بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2019 09:00ص اكتشاف التأثيرات الغريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين!

حجم الخط

هل تبادلت التحديق يوماً مع شخصٍ آخر في أي قاعة مزدحمة، وشعرت بأن كل شيء يتلاشى من حولك ويصبح رمادياً، وشعر كل منكما بأنه يعرف الآخر؟ إن هذا ليس إلا أحد التأثيرات الغريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين.

الأمر قد يشبه مشهداً من مشاهد الأفلام، فقد تشعر بأنك تتصل أنت وروح هذا الشخص الآخر لحظياً.

ولكن، هناك ما هو أغرب، إذ توصل العلماء إلى اكتشاف التأثيرات الغريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ).

الاتصال البصري ضرورة حياتية

لا يكون الاتصال البصري دائماً مثيراً للغاية كما في الحالات السابقة.

فهو جزء طبيعي من معظم المحادثات غير الرسمية على أي حال، لكنَّه دائماً ما يكون مهماً.

فنحن نضع افتراضات حول شخصيات الأشخاص استناداً إلى متى ينظرون في أعيننا، أو يتجاهلونها عندما نتحدث إليهم.

وعندما نمر بالغرباء في الشارع أو بمكانٍ عامٍ آخَر، يمكن أن نشعر بأننا منبوذون إذا لم يتواصلوا معنا بأعينهم.

هذا ما نعرفه بالفعل من تجاربنا اليومية. لكنَّ علماء النفس وعلماء الأعصاب يدرسون التقاء الأعين منذ عقود، وتكشف نتائجهم المثيرة للاهتمام عن قوة هذا التواصل، وضمن ذلك ما تكشف عنه أعيننا، وكيف يغير التقاء الأعين أفكارنا عن الشخص الآخر الذي يبادلنا النظرات.

التأثيرات الغريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين.. إنه يجعلنا أقل وعياً

فعلى سبيل المثال، هناك استنتاج متكرر يتمثل بأنَّ النظر في العينين يجذب انتباهنا، وهو ما يجعلنا أقل وعياً بما يدور حولنا (ما حولنا يتلاشى إلى اللون الرمادي كما ذكرنا سابقاً).

ويثير التحديق أيضاً في نظر أحد الأشخاص مجموعة من عمليات الدماغ على الفور تقريباً، لأنَّنا نفهم حقيقة أنَّنا نتعامل مع عقل شخص آخر ينظر إلينا حالياً.

ونتيجة لذلك، نصبح أشد وعياً بقوة الشخص الآخر؛ بأنَّ لديه عقلاً ومنظوراً خاصاً به، وهذا بدوره يجعلنا أشد وعياً بالذات.

حتى إن التحديق بأعين القرود أو الصور الصماء يؤدي إلى نتائج مماثلة

ومن التأثيرات الغريبة للتحديق ما يحدث عند النظر في أعين حتى الحيوانات.

قد تكون لاحظت هذه التأثيرات بقوة إذا كنت قد حدقت النظر في أحد القرود بحديقة حيوانات: فمن المستحيل تقريباً ألا يكون قد هيمن عليك الإحساس العميق بأنَّه واعٍ بك ويتفحصك، ويُكوِّن رأياً تجاهك.

وفي الواقع، فحتى لو نظرنا إلى صورة مرسومة يبدو أنَّها تتواصل بالعين، يتضح أنَّها تحفز نشاطاً عقلياً في الدماغ يتعلق بالإدراك الاجتماعي.

ويحدث ذلك في المناطق المعنيَّة بالتفكير في أنفسنا والآخرين.

والنظر في أعين شخصيات بفيديوهات يستنزف مخزوننا المعرفي

وليس من المستغرب أنَّ عملية إدراك أنَّنا موضع اهتمام عقل آخر تُعد عملية مُشتِّتة بشدة.

ففي دراسة حديثة أجراها باحثون يابانيون، نظر المتطوعون في مقطع فيديو إلى وجهٍ، في حين كانوا يحاولون حلَّ لعبة تتضمن ذكر أفعال تتناسب مع أسماء مختلفة باللغة الإنجليزية (على سبيل المثال: إذا سمعنا كلمة «الحليب»، فسيكون الفعل «يشرب» من الأفعال المناسبة).

وكان من بين الملاحظات المهمة أنَّ المتطوعين واجهوا صعوبة أكبر في هذه اللعبة (مع الأسماء الصعبة فقط) عندما بدأ الوجه الذي يظهر في الفيديو يتواصل معهم بالعين.

ويعتقد الباحثون أنَّ هذا التأثير حدث بسبب التقاء الأعين، حتى لو مع شخص غريب في الفيديو، وأنَّ هذا التأثير شديدٌ، لدرجة أنَّه يستنزف مخزوننا المعرفي.

وقد توصَّلت أبحاث مماثلة إلى أنَّ تلقِّي النظرة المباشرة من شخص آخر يتداخل أيضاً مع ذاكرتنا النشطة (قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات واستخدامها في العقل خلال مددٍ زمنية قصيرة)، وخيالنا، وتحكُّمنا العقلي، بمعنى قدرتنا على كبح المعلومات غير المهمة.

ربما تكون قد تعرضت لمثل هذه التأثيرات بنفسك -دون إدراك على الأرجح- كلما حدقت النظر في عين شخص آخر، حتى تركز تركيزاً أفضل على ما تقوله أو تفكر فيه.

ولهذا يوصي العلماء بعدم النظر في أعين الأطفال

لذا، يوصي بعض علماء النفس حتى بالنظر بعيداً عن العين، لمساعدة الأطفال الصغار على الإجابة عن الأسئلة.

وبالإضافة إلى أنَّ التقاء الأعين يُقحِم أدمغتنا في مضاعفات اجتماعية، تُظهر الأبحاث أيضاً أنَّه يشكل إدراكنا للشخص الآخر الذي يبادلنا النظر.

فعلى سبيل المثال، ننظر عموماً إلى الأشخاص الذين يلتقون بالأعين أكثر من غيرهم، على أنَّهم أذكى وأوعى وأصدق (على الأقل في الثقافات الغربية)، ونصبح أكثر ميلاً إلى تصديق ما يقولون.

وهذه هي المدة المثالية للتحديق

وبالطبع، فإنَّ التقاء الأعين أكثر من اللازم يمكن أن يُشعرنا بعدم الارتياح أيضاً، والأشخاص الذين يحدقون دون أن يُبعدوا نظرهم يمكن أن يعطوك انطباعاً بالفظاظة.

ففي إحدى الدراسات التي أُجريت في أحد متاحف العلوم، حاول علماء النفس مؤخراً تحديد المدة المفضلة لالتقاء الأعين.

وخلصوا إلى أنَّها 3 ثوان في المتوسط (ولم يُفَضِّل أي شخصٍ النظرات التي استمرت أكثر من 9 ثوان).

وأحياناً يخلق علاقة خاصة بين الغرباء

وثمة تأثيرٌ آخَر مُوثَّق للتحديق المتبادل، قد يساعد في تفسير الشعور بالقوة الشديدة لالتقاء الأعين في بعض الأحيان.

إذ وجدت دراسة حديثة أنَّ التحديق المتبادل يؤدي إلى نوع من الخلط الجزئي بين الذات والآخَر؛ فنحن نُقيِّم الغرباء الذين نتواصل معهم بالعين على أنَّهم أكثر شبهاً بنا، من حيث شخصيتهم ومظهرهم.

ربما، في السياق الصحيح، عندما يكون الجميع مشغولاً من حولك بالتحدث إلى أشخاص آخرين، فإنَّ هذا التأثير يضيف إلى الإحساس بأنَّك أنت والشخص الذي يبادلك النظرات يشارك أحدكما الآخر لحظة خاصة.

ولا تنتهي كيمياء التقاء الأعين عند هذا الحد. فإذا اخترت أن تقترب أكثر، فستجد أنت وشريكك في النظر، أنَّ التقاء الأعين يلتحق بكما أيضاً بطريقة أخرى، في عمليةٍ تُعرف باسم «محاكاة حدقة العين» أو «عدوى حدقة العين».

الرقص البصري هو أن تضيق أو تتسع حدقات شخصين بالتزامن/ISTOCK

وتصف هذه العملية كيف تتوسع حدقة عينك وحدقة الشخص الآخر وتضيق إحداهما مع الأخرى بالتزامن. وقد فُسِّر ذلك على أنَّه شكل من أشكال المحاكاة الاجتماعية اللاشعورية، وهو نوع من الرقص البصري، وهذا وصفٌ أكثر رومانسية.

لكن في الآونة الأخيرة، كان هناك بعض التشكيك في هذا الأمر، إذ يقول باحثون إنَّ هذه الظاهرة مجرد استجابة للتغيرات في درجة لمعان عينَي الشخص الآخر (على مسافة قريبة، عندما تتوسع حدقة الشخص الآخر، يزيد ذلك من ظلام المشهد، وهو ما يسبب توسيع حدقتك أيضاً).

كما يُعتقد أن أصحاب الحدقات الأوسع أكثر جاذبية جنسياً

بيد أنَّ هذا لا يعني أنَّ توسُّع الحدقة ليس له مغزى نفسي.

ففي الواقع، وبالعودة إلى ستينيات القرن الماضي على الأقل، درس علماء النفس الطريقة التي تتوسع بها الحدقة عندما نكون أكثر استثارة أو تحفيزاً (بالمعنى الفسيولوجي)، سواء بمثيرات فكرية أو عاطفية أو جمالية أو جنسية.

وقد أثار هذا جدلاً حول ما إذا كانت الوجوه ذات الحدقة الأوسع (التي تُفهم أحياناً على أنَّها علامة على الرغبة الجنسية) ينظر إليها الشخص الآخر على أنَّها أكثر جاذبية.

ولذا، فإن النساء منذ القدم يستخدمن النباتات لتوسيع الحدقات

وتشير بعض الدراسات على الأقل، التي مضى على بعضها عقود وبعضها حديث، إلى أنَّ الوجوه ذات الحدقة الأوسع أكثر جاذبية.

ونحن نعلم أيضاً أنَّ أدمغتنا تنجذب تلقائياً إلى الأشخاص الآخرين ذوي الحدقة الواسعة.

وفي كلتا الحالتين، وقبل قرون من هذا البحث، اعتبرت الثقافة الشعبية بكل تأكيد، أنَّ العيون الواسعة جذابة .

الحدقات والعيون الواسعة تشير إلى الجمال في الثقافة الشعبية/ISTOCK

وفي أزمنة مختلفة من التاريخ، استخدمت النساء حتى مستخلصات أحد النباتات، لتوسيع حدقتهن من أجل جعل أنفسهن أكثر جاذبية.

ومن هنا جاء الاسم العام لهذا النبات: البلادونا: أي السيدة الجميلة أو ست الحُسن.

ويمكن قراءة المشاعر من عضلات العين

ولكن عندما تنظر إلى شخص آخر بعُمق في عينه، لا تظن أنَّ حدقته فقط هي التي ترسل إليك رسالة.

إذ تشير أبحاث حديثة أخرى إلى أنَّنا نستطيع قراءة المشاعر المعقدة من عضلات العين، ويحدث ذلك سواءٌ أكان الشخص يُضيِّق عينيه أم يوسعهما.

لذا، على سبيل المثال، عندما تتسبب بعض المشاعر، مثل الاشمئزاز، في تضييق أعيننا، فإنَّ هذا «التعبير البصري»، مثله مثل تعبيرات الوجه، يرسل رسالة باشمئزازنا تجاه الآخرين.

والدوائر الداكنة لدى الرجال لها تأثير على النساء الباحثات عن العلاقات العابرة

وهناك ملامح أخرى مهمة في العين الحلقات الحوفية، وهي الدوائر الداكنة التي تحيط بقزحية العين.

إذ يشير دليلٌ اكتُشِف مؤخراً، إلى أنَّ هذه الحلقات غالباً ما تكون مرئية في الأشخاص الأصغر سناً والأشد صحة.

وتبين أنَّ بعض الناظرين يعرفون ذلك إلى حدٍّ ما، مثل النساء المائلات إلى الجنس الآخر واللواتي يبحثن عن علاقة عابرة ويفضلن الرجال ذوي الحلقات الطرفية الأوضح، ليكونوا أكثر صحة وجاذبية.

فتبادُل الاتصال بالعيون يعبر عن تلامس العقول والأرواح

وتشير كل هذه الدراسات إلى أنَّ المَثل القديم القائل بأنَّ «العين نافذة على الروح» حقيقي بدرجةٍ كبيرة.

ففي الواقع، هناك شيء قوي للغاية متعلق بالتحديق بعمق في عينَي شخص آخر.

يقولون إنَّ أعيننا هي الجزء الوحيد من دماغنا الذي يتعرض مباشرة للعالم الخارجي.

لذا فعندما تنظر إلى شخص آخر في عينيه، ففكِّر فقط في أنَّ هذا ربما يكون أقرب طريقة لـ «تلامُس العقول»، أو تلامُس الأرواح إذا كنت ترغب في أن تكون أكثر شاعرية.

ولكنَّ إطالة التحديق يمكن أن تؤدي إلى نتائج غريبة جداً، الأفضل ألا تجربها

وبالنظر إلى هذه العلاقة الحميمية، ربما لن يكون هناك عجبٌ في أنَّك إذا خفضت حدة الأضواء وحدقت النظر في شخص آخر 10 دقائق من دون توقف، فستجد أشياء غريبة تبدأ في الحدوث، ربما أغرب من أي شيء تعرَّضت له على الإطلاق.

فقد حدثت أشياء مذهلة في تجربة للتحديق لمدة 10 دقائق، أجراها الباحث الإيطالي Giovanni Caputo ، خضع لها 20 متطوعاً، من بينهم 15 امرأة.

إذ قال 75% ممن خاضوا هذه التجربة، إنه تهيَّأ لهم أن رأوا وحوشاً، بسبب عملية التحديق هذه.

وقال 90% من المجموعة التي تحدق في العيون، إنهم رأوا بعض ملامح الوجه المشوهة، في حين قال 50% إنهم رأوا جوانب من وجوههم على وجه شريكهم، وقال 15% منهم إنهم رأوا وجه أحد الأقارب.