3 سنوات مرّت على تحرير مدينة الموصل، مركز محافظة
نينوى العراقيّة التي اتخذها "داعش" عاصمة لخلافته المزعومة، ولا تزال المدينة
شاهدة بأنقاضها وأكوام حجارتها وبيوتها المهدّمة على هول الأيام القاسية.
لا شيء في أحياء المدينة القديمة إلا الغبار وذكريات
منازل هجرها سكانها ولم يعودوا بعد، على رغم مرور السنوات الثلاث، أمّا السبب فشحّ
المال وغياب الدعم من الدولة.
أمّا المسؤولون العراقيّون فكرروا أمس وعودهم، لكن أهل
الموصل يئسوا الوعود المتكررة، فعلى الرغم من تعاقب حكومتين، لا تزال هذه المدينة منكوبة
تعاني الدمار والإهمال.
ففيما أكد الرئيس العراقي برهم صالح في بيان بمناسبة
الذكرى الثالثة لتحرير المدينة، أنّه لن يرتاح له بال حتى عودة آخر نازح ومهجر واستقراره
في بيته في ظروف كريمة، حيّا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأبطال
في هذه المناسبة.
لا حياة وجثث منتشرة
في ظلّ هذا الواقع، يؤكّد محمد ناطق، أحد أهالي الجانب
الأيمن بالموصل لـ العربية.نت، أنّه لا يشعر بأيّ فرحة بالتحرير، لأنّ الحكومة المحلية
والمركزية لم تقم حتى الآن بإعمار المدينة، ولم تعوض المتضررين عن الدمار الذي لحق
بهم"، "الحياة غائبة عن المدينة القديمة، ولا تزال الجثث المتفسخة منتشرة"،
مشيرًا إلى أن معظم أقاربه ما زالوا في المخيمات، ولم يعودوا نظرًا لحال المنطقة، وغياب
الحكومة وخدماتها، وأضاف "كلما دخلت مناطق الجانب الأيمن في الموصل، لا سيما مناطق
القليعات والشهوان ستشاهد الجثث المتحللة وتشم رائحتها".
سوء إدارة وفساد وأحزاب
من جانبه، أعاد النائب عن محافظة نينوى شيروان الدوبرداني
سبب بقاء الخراب في المدينة إلى الفساد وسوء الإدارة، مؤكدًا أنّ أكثر من مليون نازح
من أبناء المدينة لم يعودوا.
كما أكد أن ميزانية رصدت للمدينة تجاوزت 580 مليار دينار
عراقي، لكن سوء الإدارة والفساد وتغيير المحافظين والإدارات في نينوى، ووجود المكاتب
الاقتصادية للأحزاب المتنفذة، شكّلت عائقًا أمام إعادة البناء، حيث لا تزال الجسور
مدمرة والمستشفيات مدمرة والبنى التحتية لا تزال خارج الخدمة.
النائب أضاف أن وجود ميليشيات ومافيات خارج المنظومة
الأمنيّة تعبث بمقدرات نينوى ناهيك عن وجود جماعات وقوات غير عراقيّة في قضاء سنجار
شمال غرب الموصل، أخّرت أيضًا إعادة إعمار المدينة.
فمثلا، قام المحافظ السابق نوفل العاكوب لسنوات بدفع
أموال طائلة لفصائل مسلحة كانت تسيطر على حواجز مداخل المدينة، لإدخال مواد البناء،
وفقًا لتقرير صادر عن الجامعة الأميركيّة في السليمانية، في شمال البلاد.
كذلك أوضح النائب أنّ عائلات بعض عناصر داعش لا تزال
تعيش في مخيمات جنوب الموصل، من دون حلول أو برامج تأهيل من أجل العودة إلى كنف المجتمع
العراقي وقيمة ثانية.
تعويضات لم تدفع
بدوره، كشف رئيس لجنة التعويضات محمد محمود أنّ
"عدد المعاملات والطلبات التي تقدم بها مواطنون من أجل دفع تعويضات لإعمار بيوتهم
بلغ حوالي تسعين ألفًا، منها ما بين 48 و49 ألفًا تخصّ أضرار الدور والمحال وبقية العقارات
الأخرى، وهناك 39 ألف معاملة تتعلق بالأضرار البشرية من قتلى ومصابين ومفقودين".
محمود قال لوكالة الصحافة الفرنسيّة إنّه "تمت معالجة
ثلاثة أرباع الملفات، لكن الصرف شبه متوقف بسبب قلة التخصيصات المالية"، وتابع
"حتى الآن لم تصرف مبالغ التعويض إلا لقرابة 2500 متضرر فقط".
يذكر أنّ الأمم المتحدة نجحت في إعادة بناء ألفي منزل
ومحطة لمعالجة المياه ومحطات توليد الطاقة وإدارات المستشفيات، و150 مدرسة وكلية ومركز
شرطة. لكنّ هذه الأرقام تعتبر نقطة
في بحر بالنسبة لمدينة يقطنها أكثر من مليوني نسمة، ولا تزال منطقتها القديمة تبدو
وكأنها تلة ضخمة من الأنقاض.
تبخر الوعود
في حزيران/ يونيو الماضي، قام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي
بزيارة مع صحافيين إلى الموصل، ووعد بأن يدرس "شخصيًا كل عقد إعادة بناء لإنهاء
الاستغلال والفساد".
بينما تعهدت الدولة بدفع رواتب وتعويضات لعائلات
"الشهداء" وضحايا "الإرهاب" ولأسر الجرحى الآخرين. لكن مع الانخفاض
الكبير في سعر برميل النفط، وانكماش الاقتصاد بنسبة 10 في المئة، وهو أدنى مستوى خلال
20 عاما، وعجز قياسي بنسبة 30 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، يبدو من المستحيل
الإيفاء بهذه الوعود.
رجعوها.. واطردوا الميليشيات
في المقابل أطلق ناشطون عراقيّون على مواقع التواصل الاجتماعي
هاشتاغ (وسم) "#رجعوها"، داعين إلى حلّ ملفات مدينة الموصل العالقة.
كما حثّ الناشطون الحكومتين المحليّة والمركزيّة على
إعادة إعمار المدينة وانتشال الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض، وطالب المغردون بضرورة
إطلاق سراح المغيبين قسريًا والكشف عن مصيرهم والجهات التي خطفتهم، شددوا على أهمية طرد الميليشيات
والعصابات من المدينة ونشر القوات الحكومية الرسمية.
المصدر: العربيّة