يشهد العراق الذي يعيش وضعاً سياسياً هشّاً، موجة خلافات غير مسبوقة بين قادة قوات الحشد الشعبي وأخرى بين سياسيين موالين إجمالا لإيران، ما يهدّد استقرار البلاد ومستقبل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وفق ما يرى محللون.
ولم ينقض سوى 11 شهراً من عمر حكومة عبد المهدي التي تستمد نفوذها حتى الآن من تعايش قائمتي «سائرون» التي يدعمها رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، وتحالف «الفتح»، الممثل السياسي لقوات الحشد الشعبي، داخلها وداخل البرلمان.
ويرى رئيس المركز العراقي للفكر السياسي إحسان الشمري، إن جملة عوامل جديدة نتجت خصوصا عن الإحباط بسبب الضربات الإسرائيلية التي قال الحشد الشعبي إنها استهدفت قواته، تضغط على هذه العلاقة الهشّة.
ويقول الشمري «الوضع مرتبك، الأحزاب السياسية تقوم بإعادة تموضع والتحالفات الكبيرة تفككت».
ويتوقع الشمري أن ينهار «تحالف تكتيكي» بين الصدر والفتح في ظل تزايد انتقادات الصدر للحشد الشعبي لحيازة الأخير على السلاح وتحرّكه، بحسب بعض التقارير، لتشكيل قوة جوية خاصة به.
وقال الصدر الأسبوع الماضي في تغريدة على «تويتر» إن العراق يتحوّل من دولة «القانون» الى دولة «الشغب».
بعد أيام قليلة، ظهر الصدر في صور خلال زيارة غير معلنة قام بها إلى إيران التي تلعب دوراً رئيسياً على الساحة السياسية العراقية.
ويقول الشمري بهذا الخصوص، إنه من المحتمل أن يكون الصدر قصد إيران ليشتكي من الحشد الشعبي أو للحصول على مزيد من الدعم، بما في ذلك الرأي حول رئيس الوزراء القادم في حال سحب الثقة من الحكومة الحالية.
ويضيف «الصدر ما زال هو الراعي الأكبر للحكومة، لكن إذا لم تحرز الحكومة تقدّما على صعيد حل المشاكل، سيقدم الصدر على الأرجح على سيناريو التظاهرات ونرى بوادر لذلك»، في إشارة الى التظاهرات التي قام بها أنصار الصدر في 2016 و2017 للمطالبة بالإصلاح، والتي وضعت الحكومات في وضع صعب.
وفي مؤشر لما يمكن أن يحدث، قدّم وزير الصحة علاء العلوان المدعوم من الصدر، استقالته الأحد، تحت مبرر الفساد الإداري.
وتزايد نفوذ الأحزاب الشيعية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين إثر الهجوم على العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية عام 2003.
ويقول الباحث في مركز «تشاتام هاوس» البريطاني ريناد منصور عن السياسيين، إنهم منقسمون منذ سنوات بين موالين لإيران والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، والداعمين للمرجع الشيعي في العراق علي السيستاني.
ويوضح أن «هناك غموضا الآن وهشاشة أكثر، وأن العامل الأكبر لذلك هو التحدي الذي يواجهه الحشد في التحوّل الى مؤسسة عراقية، بعد (انتهاء) تنظيم الدولة الإسلامية».
وتشكّلت قوات الحشد الشعبي بفتوى أطلقها المرجع السيستاني عام 2014 بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح وسيطر على ثلث مساحة البلاد آنذاك، قبل أن يتم دحره نهاية عام 2017.
ويقول منصور «الجبهة جفت الآن، لم تعد الفصائل قادرة على تحقيق موارد وأصبحت تتنافس الآن مع بعضها البعض من أجل المكاسب والمناصب السياسية».
وكشفت الضربات الجوية التي اتهمت بها إسرائيل خلال الصيف عن خلاف آخر بين القائد الرسمي للحشد فالح الفياض ونائبه أبو مهدي المهندس المقرّب بشكل كبير من إيران ويعتقد بأنه صاحب السلطة الحقيقية على الحشد.
واتهم المهندس بسرعة واشنطن وإسرائيل بالوقوف وراء تلك الضربات، لكن الفياض اعتبر أن الاتهام لا يعكس الموقف الرسمي للحشد الشعبي. بعد أسابيع قليلة، كشفت وثيقة تحمل توقيع المهندس تخويلاً يسمح للحشد بتشكيل قوة جوية خاصة به، الأمر الذي قوبل بنفي من مكتب الحشد.
ويقول منصور إنها «المرة الأولى» التي يختلف فيها القادة علناً وبهذا الشكل.
ويواجه عبد المهدي جملة تحدّيات من أجل دفع حكومته الى مرحلة ما بعد ميلادها الأول.
ويهدّد نواب البرلمان باستدعاء وزراء لعدم إحراز تقدم في الخدمات وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد. ويرى منصور أن «إقالة رئيس الوزراء ستؤدّي الى زعزعة الاستقرار، فذلك لم يحدث أبداً» من قبل.
وترى رندا سليم من معهد الشرق الأوسط ومقره في واشنطن، أن تزايد الضربات على الحشد الشعبي سيعقد جهود بغداد في موازنة علاقاتها مع حليفيها الرئيسيين طهران وواشنطن.
وبالتالي، قد تكون إيران سبب بقاء عبد المهدي في منصبه.
وتشير سليم الى أن «إيران تريد أن تبقى الأمور كما هي في بغداد اليوم، وتريد إقناع الصدر بالتعايش مع عبد المهدي حالياً».
(أ ف ب)