بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 آب 2020 07:35ص أحلام في كوابيس لبنان: حرب أو صفقة كبيرة

حجم الخط

لبنان المأزوم متوقف في طريق مسدود سياسياً ومالياً واقتصادياً. ولا شيء يوحي أن المسؤولين على استعداد لعبور الممر الذي فتحه الرئيس إيمانويل ماكرون باسم فرنسا وأميركا ومجمل المجتمع الدولي.

والسبب كلفة العبور بالإصلاح على مصالحهم الضيقة ومصلحة حاميهم الواسعة، وإن كان بداية إنقاذ لبنان من الانهيار. ولا أحد يعرف إن كانوا في سباق مع الزمن قبل عودة ماكرون إلى بيروت في مئوية لبنان الكبير مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، من دون أن يستعير ثياب الجنرال غورو.

لكن الكل يلاحظ أن الرئيس الفرنسي ينتظر منهم بدء ورشة الإصلاح انطلاقاً من أفكار طرحها واستقاها من مطالب اللبنانيين والمجتمع الدولي، في حين أنهم ينتظرون في سلال فارغة وسط فراغ حكومي ما سيأتي به هو.

ومن الطبيعي في مثل هذه الحال أن ينتظر اللبنانيون شيئاً ما من خارج اللعبة العادية يعيد خلط الأوراق. فهم غاضبون وحزانى وخائفون على حاضرهم ومستقبل أبنائهم. وهم يتصورون أن الستاتيكو الحالي البائس الذي صار خطيراً على قوى في الخارج والداخل سيدفع إلى واحد من سيناريوهين: إما حرب تكسر موازين القوى، وإما صفقة كبيرة في المنطقة تشمل لبنان.

وكلاهما خارج الواقع حالياً. ذلك أن السيناريو الافتراضي للحرب يبدأ من تصعيد استراتيجية "الضغط الأقصى" والعقوبات الأميركية على إيران، بما يقود إلى حرب شاملة بين واشنطن وطهران، ومعها بالطبع حرب بين إسرائيل وحزب الله وحرب عصابات ضد القوات الأميركية في العراق وشرق الفرات في سوريا، أو يقتصر الأمر على حرب في لبنان.

ولا فرق بالنسبة إلى الذين يتصورون السيناريو، سواء بدأت الحرب بقرار أميركي وإسرائيلي أو بقرار إيراني يلعب دوراً في تنفيذه كل من حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والميليشيا التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا.

وهذا في الحسابات الواقعية ليس مرشحاً للحدوث. وإذا كانت الحرب المحصورة في لبنان من الاحتمالات، فإنها بالغة الخطورة على لبنان، إذ هي تؤذي إسرائيل، لكنها تدمر لبنان وتعيده إلى العصر الحجري بحسب تهديدات الجنرالات في إسرائيل من دون أن تنهي السبب الذي قاد إليها.

فلا إسرائيل، ولو احتلت الجنوب اللبناني والبقاع، تؤثر كثيراً في حزب الله. ولا الحزب يستطيع ولو أراد، أن يحرر مزارع شبعا قبل فلسطين.

أما الصفقة الكبيرة، فإن الحديث عنها يبدأ كالعادة من "يالطا جديدة" بين الكبار. وهذه مجرد تمنيات لأن هذا النوع من الصفقات لا يحدث إلّا بعد حرب كبيرة: سايكس- بيكو و"مؤتمر فرساي" بعد الحرب العالمية الأولى، حيث سقوط السلطنة العثمانية والإمبراطورية النمسوية - المجرية والإمبراطورية الألمانية.

مؤتمر "يالطا" و"بوتسدام" بعد الحرب العالمية الثانية. وتغيير الأنظمة في أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.

يروي تشرشل في مذكراته قصة لقاء مع ستالين عام 1944 أنه قال لستالين "دعنا نسوي قضايانا في البلقان. ماذا لو أخذتم 90 في المئة من النفوذ في رومانيا، و10 في المئة لنا، وأخذنا 90 في المئة في اليونان و10 في المئة لكم، و50 في المئة لنا و50 في المئة لكم في يوغوسلافيا. كتبت ذلك على ورقة وقدمتها إليه. صمت لحظة، ومن ثم أخذ قلمه الأزرق ورسم نقطة كبيرة على الورقة وأعادها إليّ. وهكذا سوينا كل شيء في دقائق. وحين طلبت أن نحرق الورقة، قال "كلا دعها للتاريخ".

ويروي مايكل ينبرغ، مؤرخ بوتسدام ما جرى في "قمة بوتسدام" التي دامت 16 يوماً عام 1945 وعُقدت في قصر سيسيل، الابن الأكبر لآخر أباطرة ألمانيا. كان الحاضرون ستالين، وترومان مكان روزفلت بعد وفاته وتشرشل ومن ثم أتلي بعد خسارة تشرشل للانتخابات".
هدّد القادة اليابان فأخذوا استقلال كوريا. حققوا انسحاب القوات الروسية والبريطانية من إيران. تجنبوا أخطاء مؤتمر فرساي الذي أذلّ ألمانيا. فحلوا المشكلة بتقسيم ألمانيا. وزرعوا بذور ما حال دون أن تصبح الحرب الباردة حارة. لكن أوروبا الشرقية دفعت الثمن. لم يتفقوا على ما يجب أن يحدث في فلسطين. والمؤتمر الثلاثي الذي اقترح ترومان عقده في واشنطن لم يحدث، وكانت الحرب الباردة.
ومن الصعب أن نتخيل مشاهد كهذه في أيامنا. فلا قوى منتصرة بالكامل. ولا قوى مهزومة بالكامل. لا القوى الكبرى تستطيع صنع الصفقات الكبيرة بينها من دون مراعاة القوى الإقليمية الكبيرة. ولا القوى الإقليمية قادرة وحدها على إدارة الأزمات والتسويات. وترجمة ذلك أن زمن الصفقات الكبيرة انتهى بنهاية الحروب الكبيرة.

حتى حرب "عاصفة الصحراء" لإخراج القوات العراقية من الكويت التي شارك فيها تحالف دولي واسع بقيادة أميركا، انتهت بترتيبات دون مستوى الصفقات. كذلك الأمر بالنسبة إلى الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، بحيث استمرت لعبة العداء و"التساكن" الصعب بين النفوذين الأميركي والإيراني، واضطرت أميركا بعد 18 سنة إلى عقد اتفاق مع حركة طالبان التي أسقطتها في بداية الغزو.

وحين يكثر اللاعبون تصبح اللعبة أطول وأشد تعقيداً فوق رؤوس شعوب تعيش في كوابيس وتلجأ إلى الأحلام.

المصدر: اندبندنت