بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيار 2019 01:16ص أبو بديع... لن ينساك الوطن

حجم الخط
مارس السياسة قبل أن يكون رجل سياسة. وتمرّس بالسلطة قبل أن يدخل جنة الوزارة. وتسلح بالشجاعة وقوة الشكيمة قبل أن يصبح قائداً لقوات الردع العربية، ثم آمراً للجيش اللبناني.

سامي الخطيب ليس شاهداً لمرحلة معينة، كما فعل أترابه، بقدر ما هو صانع قرارات ومُطلق مواقف لمراحل متعددة، وحرجة في تاريخ لبنان.

على امتداد نصف قرن لم تخبو شعلة ذلك الضابط الأسمر الذي لفحته شمس جب جنين، وأتقن لعبة السلطة وهو ما زال «ملازم أول، بنجمتين فقط»، حيث استحوذ على لقب «والي بيروت»، من خلال إدارته المعروفة للعبة السياسية والمواسم الانتخابية في العاصمة، وتصدّيه لزعامات تاريخية كبيرة، رافعاً لواء النهج الشهابي، ومدافعاً شرساً عن مدرسة رئيسه، مثله الأعلى اللواء فؤاد شهاب.

وعندما اعتقل الجيش اللبناني ثلة من الفدائيين حاولوا التسلل عبر الحدود اللبنانية، تمت إحالتهم إلى مسؤول مخابرات بيروت، الذي تولى التحقيق معهم بمنتهى الشدة والحسم، وعندما أصبح أحدهم لاحقاً «أبو عمار»، القائد التاريخي للثورة الفلسطينية، ومسؤول المخابرات قائداً لقوات الردع العربية، تحوّل مشهد ذلك اليوم المحرج إلى ذكرى للتندّر في جلسات القائدين!

من موقعه العسكري، ومسؤولياته الأمنية، نسج سامي الخطيب علاقات ودية وعميقة مع كبار المسؤولين العسكريين في سوريا، في مقدمهم الرئيس حافظ الأسد، منذ كان وزيراً للدفاع، والعماد حكمت الشهابي، منذ كان عقيداً ومسؤولاً في أحد الفروع الأمنية. وبقي أميناً على هذه العلاقة، إلى إن تبدّلت ظروف سوريا، وحصل زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فانكفأ إلى أهله في جب جنين الذين لم يبتعد عنهم، طوال حياته العسكرية والسياسية، وبعدما كان العماد حكمت الشهابي غادر سوريا إلى منفاه الطوعي.

وعندما تولى قيادة الجيش اللبناني في المناطق الوطنية، في زمن الانقسامات البشعة عام ١٩٨٩، رفض الزج بالجيش ضد أي معركة مع القيادة العسكرية على الجانب الآخر من بيروت، والتي كانت بإمرة العماد ميشال عون.

ورغم أنه كان يتولى مسؤولية قيادة الجيش كاملة في تلك المرحلة، إلا أن الرئيس سليم الحص رفض توقيع مرسوم تعيينه قائداً للجيش، وذلك حسب الأصول المعمول بها، بحجة عدم تسجيل سابقة تُخالف العُرف المعمول به، ومع ذلك، تابع تحمل مسؤولياته العسكرية والوطنية، وعندما تم تعيين العماد إميل لحود قائداً للجيش إثر انتخاب الرئيس إلياس الهراوي، استلم القائد الجديد دفة القيادة من اللواء سامي الخطيب، حسب المراسم العسكرية المعتمدة في مثل هذه المناسبات.

وكانت غصة في نفوس أهل الراحل الكبير ومحبيه، عندما علموا أن المراسم العسكرية لوداعه الأخير لم تلحظ قيادته للجيش في أحرج الأوقات، وأكثرها تعقيداً، وكأن ثمة تجاهلاً لدور هذا القائد الوطني في المراحل الدقيقة والمفصلية في تاريخ لبنان.

«أبو بديع» أحب الألقاب إلى قلبك، لن ينساك الوطن الذي أمضيت عمرك المديد في خدمته، ولن ننسى، نحن محبوك وأصدقاؤك ومريدوك، تلك الأخلاق السمحة والشهامة العالية التي طبعت علاقاتك مع الجميع.