بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تموز 2020 12:01ص ارفعوا أياديكم عن وطنكم

حجم الخط
مُخطئ مَنْ يعتقد أن الجوع حين يطرق بفعل تداعيات السياسة، سواء تلك المتراكمة منذ عقود وسنوات، أو تلك التي هي موجودة راهناً، أبواب الفقراء بدون رحمة ليأخذهم في رحلة الموت ويأخذ أولادهم، سيترك في البيوت من ينتظره ليأخذ كل واحد منهم بدوره أو يأخذ أطفاله..

فحين تترك السياسة الجائعين لمصيرهم تكون فقدت كل امكانية في ما تظنه إجراءات ضابطة لهم في حدود سلوكيات لا تضر مصالحها أو مصالح الأطراف فيها..

يصعب دائما على أي كان أن يضبط سلوك الذي لا يُترك له سوى الموت ليجده أمامه مصيراً محتوماً ولو جوعاً.. مثل هذا مما سيخاف؟.

في الحقيقة أضحى يحتاج الوضع الخطير من كل الطبقة السياسية، سواء التي في السلطة حالياً، أو تلك التي خارجها أكثر مما بدا منهم أنهم فعلوه حتى الآن من خطوات، أو اتخذوه من مواقف، أو أقدموا عليه من أفعال.. أضحى يحتاج الوضع نقل مسؤولية مواجهة الأوضاع الى حكومة عسكرية بصلاحيات اصلاحية استثنائية على الأقل تعيد ملامح الحياة الى الوطن في عزلته وتشكل بارقة أمل للمواطنين، كل المواطنين في خوفهم وفي يأسهم وفي فقدانهم لأدنى مقومات العيش، وتعيد الثقة أينما يتطلب الوضع اعادة ثقة سواء داخليا او عربيا أو دوليا..

الذي لا يرى أن الحل راهناً هو في هكذا حكومة هو حتما غير مقدر خطورة الأوضاع.. فقد وصلنا الى وضع ما عاد هناك فيه، في ظل الواقع المحزن المبكي، وفي ظل الواقع السياسي الذي يشهد هذا التراشق بين الأفرقاء جميعاً بِكُرة المسؤوليات عن الأوضاع الخطيرة من يستطيع أن يكون ولأسباب كثيرة في الموقع المنقذ الذي يستطيع أن يقدم من خلال ما يمكن أن يفعله حلاً ولو حلاً يفرمل الانحدار المستمر على أكثر من صعيد..

هل نتحدّث عن عزلة البلد عن محيطه العربي الذي لطالما كان خير داعم له في كل أزمة ومنعطف، وخير حاضن ولا يزال لجزء كبير من قواه العاملة في بلاد الاغتراب؟..

هل من عاقل ليصدق أن المسكّنات يمكن أن تعالج واقعاً يحتاج إلى معجزة كي يعالج، ويحتاج عملاً جباراً وتصحيحاً لمشكلات مزمنة كثيرة هي بدورها ولدت مشكلات؟..

هل من أحد يصدق ونحن في هكذا حال أنّ المفاضلة بين الحل السيىء والحل الأسوأ يمكن أن يسمى إنجازاً؟..

هل بالمراوحة في المكان نفسه من اللاتعامل بمسؤولية مع الأوضاع كما يجب ان يكون التعامل نعطي المواطن الطمأنينة بأن الألم الحالي مسألة ظرفية لن تدوم؟..

كيف لأحد أن يصدّق أنّ غير حكومة عسكرية يمكن أن تعطي للناس بما لديهم من ثقة بالمؤسسة العسكرية الأمل بأن الغد سيكون أفضل أو على الأقل أقل وجعاً بانتظار تماثل الوضع تماما للشفاء؟...

مَنْ هو هذا العاقل الذي يستطيع أن يصدق أن الناس تنتظر أن يقدم لها الحل طبقة سياسية زرعت لها كل هذه المشاكل وانتجت لها كل هذه الويلات؟..

مَنْ يستطيع أن يصدّق أنّ أوضاعاً شائكة وخطيرة كمعضلة الدين العام الذي يتعاظم يوما بعد يوم و أوضاع الاقتصاد و المال والنقد والوضع المعيشي الاجتماعي والوضع الذي له علاقة بالسيادة والقانون والادارة، واوضاع الكهرباء والمياه والنفط والنقل والتعليم والصحة والبطالة والفقر والفساد والهدر والمصارف والودائع والقضاء المستقل يمكن أن يكون متصدياً لها أحد بحزم وإنتاجية من كل الذين أوصلوا البلاد الى هذه الأحوال التعيسة والخطيرة؟.. 

يكفي المؤتمر الصحفي لمدير عام المالية الذي تحدث بوضوح ما بعده وضوح، عما تتحمله الطبقة السياسة من مسؤوليات عن كل هذه التعاسة.. فإلى متى نبقى نضيع الوقت وكل ما لدينا يتآكل؟..

إلى متى نبقى نراهن على الوضع في هذه الدولة أو تلك أو هذه الانتخابات في هذه الدولة أو هذه المباحثات أو هذه التطورات هنا وهناك في هذا الشرق او هذا العالم؟.. ما نفع كل هذا حين يبدأ الجوع يبني لنا المقابر؟..

حينها مَنْ منكم يتصوّر أنّه سيبقى له مصالح من كل تلك المصالح التي هي حتى الآن تبرزونها في طريقة أو أخرى في وجه التغيير والاصلاح والمحاسبة تحت عناوين واهية المشروعية وبعضها للمشروعية فاقد تماما وبعضهم مخجل وطنياً ومخجل في كل حساب.. «ارفعوا أيديكم عن لبنان» عبارة قالها يوماً الرئيس المصري الراحل أنور السادات.. أعيدها على مسامعكم وبتصرف وأقول: «ارفعوا أياديكم عن وطنكم»..