لم تولد الحكومة العتيدة في مطلع العام 2020 كما وعد رئيس الجمهورية بعد اجتماعه إلى الرئيس المكلف حسان دياب، وبات العام الجديد مفتوحاً على مزيد من الأزمات التي يتفنن أهل السلطة في استيلادها، وثورة 17 تشرين ستكمل نضالها لبلوغ الجمهورية الثالثة، والطبقة السياسية غارقة في حساباتها السياسية والمالية، والرئيس المكلف مهمته صعبة مهما بث من موجات تفاؤل، ويعيش هموم مهمته البالغة الصعوبة في الاتيان بحكومة إنقاذ البلاد من الانهيار الذي يتخبّط فيه، والسؤال في ظل هذا الجو المأزوم: إلى أين؟
هل تبقى البلاد بلا حكومة، وتستعيد تجربة الانتخابات الرئاسية التي استمرت أكثر من سنتين ونصف السنة، واسست لهذا الوضع الذي هي عليه الآن؟ وهل يستطيع هذا البلد ان يصمد في وجه كل العواصف التي تهب عليه من الداخل والخارج، حتى أصبحت الدولة فاشلة بشهادة كل الدول وجميع الخبراء في علم الاقتصاد، وفي علم السياسة على حدّ سواء؟
كلام كثير عن الأزمة الراهنة، قيل في الأروقة الداخلية مشفوعاً بدعوة أرباب السلطة إلى اجتراح الحلول الناجعة قبل فوات الأوان، لكي تكون هذه الحلول مدخلاً لاقبال الدول على المساعدة لإخراج لبنان من ازمته المصيرية، لكن ما من مستجيب من أهل السلطة لكل هذه الدعوات، وكأن البلد في ألف خير، فلا الاقتصاد في الهاوية، ولا المجاعة تدق أبواب أربعة ملايين نسمة ونيف على حدّ وصف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولا الاستقرار الأمني الذي كان ينعم به لبنان بفعل الرعاية الدولية مهدد بالانفلات، لتسود شريعة الغاب، وها هم أرباب السلطة أنفسهم ما زالوا منشغلين بخلافاتهم على توزيع الحصص الوزارية، وعلى من يحظى بأكثرية الثلث المعطل أو الثلثين الذي يضمن له الإمساك بالحكومة الموعودة من خلال الإمساك بكل قراراتها العادية والاساسية.
اما آخر المعلومات المتداولة، فتشير إلى ان عقدة التأليف، لم تعد ذات طابع سني، بقدر ما أصبحت مسيحية، ومارونية بالتحديد لأن رئيس التيار الوطني الحر ما زال يُصر على إبقاء بعض الحقائب الأساسية مثل حقيبة الطاقة على سبيل المثال لا الحصر، من حصته، كذلك الأمر بالنسبة إلى حقيبة الخارجية التي شغلها رئيس التيار جبران باسيل في حكومتي الرئيس سعد الحريري السابقتين، في حين يذهب البعض أبعد من ذلك فيؤكدون ان الوزير باسيل ومن ورائه رئيس الجمهورية رفضا كل ما اقترحه الرئيس المكلف من أسماء، واصرا على تسمية الوزراء المسيحيين وحتى غير المسيحيين، في حين ان الرئيس المكلف يرفض مثل هذه الشروط لأنه ينطلق من معايير واضحة ومحددة كان انطلق على أساسها في عملية التأليف وابلغها مسبقاً إلى باسيل وإلى رئيس الجمهورية.
بعد كل هذه التعقيدات التي تؤخّر التأليف بدا ان فرصة السماح التي اعطاها الثوار للسلطة انتهت حيث انه في اليوم الثامن والسبعين لانطلاقة الثورة عادت التحركات إلى الأرض بزخم اقوى وبإصرار أكبر على الاستمرار في الساحات العامة إلى ان تسقط السلطة الحاكمة بكل رموزها، وتقوم الجمهورية الثالثة كونها الطريق الصحيح لإنهاء حكم المحاصصات الطائفية والمذهبية ودفن دولة الزبائنية والاستزلام والتبعية في مزبلة التاريخ، وتشكل عودة الثورة أبلغ دليل على ان القطار فات هذه السلطة، وانها مهما حاولت اليوم من تقديم التنازلات لتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، فستولد ميتة، وهذا ما بدأ يدركه الرئيس المكلف ويعيد حساباته على هذا الأساس، الا إذا أعاد الفريق الحاكم وعلى رأسه حزب الله, كونه المالك للقرار كما يملك قرار السلم والحرب عنوة, حساباته وقبل تشكيل حكومة من المستقلين البعيدين كل البعد عنه وعن التيار الوطني الحر وعن فريقهما السياسي محصنة بصلاحيات استثنائية تتيح لها تشييد بناء الجمهورية الثالثة التي لن يتخلّى عنها الذين عادوا يملأون الساحات من بيروت إلى الجنوب فالشمال والبقاع.