بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الثاني 2019 10:46ص أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار إلى أين؟

حجم الخط
لم أكن متفائلاً - بغير عادتي- في مداخلتي التي القيتها في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس INALCO في نهاية الشهر المنصرم والتي تناولت فيها موضوع العيش المشترك في لبنان. ذكرت من ضمن الإيجابيات مشروع فخامة رئيس الجمهورية بإنشاء أكاديمية الحوار في لبنان وموافقة الأمم المتحدة عليه رغم اعتراض أميركا وإسرائيل. وذكرت من ضمن السلبيات القانون الانتخابي الطائفي و قرار بلدية الحدث بعدم بيع وتأجير المسلمين.

الآن وبعد أن فشلنا في الحوار الوطني وازدادت خشيتنا في أن نصل الى حرب أهلية، فهل ما زلنا متمسكين بإنشاء أكاديمية الحوار في لبنان وهل نحن مؤهلين لذلك؟ ماذا سنقول للدول التي منحتنا موافقتها؟ هل سنقول لها بأن هذه الفكرة التي خرجت من لقاءاتنا الإسلامية المسيحية والتي تبناها فخامة رئيس الجمهورية سقطت في أول اختبار أمام أول تحدّ واجهته؟

رئيس الجمهورية مطالب في المقام الأول في رفع هذا التحدي لأنه كان المبادر الأول في مطالبة الأمم المتحدة بإنشاء هذه الأكاديمية في لبنان. سمعته الدولية على المحك وليس من الجائز أن يخطو خطوة ناقصة او متناقضة لما كان يسعى اليه.

الشارع اللبناني يتخبط ويتصارع ولا توجد اي بادرة للحوار. فكيف لنا أن ندّعي الأهلية لإنشاء أكاديمية عالمية للحوار ونحن عاجزون عن حل مشاكلنا الداخلية؟

اقولها بكل صراحة بأننا كنا مؤهلين في السنوات السابقة بل وحتى خلال الحرب الأهلية ان يكون لبنان اول من يبادر إلى انشاء هذه الأكاديمية للحوار، فلقد مررنا بتجارب راقية في الحوار والعيش المشترك الإسلامي المسيحي، ابتداء من بيروت حيث كانت المرجعيات الدينية الإسلامية في عهد أصحاب السماحة : المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد و الإمام موسى الصدر ومن بعده الشيخ محمد مهدي شمس الدين وشيخ العقل محمد ابو شقرا تتلاقى دائما مع دعوات البطريرك صفير من اجل دعم العيش المشترك، كما أثْرت اللقاءات والندوات الأكاديمية لعالم طرابلس الشيخ د. صبحي الصالح مع الاب يواكيم مبارك مواضيع الحوار الإسلامي المسيحي، وكذلك كان لتنقلات الشيخ غسان اللقيس المكوكية في جبيل لدعم هذا العيش اكبر الأثر في المحافظة على الوجود الإسلامي في هذه المدينة. أضيف إليها الخطوات الجريئة التي انتهجتها وما تزال الجامعة اليسوعية في انشاء معهد الدراسات الإسلامية المسيحية واعتماد طريقة التدريس الثنائية بين أساتذة مسلمين ومسيحيين في نفس الحصص الدراسية.
وما كانت الاحتفاليات المريمية المشتركة التي اطلقناها سويا مع ناجي خوري والوزير الراحل ميشال ادة وإبراهيم شمس الدين وما توصلنا اليه في سنة 2010 من إعلان الحكومة عيد بشارة سيدتنا مريم عيدا وطنيا اسلاميا مسيحيا مشتركا الا باكورة لعهد جديد في العلاقات الإسلامية المسيحية.

كيف انتهينا إلى أن نصل في عهدك يا فخامة الرئيس الى ان نمر في أزمات متتالية نالت من عيشنا المشترك ومن القواعد الأساسية للحوار الإسلامي المسيحي. منذ بداية عهدك ابتدأنا نسمع همسات الازمة التي لم تتأخر طويلا حتى سمعنا دوي قانون الفتنة القانون الانتخابي المقيت، تلاه شد العصب المسيحي حصرا لمآرب انتخابية وتوزيرية وحزبية ضيقة على حساب التقارب الإسلامي المسيحي، بل وعلى حساب السكوت عن الفساد ونهب المال العام، لتتوالى من بعدها القرارات والمداخلات الخطابية لدق اسفين تلو اسفين في نعش الحوار الديني والعيش المشترك.

ان مشروع أكاديمية الحوار التي دعيت لإنشائها يا فخامة الرئيس في لبنان ليست للدراسات النظرية والا لكانت دول أخرى أحق منا في ذلك، وليست هي نزهة أكاديمية لنجمّل ونلمع صورة لبنان في الخارج في حين اننا نمر بأزمة حقيقية سياسية تنعكس سلبا على قيم الحوار والعيش المشترك.

لقد سئم اللبنانيون من هذه الإنقسامات ودعوات التمترس وراء الطوائف والاحزاب لتحقيق مكاسب سياسية ضربت بعرض الحائط كل الآثار الايجابية التي سبق وحققناها في مجال ترسيخ قيم المواطنة العابرة للطوائف وفي مجال التقارب الإسلامي المسيحي، ولما تسببته هذه الدعوات وهذا الجشع والأنانية من شروخ بين أبناء الطوائف.
بعد ذلك أتساءل هل ما زلنا مؤهلين لاستقبال أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار في لبنان بلد الرسالة؟