بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 كانون الثاني 2022 12:02ص استعمار في القرن الواحد والعشرين على نمط استعمار القرن التاسع عشر

حجم الخط
التحدي الاول الذي يواجه لبنان اليوم هو الاستعمار. استعمار، على نمط ذلك من القرن التاسع عشر. فهو شبيه لحد كبير باستعمار الهند والكونغو وغيرهم في اسيا وافريقيا. استعمار، من قبل منظمة عسكرية عقائدية متعطشة للسلطة. تمتلك أذرع اقتصادية، خدماتية، اجتماعية، وإعلامية عابرة للحدود. فهي لا تؤمن بالشرعية الدولية ولا بمفاهيم الحداثة. بل تعتمد فقط شرعية القوة ومفاهيم التسلط والهيمنة على شعوب المنطقة. يقدّم هذا الاستعمار نفسه كحركة تحرر عالمية من الظلم، وثورة مستمرة على الاستكبار، ومقاومة إسلامية للاحتلال. انما في الواقع، وبعد أكثر من اربعين عاما على نشاطه الإقليمي، يكرس هذا الاستعمار نفسه كقوة رجعية في طرحها السياسي، قمعية في ممارساتها السلطوية، مستكبرة في ادعائها لاحتكار الحق والحقيقة، وظالمة لشعوب المنطقة الثائرة في وجه الطغيان. وبالتالي يبرز المستعمر ممانعاً لحق شعوب المنطقة المتعطشة للحرية وحقها في تقرير مصيرها. هذا المستعمر هو منظمة فيلق حرس الثورة الإسلامية (سپاه پاسداران انقلاب اسلام) ويعرف اختصارا باسم الحرس الثوري او پاسداران بالفارسية، وفصيله في لبنان المعروف بحزب الله.

يُستخدم مصطلح «الاستعمار» لوصف وضعاً شاذاً، يقوم في أرض دخلها، سلماً أو عنوة، اغراب، بعد إصرار وتخطيط، فعاشوا فيها وبادروا بعمارتها واستغلالها. ثم عقدوا مع سكانها الأصليّين علاقات تتسم بزرع التفرقة والتعامل بفوقية يتبعهما تسلّط وإنكار لحقوقهم الطبيعية. المستعمر يفرض مفاهيمه الثقافية، الدينية، والاجتماعية على السكان الأصليين بالقوة العسكرية والاقتصادية. كما يستخدم المستعمر سياسة فرق تسد لإحداث شرخ بين السكان الأصليين. فيعزز الخلافات الداخلية لضرب مكونات مجتمع السكان الأصليين فيما بينهم، ويصبح هو الحكم المحافظ على التوازنات بين المكونات. 

اتخذ كل مستعمر عبر التاريخ من بعض السكان الأصليين ولائيين له. سخرهم لخدمة مشروعه عبر مزيج من سياستي الترغيب والترهيب. يتبنى الولائيون مفاهيم المستعمر الثقافية، الاجتماعية، والدينية عبر التفاعل التربوي والاقتصادي. بل، ينضم بعض الولائيون لقوات المستعمر العسكرية ويصبحون أفضل أداة لتطويع السكان الأصليين وقهرهم.

لم تهدف الحركة الاستعمارية في بداياتها إلى تحقيق مجد وطني قومي. فلطالما كان القطاع الخاص هو المبادر بالاستعمار. بدأ العديد من الحملات الاستعمارية بمبادرات فردية لأهداف ربحية. حيث قام رواد اعمال من دول أوروبية بتأسيس شركات تنظم حملات تجارية تحميها قوات عسكرية مرتزقة. قامت هذه الشركات بتأسيس مستوطنات لموظفيها الأوروبيين، ثم تطورت هذه المستوطنات لتصبح مدن تستقطب كل طامح لبناء ثروة على حساب السكان الأصليين.

استعمر الانجليز الهند خلال قرنين من الزمن، وكانت شركة الهند الشرقية الإنجليزية للتوابل المخطط والمنفذ لهذا الاستعمار. كما نظمت الشركة جيش مرتزق من الانجليز ومن ثم السكان المحليين لفرض سلطتها على الهند. استمرت الشركة بالهيمنة والتسلط على السكان والارض حتى عام ١٨٥٧ عندما اندلع التمرد الهندي العام. على إثره، تدخلت الحكومة البريطانية ووضعت الهند تحت الإدارة المباشرة للتاج البريطاني. وأُعلنت الملكة فيكتوريا امبراطورة الهند.

استعمر البلجيكيون الكونغو عام ١٨٧٧، وكان بقرار ورعاية مباشرة من الملك ليوبولد الثاني بدون موافقة الحكومة البلجيكية. كما نظم الملك جيشا مرتزقا، على نفقته الخاصة، ضم عناصر من مختلف الدول الأوروبية. وأسس إدارة استعمارية مستقلة تحت قيادة هنري مورتون ستانلي غير البلجيكي. استعمر الملك الكونغو واسس شركة للمطاط. قامت الشركة المستعمرة بأبشع الجرائم ضد السكان الاصليين من اجل تحصيل المطاط المستخدم في السوق النامي لإطارات السيارات. وقد أُطلق مصطلح «جرائم ضد الإنسانية» لأول مرة لوصف جرائم الملك ليوبولد الثاني في الكونغو بعد مقتل الملايين من السكان الأصليين. عند وفاة الملك ليوبولد الثاني، قام ابنه الملك ألبرت بتقديم الكونغو للدولة البلجيكية ووضعت تحت ادارتها المباشرة.

بالعودة للبنان والمنطقة اليوم، يمكن توصيف نشاط الحرس الثوري في المنطقة العربية بالاستعمار التقليدي. فهو يقوم بالاحتلال المباشر عبر جيش مرتزق غير تابع للحكومة الإيرانية. ثم يتوسع عبر مؤسساته التربوية، والخدماتية، والاقتصادية في المجتمعات العربية. كما ينشط على مستوى التغيير الديمغرافي، فيسعى لتغيير التركيبة السكانية عبر التهجير والتوطين بما يتناسب مع تطلعات مشروعه الاستعماري. 

اما في لبنان، فيمكن توصيف حزب الله بالمستعمر كونه، وباعترافاته، فصيلاً تابعا للحرس الثوري. زُرِعَ في لبنان، وجند لبنانيين مثلما فعل كل مستعمر عبر التاريخ. فالعناصر اللبنانية المنتسبة لا تملك قراراً. فهي عناصر منتظمة عسكرياً وبالتالي تقوم بتنفيذ الأوامر الصادرة بدون تردد وتحاسب في حال التلكؤ والتقصير. فحزب الله في لبنان فصيل تابع ومندمج عضويا بالحرس الثوري. وإذا تمعنا بالمقاربات المُبررة لدور حزب الله من قبل أنصاره، تراها تصنف كل من يواجه حزب الله بالتابع لأمريكا. فهم يعتقدون، حق اعتقاد، ان الخيار الوطني الحر المستقل غير وارد. فإما استعمار من الحرس الثوري او من أمريكا. لكأنهم لا يمكنهم تخيل إمكانية وجود مشروع وطني رافض لكل استعمار وهيمنة، ومطالب بسيادة المواطن اللبناني على أراضيه.



باحث ومحاضر في جامعة مكماستر، كندا