تحت مسمّى "مليونية 20 فبراير"، شارك المئات في تظاهرة شعبية تضامنًا مع عشرات الضباط الذين تمّ فصلهم عقب الثورة، واحتجاجًا على تردّ الأوضاع المعيشية. إلا أن الشرطة السودانية تصدّت لهم بالغاز المسيّل للدموع ما أدى إلى إصابة 17 متظاهرٍ.
وأفادت منظمة "أطباء السودان" بإصابة 17 شخصًا في تظاهرات الخرطوم ووجود حالات اختناق بالغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة لتفريق مئات المحتجين في وسط العاصمة الخرطوم الذين كانوا يُطالبون بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإعادة ضباط من الجيش الى الخدمة بعد إحالتهم على التقاعد.
وتجمّع مئات المُحتجّين الشباب على مقربة من القصر الرئاسي وهم يحملون أعلام السودان ولافتات كتب عليها "الجيش جيش السودان"، "لا لإبعاد أحرار الجيش". وأحرق المتظاهرون إطارات قديمة وأغلقوا طرقًا باستخدام الحجارة. ثمّ وصلت شرطة مكافحة الشغب التي أطلقت الغاز المسيل للدموع وفرّقتهم.
وشهد السودان، اليوم الخميس، مسيرات شعبية تحت مسمى "مليونية 20 فبراير"، استجابة لدعوة من لجان المقاومة الشعبية للتنديد بفصل عشرات الضباط، وتردّي الأوضاع المعيشية.
وعُرف أغلب الضباط المفصولين بانحيازهم للثورة السودانية، وعلى رأسهم الملازم محمد صديق صاحب المقولة الشهيرة "الرهيفة التنقد" التي أطلقها أمام اعتصام القيادة العامة الشهير وسط الخرطوم، وتعني باللغة الدارجة السودانية "ليكن ما يكن عند وجود تحد بين متخاصمين".
وأطلق مناصرون للثورة على مواقع التواصل دعوات واسعة للمشاركة بكثافة في "المليونية" تحت وسم #الرهيفة التنقد و #مليونية 20 فبراير، في محاولة لإثناء العسكر عن قراراتهم، وحثّهم على العمل لتحقيق مطالب الثورة، في ظلّ اتساع هوة الخلاف بين شقّي الحكومة الانتقالية، العسكر، والمدنيين المنضوين تحت لواء "قوى الحرية والتغيير".
هل يستجيب العسكر لتطلعات الشعب؟
يقول الناشط السوداني أيمن تابر في معرض ردّه على السؤال: "تظل الحقيقة التي نُواجهها ومنذ بداية الثورة أن للعسكر أجندته، وللشارع اجندته التي يدافع عنها ويحميها ويتطلع لتحقيقها".
ويضيف تابر لموقع "الحرة": "بالتأكيد لن يمنح العسكر الموافقة على طلبات الشارع المشروعة على طبق من ذهب، ولكن التمسك والمتابعة لمهام إكمال الثورة والوصول لتحقيق تطلعات الجماهير، سيظل المواجهة المستمرة المعلنة والخفية في هذه الثورة".
زاد قرار فصل الضباط من استياء الشعب السوداني، الذي يعاني بالأساس من ترد اقتصادي طاحن، على الرغم من مرور نحو عام من إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
فبالإمكان مشاهدة الصفوف الطويلة في المخابز في العاصمة والولايات، وكذلك في محطات الوقود.
وكان الخبز رمزًا لثورة "ديسمبر"، التي أطاحت بالبشير في 11 نيسان الماضي، انطلاقًا من مدينة عطبرة شمالي الخرطوم، عندما حاول نظام الرئيس المخلوع مضاعفة أسعار الخبز.
ويأتي هذا التدهور المعيشي على الرغم من الجهود الكبيرة التي يقوم بها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
أزمات مفتعلة
يعزو البعض تدهور الأوضاع إلى عمق الدمار الذي ألحقه النظام السابق بمفاصل الدولة المختلفة على مدار 30 عامًا، ومحاولات بعض مناصريه زيادة معاناة الشعب من خلال افتعال الأزمات.
آخرون من بينهم الناشط محمد آدم، يرون أن "العسكر أنفسهم على دراية بهذه الأزمات ولا يرغبون في إصلاحها، عمدا"، مضيفًا لموقع "الحرة": "أعتقد أن لهم أجندة خاصة يحاولون من خلالها تأليب الشارع على حكومة حمدوك لشيء في نفس يعقوب!. لكن هيهات، الشارع هو حامي الثورة".
فيما يذهب آخرون أبعد من ذلك، بتوجيه اتهامات مباشرة لبعض العناصر المدنية المنضوية تحت لواء "الحرية والتغيير"، بالتنكّر للثورة من خلال التفكير في مصالحهم الحزبية الضيقة، بدلًا من المصالح الوطنية العليا.
حراس الثورة
بين هذا وذاك، يشعر شباب الثورة بالتوهان، ويجدون أنفسهم مرغمين على التحرك، كحماة للثورة. فسيّروا المواكب الاحتجاجية لتصحيح مسار الثورة، فيما كوّن بعضهم فرقًا ثورية من لجان المقاومة بالأحياء المختلفة لتخفيف وطأة المعيشة الضاغطة، بحراسة المخابز والتأكد من ضمان تسليم الخبز المدعوم لمستحقيه، بدلًا من بيعه في السوق السوداء.
يقول الطالب مهند بابكر، وهو ضمن مجموعة من المتطوعين يطلقون على أنفسهم اسم "حراس الثورة": "دورنا في المخابز كلجان مقاومة يقتصر على الرقابة".
وقد نجحت هذه الفرق، التي ترتدي سترات صفراء، في ضبط كميات من الدقيق والخبز أثناء تهريبها وبيعها بأسعار مضاعفة.
وقال الناشط السياسي أيمن تابر إن تحركات الشباب اقتضاها غياب قوانين تحكم التلاعب بقوت المواطنين. وأضاف لموقع "الحرة": "ما رشح عن غياب منظومة قوانين تحمي المستهلك يعكس ضرورة عاجلة لسن قوانين تحكم التلاعب بقوت المواطنين ومعاشهم خاصة وأن الدولة تدعم هذه السلع الأساسية والهامة، لجان المقاومة لا تملك سوى الهمة العالية والإحساس الثوري العالي بأهمية تصديها لغياب التشريعات".
وأعرب وزير الصناعة مدني عباس مدني من قادة "قوى الحرية والتغيير" التي أسهت في إسقاط نظام البشير، عن تقديره لتحركات الشباب وأكد استعداده لتنسيق الجهود معهم.
وكانت الحكومة الانتقالية التي تسلمت مهامها في آب الماضي، تتّجه لرفع الدعم عن السلع قبل أن تتراجع عنه لاحقًا تحت ضغط الشعب، وتستعيض عنه بإنشاء مخابز تجارية، وهو قرار تم تأجيله حتى نيسان المقبل، مع إنقاص وزن الخبز المدعوم الذي يباع بنحو سنت واحد للقطعة، من 70 غرامًا إلى نحو 48 غرامًا.
ويرى البعض، من أمثال المواطن صلاح إبراهيم، أن "رفع الدعم عن السلع أفضل من عودة النظام السابق".
وتحكم السودان حاليًا سلطة انتقالية، مكوّنة من مجلس سيادة ووزراء، مدّتها نحو ثلاث سنوات، تليها انتخابات ديموقراطية، وسط تخوّفات مُراقبين من انقلاب العسكر على الحكم في ظلّ تدهور الأوضاع الاقتصادية واتساع هوة الخلاف مع المدنيين.
(الحرة)