بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2020 12:00ص أكبر من وزير

حجم الخط
هو القاضي النزيه في في مجلس شورى الدولة، والمستشار لعدد من الإدارات ولجان تحديث القوانين والأستاذ المحاضر في عدد من الجامعات في لبنان، والمؤلِّف للمرجع القانوني «الإدارة العامة: العملية الإدارية والوظيفة العامة والإصلاح الإداري». إنه وزير التربية والتعليم العالي الحالي، الدكتور طارق المجذوب. نجل رئيس الجامعة اللبنانية سابقاً، الفقيه القانوني الدكتور محمد المجذوب رحمه الله، الذي ترأسّ المنتدى القومي العربي لسنين طويلة، والذي كان السيد حسن نصر الله شخصياً معجباً بذكائه الوقّاد حيث علمت ذلك عندما ذهبت معه برئاسة وفد من المنتدى للقائه، وكنت حينها عضواً للجنة التنفيذية للمنتدى، أذكر أن الحديث الذي دار بيننا آنذاك تركّز عن تعداد السيد حسن لخصال ومآثر وفضائل الدكتور محمد. 

أعرف الكثير عن الرجلين، ومن أسباب حبي للدكتور طارق أنه نسخة حيّة عن أبيه، ويكاد يجمع كل من يعرفه أن والده من أفقه رجالات القانون الإداري في تاريخ لبنان الحديث. إلا أن الرجلين يتمتعان بالرصيد الكبير في الساحة الوطنية، ومشهود لهما بخفّة الروح وسرعة البديهة وقذاعة الانتقاد. وربما لذلك أتى به الرئيس دياب في ذات الموقع الذي استلمه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011. فهل لهذا دلالة معينة بنظره؟ أعتقد ذلك، لأن الدكتور طارق بأكاديمته المعتادة، فرض نفسه مرجعاً قانونياً يتعدّى حدود الفوارق السياسية، لا بل هو يتعدّى حدود الطائفية. 

فهو كوالده داعية للوحدة الوطنية في الجوهر متجاوزاً الحواجر المصطنعة بين المذاهب والطوائف. نحن من المعجبين بالدكتور طارق ليس لكونه الجامع بين الطوائف، بل لكونه الرافض للعصبيات الطائفية، وهو الداعية للوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي في هذا البلد، وهو يعي أن الوحدة سياج الوطن الصغير، لبنان، في مواجهة أعتى التحدّيات التي تعصف به من جانب العدو الإسرائيلي. 

حيث صدر له عام 1998 كتاب «لا أحد يشرب، مشاريع المياه في استراتيجية إسرائيل». ولكن إعجابنا بالدكتور طارق مضاعف لكونه رجل العمل الإجتماعي المتواضع بامتياز، أو الإنساني بامتياز. ففي مشهد لافت يتوق إليه اللبنانيون، شهد أحد المصارف دخول رجل يقتطع ورقة مرقمة من الجهاز الآلي ويتوجّه للجلوس مع المواطنين ينتظر دوره ليسحب ما تيسّر من المال، فسارع أحد الشبان لالتقاط صورة له بعدما تيقن أنّ هذا الرجل لم يكن سوى معالي وزير التربية الجديد القاضي طارق مجذوب! والمميّز بالدكتور طارق أنه يجمع اللبنانيين على التوحّد بقيم مشتركة كالمحبة والمودّة والرحمة والانفتاح والتسامح والعفو والمغفرة والصدق والأمانة والاحسان، لذلك ترى بأن البعض يصفه بأنه أكبر من حكومته. خصوصاً أنه يؤمن أن مدخل الإصلاح الشامل هو الإصلاح السياسي، ومفتاح الإصلاح السياسي هو قانون الانتخاب العادل، الذي يبنى على قاعدة التمثيل النسبي، ولبنان دائرة انتخابية واحدة.

 هذا كان مشروع والده رحمه الله، على أن يتضمن القانون ضوابط تضمن سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، ومن ذلك تحديد سقف الانفاق الانتخابي، حتى لا يبقى للمال السياسي سطوته على نتائج الانتخاب، وكذلك تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين بحيث لا يبقى القابضون على وسائل الإعلام متحكمين بأجواء الانتخابات النيابية. ونحن نرى في النسبية الشاملة منطلقاً لما يشبه الثورة على الفساد. وفي مناسبة تولّي الدكتور طارق وزارة التربية والتعليم العالي، نوجّه تحية خالصة إليه، مكبّرين فيه التزامه الوطني المترفّع، ومقدّرين أعظم تقدير حرصه على أن يبقى الإنسان الكبير والقدوة في القيادة الصالحة للرأي العام اللبناني. حفظه الله ذخراً لوطننا لبنان، وصان فكره زاداً لحياة وطنية خلّاقة في بلدنا.



المحامي أسامة العرب