السجالات النارية بين أهل الحكم، على خلفية الملابسات التي رافقت ترشيح الوزير السابق محمّد الصفدي لتشكيل حكومة جديدة، وإعتذاره عن حمل هذه المسؤولية، أرخت بظلالها على المشهد السياسي العام الذي هو في الأساس غارق في تناقضات أهل السلطة واربابها، وبرزت في ضوء ذلك تطورات جديدة على الساحة الداخلية تزيد من المخاوف على المستقبل، ولعل أهم هذه التطورات مرابطة كل طرف على موقفه، وعدم إستعداده لتقديم أية تنازلات تخرج الوضع من عنق زجاجة الأزمة المأزومة.
بدلاً من الاستمرار في المراوحة السلبية في مسار التأليف، لا سيما في خضم المعلومات التي سربت مؤخراً عن اجتماع عُقد غداة انسحاب الوزير السابق محمّد الصفدي من الساحة وضم أركان فريق الثامن من آذار تمّ خلاله بحث تطورات الأزمة التي يتخبط بها لبنان منذ ان أعلن غالبية الشعب الثورة على الطبقة الحاكمة، وأقسم على عدم خروجه من الساحات العامة، إلى ان تستجيب لمطلبه بتشكيل حكومة اختصاصيين، يتمتع وزراؤها بالكفاءة ونظافة الكف والسمعة الطيبة تتولى مسؤولية معالجة الأزمة بكل نزاهة وتجرد بعد حصولها على صلاحيات استثنائية من المجلس النيابي تتيح لها فرصة إصدار القوانين اللازمة التي تتيح لها محاسبة المسؤولين الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي بكل أشكاله وألوانه، وتوقف المجتمعون حسب ما أوردته وسائل الإعلام عند الاشتباك الحاصل حول شكل هذه الحكومة بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي وباقي مخلفات الثامن من آذار، وبين الرئيس الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذين يعيدون مجتمعين صورة تحالف الرابع عشر من آذار حول شكل الحكومة الجديدة التي ترضي تطلعات الثوار المعتصمين في الساحات العامة، هل هي حكومة التكنوقراط التي يُصرّ عليها الرئيس الحريري وفريقه أم حكومة التكنوسياسية التي يتمسك بها حزب الله والتيار الوطني الحر وباقي فريق الثامن من آذار؟ وبحسب المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام، قرّر المجتمعون التمسك بحكومة التكنوسياسية وعدم التنازل عن هذا الهدف تحت تأثير ضغط الشارع وضغط الرئيس الحريري نفسه، على اعتبار ان حكومة تكنوسياسية يُشارك فيها حزب الله من شأنها أن تؤمن له غطاء دولياً لا تريدها الولايات المتحدة الأميركية من جهة وتؤمن له حضوراً سياسياً في المعادلة الداخلية من جهة ثانية، وفق ما عبر عنه عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق عندما قال بأن هناك من يتعمد زرع الألغام في طريق تشكيل الحكومة وهدفه تغيير المعادلات السياسية بين القوى الأساسية في البلد، ومهما كان شكل الحكومة وأياً كان رئيسها فإن لبنان لن تكون فيه حكومة بإملاءات أميركية تعمل على تنفيذ الرغبات الأميركية على حساب المصالح اللبنانية وبالتحديد على حساب قوة لبنان في المقاومة، هذه المعلومات التي تسربت إلى وسائل الإعلام، وهذه التوضيحات لعضو المجلس المركزي للحزب تشي بأن قوى الثامن من آذار تطرح علامة استفهام عريضة عمّا إذا كان المجتمعون قرروا السير بحكومة من لون واحد كونهم يمثلون الأكثرية العددية في المجلس النيابي، وقطع شعرة الحوار مع الرئيس الحريري وفريقه كونه لا يقبل بأي حكومة لا ترقى إلى مطلب الثوار الأساسي والذي وحده يُشكّل مدخلاً لاستراحة الثورة، أم أن 8 آذار قررت العودة إلى مرحلة ما قبل التسوية الرئاسية حيث كان هناك مشهد انقسام الشارع بين 14 و8 آذار، وقرّرت بالتالي المواجهة المفتوحة بمعزل عن التداعيات؟