بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2019 12:00ص استخلاص الدروس والعِبَر يحصّن السلم الأهلي

حجم الخط
لا غبار على ان شريحة كبرى من ابناء شعبنا ونتيجة تخلفها واحجامها عن النهل من ينابيع الثقافة والمعرفة، وهما مصنع الجرأة والحقيقة اللتان يولد من رحمها الوعي احد اهم مداميك السلم الأهلي، واعتناقها مذهب الصمت المريع، تعملق الفساد في نفوس ابناء تلك الطبقة، وخرج عن المألوف وجندل الفقراء والبؤساء المساكين. أما اليوم وبعد ان تفجّر غضب الجائعين في الشوارع والساحات، منذ 17 تشرين الأول 2019، يجب ان نعود لنقيم النتائج التي حققها الحراك الى الآن.

 عمليا لقد اصيبت الطبقة الحاكمة بصفعات حادة من قبل الأكثرية اللبنانية المحرومة من ابسط حقوقها، وشعرت تلك الطبقة بأن تلك الصفقات تهدد استمرار بقاء ممارستها للشأن السياسي على قيد الحياة، لذا فإنها وباعتقادي الشخصي باتت من التواقين بشدة الى الحوار مع الساخطين والغاضبين من أكثرية ابناء شعبنا مخافة الغائها، من الحياة السياسية اللبنانية. عمليا ومن اجل تحصين السلم الأهلي فإن شعار كلن يعني كلن ليس سوى مقدمة لحروب الإلغاء والتي كان مصيرها الفشل الذريع على مر العصور وفي كل اصقاع المعمورة، فعندما اراد ادولف هتلر تنصيب نفسه الحاكم الأوحد للقارة الاوروبية العجوز، الغى نفسه في نهاية المطاف، وكما ان للشعب المسكين شارعه العريض، كذلك للطبقة السياسية شارعها العريض ايضا عبر جماهير احزابها. وبما ان قسما من ابناء شعبنا يريد حكومة تكنوقراط وقسما آخر يريدها حكومة تكنو سياسية، فإن الخيار الثاني في وطن صغير المساحة تقبع فيه 18 طائفة، يبقى الحل المثالي وانعته بالمثالي، لأنه لا يلغي احدا ويسمح لكل الأطراف بالجلوس جنبا الى جنب على طاولة مجلس الوزراء.

لذا يبقى الحوار مع السلطة التي افقرت وجوّعت بواسطة الورقة الاصلاحية هو الحل الأنجع. فبنود تلك الورقة ان قرأناها بتمعّن، نرى انّ ايجابياتها اكثر من سلبياتها، ومن المؤكد ان شعبنا المسكين سيخرج منتصرا من ذلك الحوار وسيستعيد القسم الأكبر من حقوقه المغتصبة، لأن الصفعة التي تلقتها الطبقة الحاكمة باتت تهدد وجودها، لذا ستعمد من تلقاء نفسها الى تقديم التنازلات. لكن بما ان العامل الآخر الذي يعيد الازدهار الاقتصادي، هو تنفيذ بنود المادة 95 من الدستور واهمها الغاء الطائفية السياسية، لذا فإن المطلوب من ممثلي الحراك الذين سيجلسون في نهاية المطاف الى طاولة الحوار، خوض غمار حوار شيّق ومقنع مع فخامة الرئيس وتيار العهد، لاقناعهما بفوائد تلك المادة عصب الدستور ورأس حربته. من هنا أتوجه اليكم بالقول، قولوا لفخامته ولتيار العهد، نحن اغلبية الشعب اللبناني الذي وافق على اتفاقية الطائف لانهاء كابوس الحرب الاهلية، نريد من نواب تياركم التصويت فورا تحت قبة البرلمان على المادة 95، قولوا لفخامته، فخامة الرئيس نحن لا نستجديك، المادة 95 حق من حقوقنا، ومن حقنا تحريرها من سجنها القابعة فيه منذ 30 عاما والكائن في سطور صفحة من صفحات الدستور.

قولوا له الوطن لم يعد يحتمل الطلاق مع هذه المادة الخصبة. من حقنا وحق وطننا ان نقيم عرس وطننا بعد ان تكون الهيئة الوطنية قد نجحت في مهمتها الشاقة، المتمثلة باستئصال الطائفية ذلك الورم الخبيث، من نفوس اجيالنا التي ارتشفت الحليب الطائفي منذ سن رضاعتها، الجيل تلوَ الجيل، من خلال دخولها الى صروح العلم والثقافة واقامة مئات المحاضرات والندوات، عبر علماء نفس واجتماع ونقاد وكتاب وادباء ومحللين ولو استغرق ذلك ردحا طويلا من الزمن، وهذا امر طبيعي. قولوا لفخامته ولتيار العهد ان استمرار رفضكم تشكيل تلك الهيئة، يشبه تماما مشهد رجل يذبح بقرة حلوباً او دجاجة بيّاضة، ولا تقنطوا من الحوار مع فخامته وتياره حول المادة 95، لان ذلك سيستغرق وقتا طويلا ولا تدعوا ذلك الوقت الطويل، يفرض عليكم معادلة احرجناهم فأخرجناهم، فما يدع تلك المعادلة تنجح هو حلول الكلل والملل عليكم، فالكلل والملل ممنوعان، لأنهما يجعلانكم تخسرون معركة عض الأصابع، فلا تقبلوا الخروج من قاعة الحوار الا بتحرير المادة 95 من سجنها ونقلها الى منصة الشرف كي يطلق جيشنا الوطني احدى وعشرين طلقة مدفعية احتفالا بقدومها لإنهاء الحرب في لبنان، والى كل امرأة لبنانية متزوجة من اجنبي اقول لها لا تقبلي الخروج من تلك القاعة إلا وبصحبتك الجنسية اللبنانية لفلذات كبدك.

ان الدستور هو من يملي اوامره على الحاكم، لانه سبق ان اقسم في جلسة انتخابه على الحفاظ على سلامته، وكل الشعوب التي صنعت دساتيرها بأغلبيتها الساحقة، تكون الدساتير في خدمتها، كما تكون الشرطة في خدمة الشعب.

ان خطورة الوضع في لبنان تكمن بتضافر عامل العقوبات على حزب الله مع عامل فساد الطبقة السياسية واستمرار الجوع متعملقا. ونظرا لخطورة الوضع، لزاما عليّ ان اقول بأن الصراع بين موسكو وواشنطن على الظفر بالورقة اللبنانية هو من احد اهم اسباب العقوبات الاميركية على حزب الله وسأكشف ذلك بالأدلة الدامغة.

انّ ما باتت تخشاه واشنطن هو تعملق النفوذ الروسي في لبنان، اذ ان تقارير صحافية نقلت عن وزير الخارجية الروسية لافروف خلال منتدى السلام في باريس قوله ان تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان أمر غير واقعي واضاف ان موسكو ابلغت طهران بأنها عازمة على الذهاب الى اقصى الخيارات في لبنان لحماية حزب الله، علاوة على ان الصراع بين القطبين الكبيرين في لبنان، هو على ثرواته القابعة في مياهه البحرية. وبتاريخ 22/11/2019، اجمع عدة خبراء في الشؤون الروسية على ان الكرملين ينظر الى لبنان على انه ضمن نطاق موسكو الاستراتيجي المرتبط جغرافيا وسياسيا بسوريا وان لبنان هو الحديقة الخلفية لسوريا، واضافوا ان التركيز الروسي هو بشكل رئيسي، على قطاع الطاقة في لبنان، وبنوع خاص على الغاز الواقع في المياه البحرية اللبنانية.

وفعلا استعرت نيران الصراع عندما نصت خطة الخبير في الشؤون الشرق أوسطية فريديريك هوف على وجوب تقاسم المخرون النفطي والغازي اللبناني في البلوكات الجنوبية 9 و 10 بين اسرائيل ولبنان، على ان يكون للكيان الاسرائيلي نسبة 40 بالمائة من ثروات لبنان، فيما يكون للبنان نسبة 60 بالمائة من ثرواته الأمر الذي رفضه لبنان. وكان موقع The Century foundation قد نشر في 9 آب 2018 تقريرا حمل عنوان روسيا توسع نفوذها في لبنان، فقال ان الخطير في الأمر، ان الاغلبية الحالية في لبنان تتكون اليوم من حزب الله وحلفائه المحليين الموالين لسوريا، لذا فإنّ وجود علاقة وثيقة لبنانية، روسية يعني تقليل اعتماد لبنان على واشنطن واضاف الموقع ان المعضلة الكبيرة كمنت بفوز روسيا في العام 2017، بحق استكشاف النفط والغاز في حقوله، وهذا ما اقلق واشنطن بشدة لأن تورط روسيا في هذا الأمر، يعني انها باتت قادرة على لعب دور ايجابي في منع التدخل الاسرائيلي في التنقيب والاستخراج وتحديدا في البلوك 9 التي تعود ملكيته الى اسرائيل حسب تعبير الموقع المذكور، والجدير ذكره ان حصة لبنان من الغاز الطبيعي تبلغ نحو 96 تريليون قدم مكعبة، وكل هذا دفع الكونغرس الأميركي الى توجيه رسالة الى الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس وقعها 240 مشرعا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن يدعونه الى بذل مجهود دولي جبار للدفاع عن اسرائيل وحمايتها من نفوذ حزب الله.

من هنا وازاء هذا الاعصار المعيشي والسياسي الزاخر بالصراعات الإقليمية والدولية بين المحاور من أجل الفوز بالورقة اللبنانية، اعود واطالب الفقراء في لبنان بالاهتمام اولا باسترجاع رغيفهم المحتجز في سجون المحاصصات الطائفية وتبدية هذا الأمر على الجدالات السياسية، من خلال الحوار، لأن صراع المحاور على الاراضي اللبنانية ليس حديث العهد، بل يعود اقلّه الى العام 1820، وقصة الدعوة الى النأي بالنفس والحياد الايجابي، اثبتت ان امكانية نجاحها امر من سابع المستحيلات لأن الموقع الجيو سياسي للبنان متواجد في قلب منطقة الصراع السياسي بين محورين قويين. ويبقى الوعي مصنع السلم الأهلي.