بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2019 11:22ص نساء العراق.. "انتفاضة داخل الانتفاضة".. أهداف خاصّة ترافق "العامّة".. ومخاوف أكبر من الموت

حجم الخط

شهدت المظاهرات التي تجوب شوارع المحافظات العراقيّة محطّات سرقت أنظار المتابعين، وترسّخت في أذهانهم، لا سيما في ساحة التحرير، معقل المحتجين في العاصمة بغداد، التي لم ينكسر فيها حاجز الخوف لدى الشبان فحسب، وإنما تقود النساء أيضا "انتفاضتهن" الخاصة، داخل الحراك وضمنه.

وتدريجيًا، بدأت مشاركتهن تتزايد في ساحات الاحتجاج وأمام المدارس وداخل الجامعات وفي الشوارع، يقفن في خطوط المواجهة مع قوات الأمن، أو يقدمن المساعدات الطبيّة أو الخدميّة في الخطوط الخلفيّة، في مشاهد غير مألوفة إلى حد كبير في العراق.

ففي ذلك المكان، يبدو جليًا لأي زائر أن النساء أيضا بدأن يحصلن على موطئ قدم لهنّ في الاحتجاجات، على أمل أن يحققن أهدافهنّ الخاصة إلى جانب المطالب العامة.

وبينما يهتف الجميع ضدّ النخبة السياسية الحاكمة ويطالبون برحيلها لبناء نظام جديد بعيد عن المحاصصة وسطوة الأحزاب التقليديّة، تتطلع النساء إلى أبعد من ذلك، عبر سعيهن للانتفاض على القيود القبليّة التي تعيق حريتهنّ إلى حدّ كبير، في بلد لا تزال فيه القبيلة تلعب دوراً كبيرًا في المجتمع.

انتفاضة على القيود

بان (25 عاما)، واحدة من هؤلاء الفتيات اللواتي يصنعن انتفاضتهنّ الخاصة. كانت من بين مَن جلسن في استراحة محارب عقب انتهائها مع أخريات من فرش السجاد الأحمر في أروقة مبنى مهجور، يطل على ساحة التحرير، ويعرف باسم "المطعم التركي".

وفي حديث للأناضول، قالت بان وهي تلهث "لأول مرة أحسّ بالانتماء لهذا البلد، وبأهمية وجودي وبأن الثورة محتاجة وجودنا جميعا".

صمتت لثوان معدودة قبل أن تضيف "ثورتنا هذه المرة لم تكن ضد نظام الحكم فحسب.. بل هي ضدّ الأنظمة العشائريّة القبليّة الدينيّة التي تسوق أفكار لتحجيم دور المرأة بالمجتمع".

ولا يبدو أن الموت يشغل بال النساء المشاركات في الاحتجاجات، بل إن ما يثير مخاوفهن أمر مختلف تماما.

الموت أرحم من الاختطاف

متظاهرة تضع كمامة على أنفها، تحدثت للأناضول مفضلة عدم كشف هويتها عن هذا الهاجس بالقول "ليس لديّ أو لدى زميلاتي أيّ خوف من الموت..، لكن ما نخشاه هو الاختطاف أو الاعتقال لأن الموضوع يتحمل تبعات عائليّة واجتماعيّة".

وتستشهد بحديثها عما تعرضت له زميلتها (صبا المهداوي) التي اختطفت بعد عودتها من ساحة التحرير. وتضيف "لو كان هناك في البلاد من يحترم الدستور والقانون لما أقدم على اختطافها واعتقالها وإخفائها بهذه الطريقة، بالرغم من كونها لم تقدم سوى المساعدة لإخوانها المتظاهرين". وختمت حديثها بسؤال وجهته لسلطات البلد بالقول، "أين صبا"؟

مع الإشارة إلى أنّ مجهولين اختطفوا المسعفة صبا المهداوي من وسط بغداد، عقب مغادرتها ساحة التحرير في طريق ذهابها لمنزلها قبل نحو عشرة أيام، ولا يزال مصيرها مجهولا.

كما تزايدت المخاوف مع تداول ناشطين عراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي خبر اختفاء ناشطة أخرى تدعى ماري محمد. ويقول المدونون إن ماري محمد اختفت قبل نحو خمسة أيام، ولا أثر لها، لكن أسرتها آثرت الصمت على أمل الوصول إلى خاطفيها قبل حدوث أيّة ضجة إعلامية.

خط المواجهة الأول

رغم مخاوفهن من الاختطاف، إلا أن هذا الهاجس لم يقف حاجزا أمام إقبال متزايد للنساء في الاحتجاجات، بدءا من خطّ المواجهة الأول وصولا إلى الخطوط الخلفيّة.

وباندفاع كبير، تحدثت المسعفة الطبية اشتياق (36 عاما) للأناضول، وقالت "دورنا بدأنا نأخذه وبدأ يكبر، ونحن الآن نقف وسط إخوتنا المتظاهرين في كلّ ميادين الاحتجاج، فنحن نتواجد على خط المواجهة الأول سواء كمفارز طبية أو لتقديم المساعدة بالرغم من وجود الرصاص الحي والقنابل الموجهة على رؤوسنا والقريبة منا".

وتابعت: "تتواجد نساء أخريات في الخطوط الأخرى لتقديم الدعم اللوجستي والطعام وحملات تنظيف وأعمال تطوعية أخرى، وكذلك هناك شابات ساهمن في رسم جداريات، وأخريات ساهمن مع إخوانهم في إصدار جريدة ورقية يومية في ساحة التحرير باسم "تك تك".

لا أجندة

"هذه تجربة عظيمة".. هكذا وصفت رغد (30 عاما) مشاركتها في الاحتجاجات، وتقول للأناضول: "شاركت هذه المرة لأنّ التظاهرة خالصة للعراق، ليس فيها رموز سياسيّة أو دينيّة أو أيّ أجندة".

ولم تتوقع رغد أن تجد حملة أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيف ساحة التحرير والمطعم التركي كل تلك الاستجابة السريعة التي حظيت بها. وفي هذا الصدد تقول: "أطلقت الحملة على مواقع التواصل لتنظيف ساحة التحرير والمطعم التركي، وشارك أغلب الشباب والشابات فيها من دون أي تردد".

وتكمل بملامح مطمئنة "الشباب في ساحة التحرير يفكرون بشكل واعي ويدركون أن التغيير يبدأ حين نتشارك معا رجال ونساء للحصول على حقوقنا ونطالب بالتغير سوية".

المصدر: الأناضول + اللواء