بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الأول 2018 07:01ص "شجرة الحياة" في تونس.. تغزلوا بها قديما وانتفعوا بها حديثا

حجم الخط
تغنى بها الشعراء والفنانون على مر العصور.. فوصفوا جمال أغصانها حين تتمايل مع النسمات، فتُداعب بأوراقها قطرات الندى، وتتلألأ ببريقها كبدر في ليل حالك الظلمة.

وكما تغزلوا قديما بالمرأة فوصفوها "بغصن بان" بديع ميّاس القوام.. كانت هذه الشجرة رمزًا للجمال والحسن والشموخ، قبل أن يكتشف العالم مآثرها ومنافعها المتعددة.

الشجرة التي تسمى كذلك "المورينغا"، لم يكن أحد يعي حينها ثراءها وغناها، ففوائدها الطبية والاستشفائية لا تحصى ولا تعد، ما جعلها تتخذ أيضًا اسم "شجرة الحياة".

وفي تونس، بدأ انتشار "المورينغا" القادمة من بلاد الهند، خلال السنوات الأخيرة، ولم يكن يخطر ببال الشّاب، "أحمد المانسي" (39 عامًا)، أنه سيصبح يومًا منتجا لهذه الشجرة.

طيلة سنوات، كانت والدة أحمد تعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول، ولم تجد علاجًا رغم عيادتها لكثير من الأطباء، واستعمالها أنواع مختلفة من الأدوية إلى أن تفاجأ نجلها بشجرة وصفها بـ"المعجزة"، تمكنت بفضلها أمه بعد أشهر قليلة من القضاء على هذا المرض، وحققت نتائج مبهرة لدى إجرائها تحاليل طبية، ومن هنا بدأت قصته مع هذه الشجرة.

ففي ضيعة في مدينة "مرناق" بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، رأى مشروع أحمد النور، هناك حيث بدأ عام 2014، بزراعة ألف شجرة "مورينغا" ليصبح اليوم عدد الأشجار 30 ألفا.

** "المورينغا" أسلوب حياة

قال أحمد، الذّي التقته الأناضول في مزرعته: "بعد أن تعالجت أمي نهائيًا من مرض الكوليسترول.. تبادرت إلى ذهني فكرة غراسة (زراعة) المورينغا، وقلت حينها: لما لا أكون سببًا في انتفاع التونسيين بهذه العشبة الطبية وتغيير ثقافتهم نحو الاعتماد على هذا الطّب البديل".

وأضاف أحمد، وهو تقني في مجال الفلاحة: "اليوم نعيش في عصر تضاعفت فيه أمراض نقص المناعة، وتزايدت الأمراض المزمنة، ومشكلات نظام التغذية خاصة أنني طالعت الكثير وبحثت في خصوصيات هذه النبتة وفوائدها".

واعتبر المانسي أنّ "المورينغا يجب أن تكون أسلوب حياة.. فكما يشرب الإنسان يوميًا قهوته صباحًا، يجب أن تدخل ثقافة تناول شاي المورينغا شيئًا فشيئًا لتقوية المناعة والحفاظ على الجسم من الأمراض والأوبئة".

** "شفاء" لكل داء

وتابع: "يقال إن شجرة المورينغا علاج لـ300 مرض، وحسب تجربتي فإنها تمكن من تعديل السكري في الدم، وتخفض من مستويات ضغط الدم والكوليسترول، كما أنها مفيدة للأم المرضعة إذ تدر الحليب، إضافة إلى أنها تعالج الغدة الدرقيّة، وآلام العظام والمفاصل وضيق التنفس".

ومع افتتاح مشروعه، قام أحمد بإجراء كل التحاليل المخبرية حول هذه النبتة في أكبر المعامل التونسية، للتحقق أكثر من منافعها، وما إذا كانت تحمل أضرارًا على مستهلكيها.

وبفضل هذه التحاليل، تمكن الشاب التونسي من تحليل مكوناتها، ومعرفة مدى ثرائها "بالفيتامينات التي تعود بالنفع على المرضى، وحتّى الأشخاص العاديين".

ومضى أحمد، قائلًا: "أنشأت أول شركة في تونس لتوزيع وإنتاج المورينغا، ونطمح إلى أن تصبح منتجاتنا موجهة نحو التّصدير؛ خاصّة أنّ كل العالم يحتاج لهذه المواد والأعشاب الطبيعية والبيولُوجية، ونعلم جيدًا أنها لا تتلاءم مع طبيعة البلدان الأوروبية؛ فالنبتة تتأقلم مع المناخ الجاف والقريب من الجاف".

وأردف: "هناك من استهزأ بمشروعي منذ البداية، واستغرب منه، لكنني لم أبالِ بأحد، وعملت بجهد كبير وبموارد خاصة وبسيطة؛ رغبة منّي في أن أغير نظرة المجتمع إلى الأعشاب الطبّية حتّى تصبح ثقافة بأكملها وحتى لا تقتصر الفلاحة على مجرد غراسات تقليديّة لأشجار مثمرة".

** أشجار تدر الخير

تزهر شجرة "المورينغا" وتنمو مع بدايات فصل الربيع، الذي يعد الفصل المناسب لجمع أوراقها؛ حيث تجفف في أماكن بعيدة عن الشمس فيما بعد، واستعمالها شاي منقوع أو طحنها وتحويلها إلى كبسولات تشرب مع الماء.

ويتواصل تساقط أوراق "المورينغا" منذ الخريف حتى ديسمبر/كانون الأوّل، وبعدها مباشرة يتم الشروع في تهيئة الأرض، وعادة ما تكون زراعة "المورينغا" بيولوجية بعيدًا عن أي أسمدة أو مواد كيميائية وهو ما يجعلها طبيعية مائة بالمائة ومفيدة للصحة.

وأعرب "المانسي" عن أمله في مزيد من الاهتمام من قبل السلطات بمثل هذه الغراسات الحديثة على تونس، التي يمكن أن تكون مورد رزق للكثير من الأسر، وأن توفر فرص عمل للشباب، وتمثل أفقا جديدا لأبحاثهم خاصة الخرّيجين.

وتذكر دراسات عديدة أنّه من بين الفوائد الطبية الأخرى التي أثبتها العلماء "لشجرة الحياة" قدرتها على علاج الأنيميا، واحتوائها على مضادات الأكسدة لعلاج أعراض الشيخوخة، وتحسين الخصوبة، وتحسين التركيز الذهني.

وفي السّنوات الأخيرة، أقرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء والزراعة "المورينغا" كشجرة قادرة على مكافحة سوء التغذية في الدول الفقيرة، التي تشكو من المجاعة.

وتتحمل "المورينغا" ظروفًا بيئية مختلفة؛ وهو ما يجعل زراعتها تنجح وتنتشر في الكثير من الدّول فهي قادرة على التكيف مع أي بيئة مختلفة، فنجدها في الصحاري كما نجدها في الجبال أو السّهول، رغم أن الدّراسات أثبتت أنّ موطنها الأصلي هو الهند.

المصدر: وكالة "الاناضول" - يسرى وناس - تونس