بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2023 12:00ص «إعلان بكين»

حجم الخط
بعد جولات من التفاوض بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، دارت رحاها بين العراق وعمان، جاءت المفاجأة في إعلان عودة العلاقات بين الرياض وطهران من العاصمة الصينية «بكين»، ولعلّ الذهول سيطر على كافة المتابعين، بداية من مكان إعلان الاتفاق الى الشكل الذي تمّ به إعلانه وصولاً الى تثبيت الاتفاق.
الاتفاق السعودي – الإيراني سيترك تداعيات إيجابية على المنطقة بأكملها نظراً لأهمية الدولتين المحوريتين في العالم الإسلامي، فضلاً عن قوتهما النفطية وحاجة العالم لمخزونهما النفطي، واتفاقهما سيترك ارتياحا لدى كافة الأوساط الإسلامية ويعزّز منطق الوحدة في مواجهة فكرة الصدام.
مؤشرات عدّة يقتضي التوقف عندها في الشكل والمضمون، فمكان إعلان الاتفاق جاء صادماً للكثيرين وعزّز من أهمية الدور الصيني المتعاظم في العالم كما في منطقة الشرق الأوسط، فالصين برزت كعملاق اقتصادي واكتفت بممارسة هذا الدور لفترة طويلة، لكن الأمور ما لبثت أن تبدلت بعد الحرب الروسية – الأوكرانية ومحاولة الصين لعب دور في التهدئة على الساحة المشتعلة عسكرياً، ليأتي إعلان بكين في مؤشر غير مسبوق عن دور صيني متقدّم من الناحية السياسية وفي منطقة تعتبر ضمن المصالح الإستراتيجية الأميركية وداخلة ضمن الأمن القومي الأميركي، وهنا يتأكد أن الصين انتقلت فعلياً الى لعب دور سياسي عملي وخرجت نوعياًمن حصرية دورها الاقتصادي، وقد يكون الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا والصراع مع الحلف الأطلسي سبباً في إطلاع الصين بالدور السياسي المستجد.
ولعلّ نجاح الصين في إعلان الاتفاق السعودي – الإيراني يكتسب أهمية إضافية نظراً لتعقيدات العلاقة بين الدولتين وتعدّد أسباب الخلاف في ما بينهما، فجاء «إعلان بكين» بمثابة نقطة انطلاق صينية حقيقية في المجال السياسي، وبمعزل عن الساحات اليمنية والعراقية والسورية واللبنانية ومدى تأثرها بالاتفاق بين الرياض وطهران، فإن العيون تبقى شاخصة على الموقف الأمريكي من «إعلان بكين»، فواشنطن التي تعتبر الشرق الأوسط مجالها الحيوي ستنظر بعين الريبة الى الدخول الصيني وبقوة الى ملفات المنطقة السياسية، خاصة أن الولايات المتحدة منشغلة بصراعها مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، وهي بالحالة هذه ستعتبر دور بكين بمثابة نقطة لمصلحة هذه الأخيرة في صراعهما الاقتصادي، مع إرهاصات على انتقال الصين الى الدخول السياسي، الأمر الذي يثير حفيظة واشنطن ويبثّ الرعب لدى البيت الأبيض من دور صيني متعاظم في إحدى أهم المناطق الإستراتيجية الأميركية .
الخوف الأميركي من الدور الصيني له مسبباته، أوّلها العلاقة الملتبسة مع القيادة السعودية ودور واشنطن السلبي تجاه الرياض ونجاح ولي العهد السعودي في قيادة المملكة للعب دور إستراتيجي على صعيد العالم وقدرته على تحييد بلاده عن الصراع الدائر في كييف، بخلاف إرادة الإدارة الأميركية، وأكثر من ذلك فإنّ توقيع الاتفاق يشكّل ضرباً لمحاولات جرّ المنطقة الى صراع مذهبي إسلامي – إسلامي، وهنا يشكّل الاتفاق ضربة لجهود إسرائيل بحكومتها المتشددة وخططها لإشعال الصراع في المنطقة للعب دور سياسي وأمني مركزي، مستفيدة من أجواء الصراع والتناحر.
بعد إعلان توقيع «إعلان بكين»، كانت الأصداء إيجابية في كافة أرجاء المنطقة، لكن الأمور مرهونة بمدى تطور العلاقات بين السعودية وإيران، وقدرة هذه الأخيرة على احترام تعهداتها وهي تبدو جدّيّة أكثر من ذي قبل، لكنّ الخطر على الاتفاق يبدأ من واشنطن وينتهي في تل ابيب، فماذا سيكون الموقف الأميركي من الاتفاق والدور الصيني في إتمامه وإعلانه؟، وهل ستعتبر الاتفاق مساساً بمصالحها وخطوطها الحمراء التي وضعتها في العام 1973؟
وماذا عن الموقف الإسرائيلي؟، خاصّة بعد الإعلان عن إلغاء بعد العقود المرتبطة بأسلحة دفاعية إسرائيلية.
«إعلان بكين» هو قرار إستراتيجي وقّع برعاية عملاق اقتصادي بتوجهات سياسية جديدة، والعبرة بتنفيذه والمواقف منه.
 
كاتب – باحث سياسي