بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آذار 2021 11:54م البابا: التطرف والعنف خيانة للدين

أنهى زيارة تاريخية للعراق بلقاء السيستاني

البابا خلال اجتماعه مع السيستاني في منزله في مدينة النجف البابا خلال اجتماعه مع السيستاني في منزله في مدينة النجف
حجم الخط
عقد البابا فرنسيس اجتماعاً تاريخياً مع المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني عندما زار أمس الأول منزل السيستاني في مدينة النجف بجنوب العراق وذلك في أول لقاء من نوعه بين رأس الكنيسة الكاثوليكية ومرجع أعلى للشيعة.

كما زار البابا مسقط رأس النبي إبراهيم لإدانة أعمال العنف باسم الدين والتي وصفها بأنها «أكبر إساءة وتجديف».

وقال البابا فرنسيس معلقا على ختام زيارته للعراق، إنه اليوم أستطيع أن ألمس أن الكنيسة في العراق حية.

وسلط الحدثان المتتاليان في مكانين يفصل بينهما نحو 200 كيلومتر، أحدهما في مدينة مأهولة ذات طبيعة متربة، والآخر في سهل صحراوي الضوء على الموضوع الرئيسي لرحلة البابا المحفوفة بالمخاطر إلى العراق وهي أن البلد عانى كثيرا وأن عمليات القتل كانت تتم غالبا على أساس طائفي.

وقال البابا فرنسيس في أور حيث ولد النبي إبراهيم «من هذا المكان ينبوع الإيمان، من أرض أبينا إبراهيم، نؤكد أنّ الله رحيم، وأن أكبر إساءة وتجديف هي أنْ ندنس اسمه القدوس بكراهية إخوتنا. لا يَصْدُرُ العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلّها خيانة للدين».

وبينما كانت رياح الصحراء تعبث بردائه الأبيض، تحدث البابا أثناء جلوسه مع زعماء مسلمين ومسيحيين ويزيديين حيث ظهر على مرمى البصر موقع الحفريات الأثرية للمدينة البالغ عمرها أربعة آلاف عام والتي تضم بناء هرمي الشكل يعرف باسم زقورة ومجمعا سكنيا ومعابد وقصورا.

وقبل ساعات في النجف، التقى البابا مع السيستاني في لقاء كان بمثابة لفتة قوية تدعو للتعايش السلمي في أرض عصفت بها الطائفية والعنف.

وعُقد الاجتماع في منزل السيستاني المتواضع الذي يستأجره منذ عقود والذي يقع في زقاق ضيق بمدينة النجف قرب مرقد الإمام علي ذي القبة الذهبية. 

واضطر البابا إلى السير حوالي 30 مترا على طول زقاق للوصول إليه بعد مغادرة سيارته.

وبعد الاجتماع، دعا السيستاني القيادات الدينية على مستوى العالم إلى حث القوى العظمى على تحمل مسؤولياتها وتغليب العقل والحكمة على لغة الحرب. 

وأضاف أن المسيحيين يجب أن يعيشوا مثل كل العراقيين في سلام وتعايش.

وقال السيستاني في بيان إنه أشار إلى «الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها من حثّ الأطراف المعنيّة، ولا سيما في القوى العظمى، على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة» مؤكدا اهتمامه بأن يعيش المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام.

وقال البابا في أور «لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين. ونحن المؤمنين، لا نقدر أن نصْمت عندما يُسيء الإرهاب إلى الدين. بل واجب علينا إزالة سوء الفهم. لا نسمح لنور السماء أن تغطّيه غيوم الكراهية! كانت كثيفة، فوْق هذا البلَد، غيوم الإرهاب والحرب والعنف المظلمة وعانت منها جميع الجماعات العرقية والدينية».

وفي أور أشاد البابا بالشباب المسلم لمساعدته المسيحيين في إصلاح كنائسهم «عندما اجتاح الإرهاب شمال هذا البلد الحبيب».

وفي وقت لاحق وخلال عظة في القداس الذي ترأسه مساء أمس الأول في كاتدرائية القديس يوسف للكلدان ببغداد، قال البابا «المحبّة هي قوّتنا، وقوّة إخوة كثيرين لنا وأخوات، عانوا هنا أيضا من الأحكامِ المسبقة والإساءات وسوء المعاملَة والاضطهادات، من أجل اسم يسوع».

وبسبب قيود فيروس كورونا تم تحديد عدد الأشخاص المسموح لهم بدخول الكنيسة بنحو 100 شخص لكن العدد شمل رئيس البلاد ووزير الخارجية ورئيس مجلس النواب وجميعهم مسلمون.

وفي آخر محطة عامة من زيارته التاريخية إلى العراق، ترأس البابا فرنسيس بعد ظهر أمس قداساً احتفالياً في أربيل في كردستان، شارك فيه الآلاف وسط إجراءات صحية وأمنية، وودّع العراقيين قائلا «العراق سيبقى معي وفي قلبي».

وبعد ثلاثة أيام حافلة بالتنقلات بالطائرة والمروحية وسيارة مصفحة في بلد طوى صفحة تنظيم الدولة الاسلامية الدامية قبل ثلاث سنوات فقط ولا يزال يشهد توترات أمنية ناتجة عن وجود فصائل مسلحة خارجة عن السيطرة، قال البابا في ختام القداس «الآن، اقتربت لحظة العودة إلى روما. لكنّ العراق سيبقى دائماً معي وفي قلبي».

وأنهى زيارته برسالة أمل قائلاً «في هذه الأيام التي أمضيتها بينكم، سمعت أصوات ألمٍ وشدّة، ولكن سمعت أيضاً أصواتاً فيها رجاءٌ وعزاء»، قبل أن يحيي الحضور بعبارات «سلام، سلام، سلام. شكراً! بارككم الله جميعاً! بارك الله العراق!»، ثم «الله معكم!» بالعربية.

وبتأثر واضح، قالت بيداء سافو البالغة من العمر 54 عاماً التي شاركت في القداس في ملعب فرانسو حريري في أربيل مع أولادها، «نعرف الآن أن هناك من يفكر فينا، ويشعر بما نفكر به». وأضافت «سيشجع ذلك المسيحيين للعودة إلى أرضهم».

وسافو بين آلاف المسيحيين الذين فروا من الموصل في شمال العراق الى أربيل بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة بين 2014 و2017.

وكان البابا زار في وقت سابق مدينة الموصل حيث صلّى على أرواح «ضحايا الحرب». 

كما زار قرقوش، البلدة المسيحية التي نزح كل أهلها خلال سيطرة داعش، وعاد جزء منهم خلال السنوات الماضية.

ووصل البابا بمواكبة أمنية كبيرة إلى الملعب في سيارة الـ«باباموبيلي» الشهيرة التي ألقى منها التحية على الحشد الذي تجمع لاستقباله والمشاركة في القداس.

وفي المدينة التي تعرّض مطارها أواخر شباط لهجوم صاروخي استهدف الوجود الأميركي، لاقى الآلاف البابا رافعين أعلام الفاتيكان وكردستان وأغصان الزيتون.

وفي الموصل، أسف البابا لـ«التناقص المأساوي بأعداد تلاميذ المسيح» في الشرق الأوسط. 

وقال على أنقاض كنيسة الطاهرة السريانية الكاثوليكية، إن هذا «ضرر جسيم لا يمكن تقديره، ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم».

وصلّى من الموقع الأثري الشاهد على انتهاكات داعش «من أجل ضحايا الحرب والنزاعات المسلحة»، مؤكدا أن «الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب».

ثم توجه إلى قرقوش حيث أدى صلاةً في كنيسة الطاهرة الكبرى التي تشهد أيضا على الانتهاكات العديدة لداعش في شمال البلاد.

وقام بجولة بعربة غولف في المدينة وسط حشد صغير رافقه بالزغاريد والتحيات. 

ويعاني البابا البالغ من العمر 84 عاماً من التهاب في العصب الوركي ويواجه صعوبة في السير.

وقالت هلا رعد بعد ان مرّ البابا من أمامها، «هذا أجمل يوم!». 

وأضافت المرأة المسيحية التي فرت من الموصل عند سيطرة داعش عليها، «نأمل الآن أن نعيش بأمان، هذا هو الأهم».

واكتست هذه المحطة أهمية كبرى، لا سيما أن محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، تشكّل مركز الطائفة المسيحية في العراق، وقد تعرّضت كنائسها وأديرتها التراثية العريقة لدمار كبير على يد التنظيم المتطرف.

وقال البابا في كلمته من الموصل «إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات قد تعرّضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمّرت دور العبادة القديمة».

ورأى المسيحيون الذين عملوا منذ أسابيع على ترميم وتنظيف كنائسهم المدمرة والمحروقة، في هذه الزيارة البابوية الأولى في تاريخ العراق، رسالة أمل.

وقال منير جبرائيل الذي شارك في استقبال البابا في قرقوش «ربما تساعد زيارة البابا في إعادة بناء البلاد، وإحضار السلام والحب أخيراً. شكراً له».

واستقبل سكان البلدة البابا بسعف النخيل، قبل أن يدخل الكنيسة على وقع الألحان السريانية ويؤدي فيها صلاةً أشار فيها إلى ضرورة إعادة بناء ما دمّرته سنوات من «العنف والكراهية».

وقال البابا في كلمته «قد يكون الطريق إلى الشفاء الكامل ما زال طويلاً، لكني أطلب منكم، من فضلكم، ألا تيأسوا».

وغادر البابا إربيل مساء أمس إلى بغداد استعداداً للعودة اليوم إلى روما.

إلى ذلك رحبت غالبية الصحف الإيرانية الصادرة أمس باللقاء بين البابا والسيستاني معتبرة أنه يشكل فرصة للسلام في البلد المجاور.

ولم تعلق الحكومة الإيرانية رسميا على الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها بابا الفاتيكان الى بلاد الرافدين.

ونشرت غالبية الصحف في طهران صورة اللقاء على صفحتها الأولى.

(الوكالات)