا تتوفر على أي موارد معينة وتبني محطات للطاقة الحرارية
أو تستورد الوقود السائل الباهض الثمن لتستجيب لحاجياتها، بالإضافة إلى مشاكل
تتعلق بالتنظيم الذي يكمن في أحد الأمرين: إما أن يكون المخزون مبالغا فيه ،
أو أن يكون قليلا جدا.
إن
أكثر الطرق نجاعة للتغلب على هذه الاختلالات في التوازن المكلفة، تكمن في سوق
مشتركة للطاقة. وعلى غرار سوق الاتحاد الاوروبي الداخلية للطاقة، فتجارة الطاقة
الكهربائية ستمتد لتشمل قارة أفريقيا بأكملها، وستشكل جزءا من التطور المستمر
للاتحاد الأفريقي، الذي يسعى الرئيس الرواندي، بول كاغام، لتعزيزه بشكل مبهر. لكن
نقل الطاقة الكهربائية ذات الحجم العالي من إثيوبيا إلى ليسوتو مستبعدة في
المستقبل، والخطوة الأكثر عقلانية ستكون على الصعيد دون الإقليمي.
ومن
بين الفرص لتحقيق خطوة كهذه، هي التجارة عبر حوض الطاقة الكهربائية لغرب أفريقيا.
إن أكثر من نصف سكان هذه المنطقة يستفيدون من الطاقة الكهربائية ، وفقط 3% تقريبا
من حجم توليد الطاقة تعبر الحدود حاليا ( بناء على مستويات القدرة الحالية).
ومع ذلك، إذا توحدت السوق، سيوافق العرض الطلب على الكهرباء بما أن دولا مثل غانا
وساحل العاج تنتج فائضا، بينما تعاني دول أخرى مثل بوركينا فاسو ومالي العجز،
وتعتمد على الوقود السائل الباهض الثمن.
وستكون
لهذه السوق مكاسبا لن تستفيد منها العائلات فقط، بل أيضا الحكومات
والمستثمرون. إذ سيتم الربط بين عدد أكثر من الأشخاص، وستحقق الدول المصدرة المزيد
من الدخل، وستصبح الواردات أقل تكلفة، وأكثر فعالية، وأنظف. وحسب تقرير
لمعهد طوني بلير للتغيير العالمي ومبادرة باور أفريكا التابعة للحكومة الأمريكية،
يمكن لسوق طاقة موحدة أن توفر للمنطقة 32مليار دولار من تكلفة الطاقة في العشر
سنوت القادمة. وبتحسين البنية التحتية والرفع من العرض، يمكن لهذا الرقم أن يتضاعف
بكثير.
وسيشجع
النهوض بسوق على الصعيد دون الإقليمي النمو الاقتصادي، وسيخلق المزيد من فرص
العمل، وسيرفع من الدخل بالنسبة للملايين من الأشخاص. وسينجذب رأس المال الخاص
لفرص جديدة، نظرا لكون الأسواق القومية ترحب بالنشاطات الاقتصادية التي تنتج
الكهرباء وتحوله على نطاق واسع. ومن المنظور البيئي، يمكن لسوق موحدة توفير
ما يقارب 23 مليون طن من زيت الوقود- وهو ما يعادل تقريبا ما تستهلكه السيارات من
الديزل في المملكة المتحدة سنويا.
لكن
لإدراك إمكانيات التجارة في الطاقة الكهربائية، يتعين الاستجابة لأربعة شروط.
أولا، ينبغي تغيير السياسات التي تسعى إلى الموازاة بين السياسات القومية والرؤيا
الإقليمية. ومن قضى منا أطول فترة في الاتحاد الأوروبي يدرك صعوبات هذه السياسات
أكثر من الكثير، وبالنسبة لبعض دول غرب أفريقيا، خفض تكلفة الدعم المكلف وغير
الفعال، والجاري به العمل في نفس الوقت على المستوى السياسي سيكون أمرا صعبا.
ويمكن أن تعوض الأرباح من التجارة الانعكاسات، لكن السياسيين سيجدون صعوبة في
إقناع شعوبهم بها الأمر.
ثانيا،
من الضروري تطوير البنية التحتية من أجل الربط بين الأسواق القومية. ويدعم
المانحون الدوليون جزءا كبيرا من هذا المشروع الضروري لإدماج الشبكات الكهربائية
المعزولة في سوق إقليمية موحدة.
ثالثا،
ينبغي توفير الغاز بشكل متزايد. و من المحتمل أن تكون نيجيريا مصدرا للغاز؛
والمصدر الآخر هو استيراد الغاز الطبيعي السائل المنخفض التكلفة. وبدون الزيادة من
الاحتياط، ستضطر الدول إلى الرجوع إلى الوقود السائل، المرتفع التكلفة وذات نسبة
عالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون.
وأخيرا،
إن التنسيق التنظيمي ضروري لضمان البيئة المُمَكَّنة الصحيحة. لكن هذا يشكل، أيضا،
دعما لتعاملات خاصة في الدرجة الأولى - مثل تلك التي تجرى على طول ساحل غرب
أفريقيا من ساحل العاج إلى موريتانيا- مما قد يساعد بعض الدول على التغلب على
العراقيل، وفتح المجال لتجارة كهربائية أكثر امتدادا في المستقبل.
إن
تطوير السوق الموحدة هذه هي المفتاح الرئيسي لمستقبل الطاقة في غرب أفريقيا. وخلال
العشر سنوات المقبلة، قد يكون لها تأثير كبير على أزيد من 300 مليون شخص. كما أنها
ستكون خطوة مهمة في سعي أفريقيا نحو وحدة متماسكة، والمزيد من الاعتماد على النفس،
ونحو اقتصاد يتقوى بالتجارة أكثر من الإعانات. وستعزز أيضا التقدم الذي يحققه
القادة الأفارقة في جهودهم الرامية إلى إظهار قوة استراتيجية في العالم
اليوم.
المصدر: PS، موقع "اللواء"