بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2020 11:56ص «الضمّ» قنبلة موقوتة في زوايا المنطقة.. فهل تسحب «إسرائيل» فتيل «الانتفاضة الثالثة»؟

حجم الخط

غالبًا ما يكون الهدف من استعادة ذكرى أو تاريخ معيّن هو إحياء الأحداث التي انقضت في أيام قد خلت. هذا التعريف يمكن أن يسري على كلّ ما قد سلف تاريخيًا، فيما عدا ذكرى النكبة قبل 72 عامًا، التي تنكأ جراح الفلسطينيّين، بل والشعوب العربيّة، مع مرارة تلك الأيام التي شهدت تقسيم فلسطين عام 1948، ثم السعي المستميت للعصابات الصهيونيّة إلى انتزاع دولة مبنيّة على مبدأ "وعد من لا يملك لمن لا يستحقّ".

فالنكبة لم تتوقّف منذ ذلك التاريخ، واغتصاب الأراضي والبيوت وتهجير الناس، مستمر من دون توقّف، هي باختصار "كارثة متكرّرة"، يبتكر فيها الكيان المحتلّ أساليب أكثر مكرًا، سعيًا لقضم ما تبقّى من ممتلكات وحقوق أصحاب الأرض.

ففي يومنا هذا، يشكّل الوعد الأساسيّ الذي قطعه على نفسه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فصلًا آخر في مصادرة ممتلكات الفلسطينيين، عبر الخطط التي ترمي إلى ضمّ ثلث – وفي أسوأ الأحوال ثلثي – أراضي الضفة الغربيّة المحتلّة.

خطّة الضمّ أمام ثلاث سيناريوهات

يتم الآن النظر في ثلاث سيناريوهات، الأول عبارة عن خطّة الحدّ الأقصى والتي ستفضي إلى ضمّ وادي الأردن وجميع ما كان يعرف بموجب اتفاقيّات أوسلو بالمنطقة جيم، ويشكل ذلك ما يقرب من 61 بالمئة من أراضي الضفة الغربيّة، وهي مناطق يديرها الكيان المحتلّ بشكل مباشر، ويقطنها ما يقرب من 300 ألف فلسطينيّ.

أمّا السيناريو الثاني فيقضي بضمّ وادي الأردن وحده، وطبقًا لعمليات مسح أجراها الإسرائيليون والفلسطينيون في 2017 ثم في 2018، يعيش في هذه الأراضي 8100 مستوطن وحوالي 53 ألف فلسطيني. وكانت سلطات الاحتلال قد قسّمت هذه المنطقة إلى كيانين: وادي الأردن ومجلس ماغيلوت – البحر الميت الإقليمي.

بينما يقضي السيناريو الثالث بضمّ المستوطنات المحيطة بالقدس، وهي ما يعرف بالمنطقة E1، وتشمل غوش إتسيون ومعالي أدوميم. وفي كلتا الحالتين، فإنّ الفلسطينيين الذين يعيشون في القرى المجاورة لتلك المستوطنات مهدّدون بالطرد أو بالنقل (الترانسفير). ما يقرب من 2600 فلسطيني ممن يعيشون في قرية الوجله وأجزاء من بيت جالا سيتضررون بعملية ضمّ غوش إتسيون، هذا بالإضافة إلى ما بين ألفين وثلاثة آلاف بدوي يعيشون في 11 تجمعًا سكانيًا بجوار معالي أدوميم، مثل خان الأحمر.

ذعر إسرائيليّ من تنفيذ الضمّ

على وقع هذه السيناريوهات تعالت أصوات في الكيان الإسرائيلييّ من قبل أوساط أمنيّة وجنرالات سابقين، تعبّر عن رفض ومعارضة خطة الضمّ، ليس ذلك لأنّ لديهم أيّ اعتراض أخلاقيّ على مصادرة الأراضي من الفلسطينيّين أو لأنّهم يعتقدون بأنّ من حقّ الفلسطينيين أن يحتفظوا بها. لا، إنّما تنطلق اعتراضاتهم من خشيتهم من أن تؤدي عملية الضمّ إلى مخاطر وتوتر كبير من شأنها تهديد أمن "إسرائيل"، محذّرين من انتفاضة ثالثة.

في هذا السياق، أفادت مصادر صحافيّة عبريّة بأنّ الانتفاضة الفلسطينيّة ستبدأ من قطاع غزة، وأنّ الاشتباكات مع الكيان الصهيونيّ هي التي ستشعل الانتفاضة الثالثة للفلسطينيّين، مع احتماليّة أن تمتدّ الاشتباكات لتصل الى جنوب الضفة الغربيّة المحتلّة.

من جانبه، توقّع جهاز الاستخبارات الداخليّة الإسرائيليّة "الشاباك"، وجيش الاحتلال، أن تندلع الاحتجاجات أيضًا في الضفة الغربيّة المحتلّة، وتحدثوا عن وجود علامة استفهام كبيرة حول التصرف المحتمل لـ "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكريّ التابع لحركة فتح، والذي يضمّ عشرات آلاف المقاتلين، الذي بدوره قادر على إشعال الضفّة كلّها خلال ليلة واحدة.

اختلاف إسرائيليّ ورفض فلسطينيّ

يأتي ذلك فيما يسود انقسام داخل الكيان المحتلّ حول كيفيّة تنفيذ خطّة "الضمّ"، ففيما أعلن نتنياهو، في أكثر من مناسبة، أنّ حكومته تريد الشروع بالعمليّة في تموز/ يوليو، والتي ستشمل 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربيّة المحتلّة، أشار إلى أنّ "مخططات الضمّ لن تتضمن موافقة الحكومة الإسرائيليّة على إقامة دولة فلسطينيّة".

في المقابل، يرفض حزب "أزرق أبيض" ذلك، حيث يؤكد بيني غانتس أنّه ملتزم بجميع مبادئ خطة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب من دون استثناء، إذ تربط "صفقة القرن" اعتراف البيت الأبيض بالضمّ الإسرائيليّ، بدخول سلطات الاحتلال في مفاوضات مع الفلسطينيّين حول إقامة دولة فلسطينيّة.

مع الإشارة إلى أنّ الفلسطينيّين يرفضون الخطة الأميركيّة المزعومة من أساسها، لأنّها تعطي القدس الشرقيّة للكيان الإسرائيليّ، وتمنع حقّ العودة للّاجئين وتسمح للمحتلّ بضمّ نحو 30٪ من مساحة الضفة الغربيّة، مع سيطرة أمنيّة إسرائيليّة على كلّ المنطقة. بينما يطالب الفلسطينيّون بإقامة دولة مستقلّة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيّة التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

كما حذّرت السلطة الفلسطينيّة الاحتلال الإسرائيليّ من تبعات تنفيذ مخطّطات الضمّ، مؤكدة استمرارها في معركتها لإسقاط هذه الخطط وصفقة ترامب مهما طال الزمن، وأنّ الخارطة الوحيدة على الطاولة، هي الخارطة الفلسطينيّة، أما ترامب ونتنياهو، ومشاريعهما فلن تقبل، ولن تمر تحت أيّظرف.

إذًا، تبقى هذه نظرة سريعة على ممارسات محتلّ، لم يعرف يومًا سوى اتجاه واحد: "ترسيخ هيمنته على شعب سُرقت أرضه وما زالت تُسرق"، ولم يعتد يومًا الرجوع عن اغتصاب حقوق الفلسطينيّين، إلّا إذا شعر ببعض الذعر والقلق على أمنه المهتزّ بغضب أصحاب الأرض، الذين ما اعتادوا أن يسلموا أرضهم للمحتلّ على طبق من ذهب، ليبقى مصير هذه الخطة مرهونًا بمباحثات واشنطن، إضافة إلى الضغوط الدوليّة والعربيّة التي يجب أن تمارس على الكيان، لردعه عن خططه، التي باتت أكثر من أيّ يوم مضى تنذر ببوادر "الانتفاضة الثالثة"! لتُفتَح انطلاقًا من هنا إشكاليّة يبقى الجواب عليها رهن الأحداث والأيام المقبلة.. هل ستكون "الانتفاضة الثالثة" الشرارة التي ستفجّر الحرب في المنطقة المتأرجحة على سلّم المخاطر؟!