بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2020 12:02ص أعياد... وعود الشيخ سعد... وحكومة المستحيل!!؟

حجم الخط
إنها الأعياد، إنه لبنان... لكن شتان شتان ما بين أعياد الأمس واليوم، وما بين الفرحة والغصة، فوهج الأعياد وبريقها الذي بقي حتى الأمس القريب يتألق في بلد الأرز من دون منازع، ها هو اليوم يتحسر على تلك الأعياد والأيام الجميلة التي طالما كانت تعكس صورة بهية عن حب الحياة في بلد كانت صناعة السياحة فيه من أهم ما يعتمد عليه في المناسبات والمواسم لا سيما منها ما يتخلل شهر كانون الأول من كل عام، وتحديداً عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية.

فاللبنانيون كانوا لسنوات خلت يترقبون بشغف حلول مثل هذه الأعياد المباركة حيث كانت زينة الميلاد تطغى على ما عداها من اهتمام لدى الكثيرين من اللبنانيين استعداداً لقضاء سهرة عائلية ممتعة مع الأهل والأقارب والأصدقاء.

إلا أن للعيد هذه السنة حكاية أخرى مع لبنان واللبنانيين وهي تلخص في أبعادها معاناة قاسية ومرة تعكس مشهداً غير مألوف في حياة النّاس في هذا البلد، مطبوعة بمسحة من الحزن والالم في قلوب جميع اللبنانيين على حدّ سواء باستثناء قلة منهم لا همّ لها الا الاحتفاء بالقشور.

وما يزيد في الطين بلة ان السياسيين والمسؤولين في لبنان وعلى مختلف توجهاتهم يكادون أن يُغرقوا هذا البلد وأهله بالمزيد من المآسي والويلات دون أن يرف لهم جفن ودون أن يدركوا مدى الحسرة والالم لدى اللبنانيين جميعاً نتيجة استهتار مسؤوليهم وسياسييهم بالحالة المزرية والكارثية التي أوصلوهم إليها.

مؤخراً سمعنا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من قصر بعبدا يشكي وينعى أسباب تأخر تشكيل الحكومة الجديدة إلى ما بعد رأس السنة، وهو كان قد وعد اللبنانيين قبل ذلك بساعات، بأنه يأمل تشكيل الحكومة تلك في الميلاد، فكان الأمر هذا أشبه بالصدمة لكل الذين كانوا ينتظرون خبرا مفرحاً يطل به الشيخ سعد ويكون بمثابة «عيدية العيد» التي طال انتظارها حتى الآن.

قالها الشيخ سعد بالفم الملآن ومشى، موجهاً كلامه إلى السياسيين في هذا البلد، محملاً اياهم مسؤولية عدم إنجاز تشكيل حكومة المهمة، وكأني بالشيخ سعد قد نسي أو تناسى انه من صلب السياسيين الذين حكموا وتحكموا بلبنان واللبنانيين منذ سنوات وسنوات، وما كلامه إليهم في هذا السياق الا دليل على رمي الكرة في ملعب الآخر أياً يكن ذاك الآخر، مع لفت نظر الى انه حاول في كلامه تحييد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن الخلافات القائمة حالياً بشأن تشكيل الحكومة وصدور المراسيم المرتبطة بذلك، متناسياً أيضاً وأيضاً أن الخلاف الجوهري بهذا الشأن كان قائماً بينهما حتى الأمس القريب، ولم تؤدِ 14 جولة من اللقاءات والاجتماعات بينهما لفكفكة العقد كما الأسرار والالغاز التي اعاقت ولا تزال تعيق حتى هذه اللحظة تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة قصر بعبدا بشأن الحكومة العتيدة.

أما ماذا عسانا ان نقول في موضوع البحث والتفتيش عن اخصائيين يتولون مهامهم الوزارية ويقولون للسياسيين بمن فيهم الشيخ سعد «لا» حين يخطئ أولئك السياسيون بشأن قرار من هنا أو من هناك لا سيما في ما يتعلق بالاصلاحات المطلوبة إقليمياً ودولياً من لبنان، فكيف بالأحرى ان مصير البلد برمته بات على «كف عفريت» وعلى شفير الهاوية فيما هم، أي السياسيين والمسؤولين، لا يزالون يتلهون بكيفية زيادة الحصص والصفقات والامتيازات والمراكز التي يتغنون ويتمسكون بها حتى الرمق الأخير.

كل ذلك يجعلنا كلبنانيين «لا نتفاءل بالخير كثيراًً» وبالجهود والاتصالات التي تبدو «كحركة من دون بركة» حيال موضوع تشكيل الحكومة الجديدة، بانتظار أن يأتي ترياق جديد من الخارج، ان كان من فرنسا أو غيرها في محاولة لإنقاذ ما يُمكن انقاذه مما آلت إليه الأوضاع في لبنان على مختلف الصعد، لا سيما الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والاجتماعية منها، وما كلام رئيس الحكومة المكلف الأخير حول الرواتب الزهيدة التي بات يتقاضاها كل من يعمل في إدارات الدولة من مؤسسات عسكرية ومدنية الا دليل وتأكيد المؤكد انه بات على المسؤولين والسياسيين جميعاً تدارك الأسوأ والأخطر قبل الوصول إلى حيث لا ينفع الندم مع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات والتحذيرات التي صدرت مؤخراً عن أكثر من جهة أمنية مختصة بضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر من اغتيالات سياسية أو توترات أمنية أو تحرك لخلايا إرهابية نائمة قد تستغل الوضع للانقضاض على مسيرة الاستقرار والأمن في البلد ومن ثم العبث بأمن اللبنانيين جميعاً - لا سمح الله-.

أضف إلى كل ما تقدّم ان كان على صعيد كلام الرئيس المُكلف الأخير، أو ما قاله بالأمس القريب أيضاً وزير المال غازي وزني حول «معاودة الاتصال بشركة الفاريز ومارسال Alvarez & Marsal لمتابعة التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة أياً تكن طبيعة هذه الحسابات» إلا اننا كم كنا نتمنى لو أضاف الوزير وزني الى كل أولئك الذين ذكرهم الحسابات الشخصية والعائلية للمسؤولين والسياسيين في هذا البلد والذين «اكلوا الأخضر واليابس» وهربوا الأموال المنهوبة للخارج فيما تمّ السطو على أموال المودعين اللبنانيين في المصارف دون وجه حق وبطريقة غير مشروعة، وفي ظل كل هذه الأجواء الملبدة يأتي كلام «صمام الامان» في هذا البلد، اللواء عباس ابراهيم، داعياً إلى عدم اليأس. وقال في كلمة موجهة إلى العسكريين بمناسبة الأعياد قائلاً: «لا تيأسوا».. لقد مرّت على لبنان أزمات كبيرة، كادت ان تقضي عليه، لكن في كل مرّة كان يخرج منها كطائر الفينيق.

من هنا، وفي ظل كل هذه التراكمات المتسارعة في لبنان سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، ماذا عسى اللبنانيين ان يتنظروا من العام القادم 2021، وبالتالي هل من بارقة أمل أو بصيص نور يُمكن الاستكانة والاتكال عليه للبناء على ما ينتظر هذا البلد وناسه الطيبين الذين دفعوا حتى الآن ثمناً غاليا من حياتهم وأرزاقهم نتيجة فساد المنظومة الحاكمة في لبنان والسياسيين فيه، علی أمل ان يصدق وعد الشيخ سعد هذه المرة وتبصر الحكومة الجديدة النور مع إطلالة العام 2021، وأن يترافق ذلك أيضاً مع البدء بتطبيق الإصلاحات والقضاء علي الفساد والفاسدين وكل ما خلفه فسادهم على مدى سنوات عديدة، كما وان يكون مصير لبنان واللبنانيين أفضل بكثير مما هو عليه اليوم لا سيما في ظل اهتمامات الدول المؤثرة بأوضاع البلدان والشعوب في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وسائر دول العالم بشكل عام، وان يكون الوضع اللبناني في سلم أولويات الدول المعنية بهذا الشأن، وبالتالي ان يدرج لبنان على خريطة الحلول لدعمه ومساعدته واخراجه من هذا النفق المظلم مع كل ما يتبع ذلك من تداعيات ايجابية قد تساهم في تحسين أوضاع اللبنانيين بشكل عام لا سيما الاقتصادية والمعيشية منها.

«اسمع تفرح، جرب تحزن» لذلك ما على اللبنانيين الا الانتظار، حتى مطلع العام المقبل للتأكد من ان الوعود التي قطعت لهم ان كان من قبل الشيخ سعد أو غيره من المسؤولين ستتحقق هذه المرة ولو جاءت متأخرة جداً، علّ وعسى ان يكون الاجتماع رقم 15 في قصر بعبدا بين الرئيسين عون والحريري محطة مفصلية لكي تشكّل بعدها الحكومة ليصبح الوضع في ما بعد «بردا وسلاماً على لبنان واللبنانيين» وذلك بعد ان طال الانتظار.

وما على اللبنانيين أيضاً الا ان ينتظروا عودة الشيخ سعد من الخارج الذي غادر لتمضية الأعياد المجيدة هناك علّه يحمل معه هذه المرة جديداً يبلسم جروح اللبنانيين ويفرفح قلوبهم في خبر يفرج أساريرهم، ويقرب تشكيل ما يسمى بحكومة المستحيل.