بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيار 2024 12:01ص اقتربت نهاية الحرب في غزة

حجم الخط
بصفقة بين إسرائيل وحماس أو من دونها، تتجه الأوضاع نحو نهاية الحرب. والاحتمالات بالنسبة لإسرائيل تقع بين حدّين:
- القبول بالصفقة التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر عبر ثلاث مراحل متتالية مترابطة، مدة كلٍ منها 40 يوماً والتي تصل في مرحلتها الثالثة إلى وقف الحرب بمُسمى «الهدوء المستدام». تنتج عن هذا الخيار خسارة إسرائيل للحرب (لأن حكومتها وضعت هدفاً لن تتمكن من تحقيقه وهو إلغاء حماس وتحرير الرهائن بالقوة)، فيكون «الموت الرحيم» للحكومة ونتنياهو على رأسها مع من التحق بها (غانتس وأيزنكوت) إذا لم يستقيلا منها قبل فوات الأوان.
- أو ذهاب نتنياهو، ومعه متطرفو حكومته، إلى رفض الصفقة واستكمال الحرب (بإجتياح رفح وتسكير معبرها مع مصر بالإضافة إلى معبر كرم أو سالم) في ظل شبه إجماع دولي سياسي وشعبي على رفض هذا السلوك، مما يفضي إلى موت الحكومة عاجلاً وليس آجلاً.

تناقضات إسرائيل الداخلية

تعاني إسرائيل فضلاً عن ذلك تمزّقاً خطيراً في هيكليتها السياسية - العسكرية والمجتمعية تعود إلى العوامل الآتية:
أ- الحسابات الشخصية للسياسيين:
1- يريد نتنياهو استدامة الحرب هرباً من المحاسبة وإنهاء حياته السياسية والدخول إلى السجن، إلى حين تحقيق ما هو متعذّر (هدف الحرب المعلن).
2- يريد بن غافير وسموتريش فرض تطرف طروحاتهم على نتنياهو وحكومته في مسعاهم «المجنون» لقيادة إسرائيل في المرحلة المقبلة.
3- يريد يوآف غالنت، منافسة نتنياهو على رئاسة الحكومة، كخيار لليكود مناسب نظراً لوضع نتنياهو المترنح في رأيه.
4- يريد غانتس أن يستحصل على أكبر عدد من النواب في الإنتخابات القادمة ويسعى أن تكون مبكرة للوصول إلى رئاسة الحكومة.
5- ينتظر لابيد خراب الحكومة وتدهور حظوظ منافسيه، نتيجة رعونة أدائهم (نتنياهو وأخوته من المتطّرفين) أو بتأخّر غانتس من الخروج من الحكومة.
ب- التناقض بين قيادة الحكومة والمؤسسة العسكرية والأمنية الذي يدور حول من يتحمّل مسؤولية «كارثة» 7 تشرين ومسؤولية فشل إدارة الحرب.
ج- أزمة تجنيد اليهود الحريديم في الجيش، وتهديد الأحزاب الدينية الحريدية في الحكومة بالإستقالة في حال إقرار مشروع قانون يفرض تجنيد تلامذة المدارس الدينية.
د- الصراع السياسي والعقائدي بين اليمين المتطرف الذي اعتبر الحرب فرصة لتحقيق أحلامه في العودة إلى الإستيطان في قطاع غزة والترحيل القسري للفلسطينيين من القطاع، فضلاً عن إستغلال المستوطنين اليهود في الضفة الغربية حالة الحرب لزيادة اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وبين أحزاب الوسط واليسار التي تطالب باستقالة الحكومة المسؤولة عن الإخفاق، وتحديد موعد انتخابات جديدة للكنيست.
ه- عودة الاحتجاجات إلى الشارع في إسرائيل على خلفية أولوية تحرير الرهائن، مصحوبة بمطلب إستقالة حكومة نتنياهو نتيجة فشلها الذريع في إدارة الحرب وسياستها الخالية من أي رؤية إستراتيجية ومستقبلية. إن هذه الاحتجاجات طالت أيضاً غانتس وأيزنكوت لتقاعصهما عن الإستقالة من الحكومة والاستمرار في تغطيتها. وقد أظهرت الاستطلاعات بأن عدد المقاعد التي قد يحصل عليها غانتس، تدنّى من 41 إلى 29 خلال شهر، مما قد يدفعه إلى الإستقالة في وقت غير بعيد، لا سيما أن نتنياهو يسعى إلى إفشال صفقة الرهائن التي أعلنت حماس قبولها.
و- إستقالة رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أهارون هاليفا، ما من شأنه التسبب بمأزق داخل الجيش.
وقد جاء لفتاً للنظر أن رسالة الاستقالة التي وجهها هاليفا لرئيس الأركان، تشير إلى الإستخبارات، ولا تتطرق للمسؤولية الشخصية. وتحتوي أيضاً على مطلب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر. فهذه الصيغة تخبئ ورائها مضموناً مهماً. فجميع قادة الجيش والمخابرات أعلنوا أنهم يتحمّلون المسؤولية الإدارية وليس الشخصية عن الإخفاق. وفي الوقت نفسه، يعتقدون أن نتنياهو يتحمّل المسؤولية الكبرى، ليس فقط بوصفه المسؤول الأول، بل لأنهم كانوا قد حذّروه من هجوم من حماس وحزب الله ولكنه لم يكترث.
وعبّرت جهات عسكرية في إسرائيل عن القلق من الجهود التي يبذلها نتنياهو لتنفيذ سلسلة تعيينات لضباط ينتمون لتيار الصهيونية الدينية اليميني المتطرف ومقرّبين من قادة المستوطنين في الضفة الغربية. وقالت في تسريبات لوسائل الإعلام الإسرائيلية إن هناك محاولات لتسييس الأجهزة الأمنية، وهذا بحد ذاته خطير، لكنه يصبح أخطر عندما يلاحظ أن هناك محاولة لنشر فكر متطرف سيلحق ضرراً سياسياً واستراتيجياً بإسرائيل.

التباعد الأميركي - الإسرائيلي

1- تناقض المصالح الأميركية مع توجهات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة:
أ) أي دعم عملاني أميركي لإسرائيل يشكّل خطراً على التواجد الأميركي العسكري في المنطقة حيث تدفع «محور المقاومة» إلى إستهداف قواعد الولايات المتحدة العسكرية المنتشرة فيها، بفعل محاولات حكومة نتنياهو توريطها عبر أعمال عسكرية خطيرة (مثل الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا).
ب) سياسة نتنياهو تحرج مصر والأردن وقد تتسبب بنتائج وخيمة مثل تهجير فلسطينيي القطاع إلى مصر وفلسطينيي الضفة إلى الأردن، مما قد يزعزع إستقرار النظام في هذين البلدين الصديقين لأميركا، كما قد يهدّد إتفاق السلام بين إسرائيل مع كلٍ من البلدين.
ج) سياسة نتنياهو تتناقض مع حل الدولتين الذي تسعى الإدارة الأميركية جاهدة إلى طرحه كمخرج من الحرب، يحقق بنظرها حلاً مشرّفاً للطرفين المتنازعين ويشكّل تحقيقه مدخلاً لا بد منه لإدخال السعودية في مسار تطبيع علاقات إسرائيل مع العالم العربي.
د) إن سياسة نتنياهو المتطرفة قد تؤدي إلى توسعة الحرب، مما ينعكس سلباً بالضرورة على حركة توريد النفط والغاز إلى العالم ويؤدي بالتالي إلى إرتفاع جنوني لسعر المحروقات، مما يؤدي إلى أوضاع كارثية للاقتصاد العالمي المعولم.
ه) إن سياسة نتنياهو تحرج موقف المملكة العربية السعودية ومعها جميع دول الخليج العربي، وتجعلها أقرب إلى نهج تعدد علاقاتها الدولية (الصين، روسيا، البريكس، تجمع شانغاي...)، في وقت تسعى الإدارة الأميركية إلى إعادة صياغة علاقاتها مع السعودية. كما أن هكذا سياسة تخفف من حدّة تناقض البلدان العربية مع إيران وأكثر ميلاً إلى مراعاتها.
2- تناقض مصلحة بايدن الإنتخابية مع سياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة:
أ) خسارة بايدن في عدد من الولايات المتأرجحة أصوات العرب والمسلمين، مما يؤشّر إلى خسارته هذه الولايات في الإنتخابات الرئاسية، وذلك بسبب دعمه لإسرائيل، علماً أن ميول هذه الفئة من الناخبين هي نحو الحزب الديمقراطي. لذا، يحاول بايدن التعويض عن هذه الخسارة بإتخاذ مواقفه المستجدة تجاه تطرف نتنياهو.
ب) يسعى بايدن إلى طرح التماهي مع حقوق الشعب الفلسطيني من خلال طرح حل الدولتين، مما يضعه في مواجهة الحكومة الإسرائيلية وجزء وازن من الرأي العام الإسرائيلي.
ج) يسعى بايدن، من خلال التمسّك بحل الدولتين أن يدفع المملكة العربية السعودية إلى تطبيع علاقتها مع إسرائيل، مما يعتبره إنجازاً تاريخياً يسجّل له في سياق الإنتخابات الرئاسية.
د) يسعى بايدن إلى إبراز موقف متعاطف مع شعب غزة على المستوى الإنساني.
ه) يسعى بايدن إلى إتمام صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل على قاعدة إنهاء الحرب في المرحلة الثالثة من الصفقة التي تنتهي بعد أربعة أشهر.
بالخلاصة، يرى نتنياهو نفسه وحيداً في حربه التي لم ولن يحقق هدفيها: إلغاء حماس وتحرير الرهائن بالقوة. وبات معزولاً على المستوى الدولي، ولم تعد السلطات في الدول الغربية الصديقة لإسرائيل، تتحمّل تداعيات مواقف الحكومة الإسرائيلية عليها، لا داخلياً ولا خارجياً. وليس بإستطاعته تكملة الحرب، حتى لو كانت مصلحته الشخصية تكمن في استمرارها، لأنه بات يصطدم بحائط المصالح الكبرى للدول، ولا سيما سند إسرائيل الأول، أي الولايات المتحدة الأميركية. وإن عاند، فمصيره أسود.
لذا، يتوجب علينا في لبنان أن نتحضّر لإستيعاب تداعيات هذه الخاتمة لهذه الحرب المجنونة والنظر إلى ما يمكن فعله، ليس على المستوى التكتي والحدثي، إنما على المستوى الإستراتيجي بهدف خلاص لبنان كياناً ودولةً وإستقلالاً وسيادةً وتحريراً من الإحتلال الإيراني وخلاصاً من الطبقة السياسية المارقة القاتلة الفاسدة.