بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيلول 2020 11:31ص أربعينيّة العراق وإيران.. محطّات فاصلة وفصول دمويّة قابعة في وجدان المنطقة

حجم الخط

تُحيي منطقة "التوتر الدائم" اليوم، الذكرى الأربعين لاندلاع الحرب العراقيّة الإيرانيّة، التي استمرت ثمانية أعوام (1980- 1988)، فيما لا تزال ويلاتها وتأثيراتها متمركزة في وجدان هذه البقعة المتحركة على حمم بركانيّة لا ينطفئ ثورانها، ولا يكاد وهج نيرانها يخمد حتى يشتعل مجددًا من تحت رماد تحرّكه عصا تأبى فِتَنُها أن تركد بسلام.

أسماؤها شتّى والمصير المشؤوم واحد، فقد وُصمت حرب العراق وإيران بعار أطول حروب القرن الـ20 في المنطقة وأكثرها دمويّة، ووصفت بأنّها حرب تاريخيّة أليمة، حتّى أُطلق عليها ذات مرة "الحرب العالميّة الثالثة".

للحرب العراقيّة الإيرانيّة تاريخان، كما يرى خبراء ومحلّلون، تاريخها المعلن وهو يوم 22 أيلول/ سبتمبر 1980، وتاريخ آخر وهو اليوم الرابع من الشهر نفسه، عندما اخترق الطيران الإيرانيّ الأجواء العراقيّة، فضلا عن المناوشات السابقة التي وقعت على المخافر الحدوديّة بين البلدين.

فمن وجهة نظر العراق، بدأت ملامح الحرب الأولى، في 4 أيلول، حينما بدأ الجانب الإيرانيّ بقصف مخافر عراقيّة حدوديّة، على الرغم من عشرات المذكرات الاحتجاجيّة التي بعثها والموجودة في أدراج الأمم المتحدة.

فجاء الرد العراقيّ على طهران بقصف مطارات عدّة في العمق الإيرانيّ في 22 أيلول، وكانت بداية الحرب الطويلة التي استمرت 8 أعوام.

7 مايو 1987: حطام دبابات عراقية وشظايا قنابل متناثرة على جانب تلة في منطقة ماوت الجبلية شمالي شرق كركوك

)7 أيار/ مايو 1987: حطام دبابات عراقيّة وشظايا قنابل متناثرة على جانب تلة في منطقة ماوت الجبلية شمالي شرق كركوك)

مراحل الحرب

تقسّم الحرب، بحسب خبراء عسكريّين، إلى 4 مراحل أساسيّة: المرحلة الأولى ردّ العراق على إيران، في يوم 22 أيلول/ سبتمبر 1980.

أما في المرحلة الثانية، فكان انسحاب القوات العراقيّة إلى الحدود الدوليّة بين العراق وإيران، وبدأت عام 1982.

فيما كانت الثالثة، مرحلة الاستنزاف بين الجيش العراقيّ والجيش الإيرانيّ، وأشدّها حرب الصواريخ بين البلدين، وبعض المعارك المهمّة مثل الحصاد الأكبر، وسيطرة القوات الإيرانيّة على شبه جزيرة الفاو.

المرحلة الرابعة هي ما وصفها العراق بـ"معارك التحرير"، والتي بدأت بمعركة استعادة السيطرة على الفاو في 17 نيسان/ أبريل 1988، ومرورًا بمعارك أخرى.

لتنتهي تلك المعارك بقبول إيران قرار وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة، لتضع الحرب أوزارها.

أبرز المحطّات الفاصلة

للحرب العراقيّة الإيرانيّة تفاصيل كثيرة، ومعارك تاريخيّة عدة كانت بمثابة محطات ومنعطفات فاصلة في ميزان الحرب.

فقد استطاعت بغداد بداية تحقيق انتصارات متتالية، إلى أن سيطر الجيش العراقيّ على مدينة خرمشهر في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، بعد معارك شرسة استمرت نحو 50 يومًا، ثمّ كانت نقطة بداية التراجع، حيث بدأ العراق يفقد مبادرته الهجوميّة.

فقد حاول الجيش العراقيّ السيطرة بعدها على مدينة عبدان، إلا أنّ حامية إيرانيّة مكونة من 10 آلاف مقاتل، وخمسة آلاف عنصر مليشياوي، و50 دبابة، استطاعت منعه من تحقيق ذلك.

تميّزت الستة أشهر الأولى من عام 1981 بالجمود على جبهات القتال، ولكن في حزيران/ يونيو، مُني الجيش الإيرانيّ بخسائر فادحة، قبل أن يبدأ بحلول أيلول/ سبتمبر، في إحراز تقدّم من خلال فكّ الحصار عن مدينة عبدان، على يد قوّة مكوّنة من الحرس الثوريّ والقوات النظاميّة التقليدية، فانسحب العراقيّون إلى نهر قارون.

بعد شهرين من هذا التاريخ، قاد الإيرانيّون هجومًا مضادًا جديدًا في شمال غرب منطقة الأحواز، وفي آذار/ مارس 1982، هزم الإيرانيون العراقيين في منطقة دزفول وشوش.

بعدها أطلق الإيرانيّون هجومًا واسعًا لاستعادة خرمشهر، فتمكّنوا من ذلك بحلول نهاية أيلول/ مايو، وأقرّت بغداد وقفًا لإطلاق النار رفضته طهران، وبدأت تسحب قواتها من داخل إيران.

هنا حدث منعطف كبير في ميزان الحرب وانتقلت المعارك إلى الحدود والأراضي العراقيّة.

باستعادة إيران لخرمشهر، تكون المرحلة الثانية من الحرب قد انتهت بخسائر فادحة في الأرواح، منذرة بالمرحلة الثالثة (من حزيران/ يونيو 1982 إلى آذار/ مارس 1984)، وهي الهجوم الإيرانيّ على الأراضي العراقيّة والذي بدأ بمحاولة احتلال البصرة، من دون نتائج تذكر.

جندي إيراني

(من صور الحرب الشهيرة. جنديّ إيرانيّ يوجّه فوهة مدفعه نحو الحدود العراقيّة)

فصل جديد في الحرب الدمويّة

في 6 آذار/ مارس من العام 1984، اندلع فصل جديد في الحرب الإيرانيّة_العراقيّة تمثّل في حرب الناقلات، حيث استهدف الطرفان ناقلات البترول والسفن المارة في المياه الإقليميّة للبلدين والبلدان المجاورة.

وفي آذار/ مارس 1985، حاولت إيران مرة أخرى السيطرة على البصرة من خلال عملية "بدر"، التي شارك فيها نحو 55 ألف عنصر من الحرس الثوريّ، ورغم تحقيق بعض الانتصارات، خسر الإيرانيون معظم الأراضي التي سيطروا عليها.

حاول الإيرانيون مرة أخرى السيطرة على مدن عراقيّة، في شباط/ فبراير 1986، من خلال هجوم واسع اعتمد على 200 ألف جنديّ، إلا أنّ العراقيّين تمكّنوا من احتوائه.

فيما استطاعت إيران السيطرة على شبه جزيرة الفاو، بفضل التكتيكات البرمائيّة الإيرانيّة، بعد أن أخطأ العراقيّون في تقدير الموقف، وتباطؤوا في الاستجابة للهجوم.

في العام نفسه، أطلق العراقيّون هجومًا مضادًا واسعًا، لمنع أيّ هجوم إيرانيّ محتمل على العاصمة بغداد، وبالفعل سيطر العراقيون على مدينة مهران الإيرانيّة، إلا أنّ الإيرانيّين أطلقوا هجومًا لمحاولة استعادتها استخدموا فيه الغاز السام.

وفي 23 كانون الأول/ ديسمبر، أطلقت إيران هجومًا على شط العرب، قوبل بمقاومة عراقيّة جعلته بلا طائل، وقد خسر العراقيّون في هذه المعركة القصيرة نحو 12 ألف جندي.

البصرة مجددًا

أطلقت إيران في بداية 1987 هجومًا آخر على البصرة، باستخدام قوة مكوّنة من 60 ألف مجنّد، كان بينهم أطفال بعمر الـ 14 و15 عامًا، لم يحصلوا على تدريب عسكريّ.

تقدم الإيرانيون بالفعل وبدأوا في تحقيق نجاحات على حدود البصرة، إلا أنّ الجيش الإيرانيّ مُني بخسائر فادحة مع مرور الوقت بفضل الطيران العراقيّ، حيث عانت إيران من خسائر بشريّة في هذه المعركة، وصلت إلى 40 ألفًا بين قتيل ومصاب.

حاولت إيران الضغط مرة أخرى في شباط/ فبراير، بعد خطاب لمرشد الثورة روح الله الخميني، قال فيه إنّ الحرب مع العراق "مقدّسة"، متعهدًا بالنصر، إلا أنّ محاولات السيطرة على البصرة باءت بالفشل.

عام 1988، أطلقت القوات العراقية عمليّة استعادة السيطرة على مدينة الفاو، والتي تعدّ "المعركة الفاصلة" في تلك الحرب الطويلة، حيث كانت معركة نوعيّة استطاع الجانب العراقيّ فيها استعادة المدينة من الجانب الإيراني خلال 35 ساعة، وتكبدت القوات الإيرانيّة خسائر بشريّة وماديّة كبيرة.

جنود عراقيون امام صورة للامام الخميني في الفاو اقصى جنوب العراق الذي احتلت القوات الايرانية جزءا منه في فبراير شباط 1986

(جنود عراقيّون أمام صورة للخميني في الفاو، أقصى جنوب العراق، الذي احتلت القوات الإيرانيّة جزءًا منه في فبراير/ شباط 1986)

وضعت الحرب أوزارها

على وقع تطورات ميدانيّة محتدمة، وخسائر كبيرة، وإفلاس البلاد، قَبِل الخميني بمحادثات وقف إطلاق النار، ليشهد تاريخ 8 آب/ أغسطس 1988، على انتهاء إحدى أكثر حروب القرن دمويّة، والتي استُخدم فيها جميع أنواع الأسلحة _عدا الأسلحة النوويّة_ وكان للأسلحة الكيمائيّة، ضرر كبير جدًا حيث قتلت عددًا ضخمًا من الأبرياء.

خسائر الطرفين

أفرزت الحرب العراقيّة الإيرانيّة خسائر كبيرة ومتنوعة. فقد أسفرت عن مقتل نحو مليون شخص من كلا الجانبين العراقيّ والإيرانيّ، بالإضافة إلى مليوني إصابة وعجز دائم، فضلًا عن المفقودين والأسرى.

إضافة إلى ذلك، كانت الحرب مكلفة ماديًا واستنفدت أموال البلدين، كما تسبّبت بتراجع كبير وتدمير لاقتصاد الجانبين، حيث يوثّق خبراء وباحثون، خسائر كبيرة على صعيد توقف تصدير النفط، وتدمير آباره، وتدمير منشآت حيويّة واقتصاديّة، وتوقف تجارة البلدين في منطقة الخليج العربيّ والمياه الدوليّة.

كما تبيّن الأرقام أنّ الخسائر الماديّة للعراق بلغت 251 مليار دولار، بينما الخسائر الإيرانيّة بلغت 653 مليار دولار.

صور تلفزيونية لنساء تشيعن جنازة 465 جندي ايراني في ولاية خوزستان جنوبي غرب البلاد

(صورة تلفزيونيّة لنساء تشيعن جنازة 465 جنديّ إيرانيّ في ولاية خوزستان، جنوبي غرب البلاد)

أسباب الحرب الرئيسة

لم يكن لحرب الثمانينيات سبب واحد، لكن من أبرز الأسباب، الخلاف الحدوديّ التي سعت الدولتان إلى إنهائه من خلال إبرام اتفاقيّة الجزائر عام 1975، حيث تمّ تقسيم نهر شط العرب بين الجانبين.

إلّا أنّه في العام 1980، أعلنت بغداد أحاديًا إلغاء الاتفاقيّة، مؤكدة أنّ شط العرب كلّه عراقيّ.

كما قام الجانب الإيرانيّ بدوره باستفزازات عدّة، منها القصف المدفعيّ على بعض المناطق العراقيّة، وكذلك التعرّض للسفن العراقيّة في الخليج العربيّ.

مع الإشارة إلى أنّ صفحة العداوة الإيرانيّة_العراقيّة، في زمن الرئيس صدام حسين ومرشد إيران الخميني، لم تكن الأولى في تاريخ الجارتين، بل يعود الصراع الثنائيّ إلى زمن سحيق، بداية من إمبراطوريات ما بين النهرين القديمة، وصولًا إلى ستينيات القرن الماضي، وحتى حرب الثمانينيات.

أمّا اليوم، وبعد أربعين عامًا على نهاية إحدى أطول حروب العصر الحديث، فلا تزال العلاقة بين إيران والعراق تطرح إشكاليّات وتساؤلات عدّة، في ظلّ سعي بغداد، بعد حروب شعواء دمّرت الحجر والبشر، إلى التحرّر من سلطة مافيويّة فرضتها ميليشيات شتّى مدعومة من طهران، أخذت بلاد ما بين النهرين رهينة لمصالح أعوانها وداعميها. ليبقى السؤال الأبرز: متى سيتخلّص العراق من أذرع الخارج، كلّ الخارج؟ ومتى سيتحقّق حلم العراقيّين ببلد ينعمون به بحلو العيش بعد كؤوس المرّ المسمّمة بضنك الحياة؟