بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2019 12:00ص الأمر لي

حجم الخط
مَن لا يزال من اللبنانيين يعتقد بأن عنده شيئاً من الأمل في ان يتوصل أرباب السلطة إلى اتفاق الحد الأدنى على تشكيل حكومة وحدة وطنية بالمعنى الذي يريده الرئيس المكلف، يكون لا يقرأ جيداً ما يجري على الساحة الداخلية، لا سيما في الأيام القليلة الماضية من مظاهر وتحركات لبعض القوى، حرصت من خلالها على التأكيد بأن الأمر لها، أي انها هي التي تمسك بالقرار السياسي في البلاد ولا ترضى بأي شكل من الاشكال ان يشاركها أحد فيه من أعلى مسؤول في الدولة إلى أصغر مسؤول، وعلى الآخرين ان يختاروا بين القبول بما يريدونه ويرضي اسيادهم في الخارج حتى تعود عجلة الدولة إلى التحرّك، وبين الفوضى التي تنكأ جراح الماضي، وتعيد البلد إلى أجواء الحرب الأهلية التي أعادت لبنان بكل مقوماته عشرات السنين إلى الوراء، وما زال حتى الآن يدفع أثمانها من اقتصاده المتهاوي، ومن اللااستقرار، واللامستقبل أو مستقبل مقفلة امامه كل المنافذ.
ولم يعد مستغرباً أن تشهد البلاد هذا الجمود على مستوى تأليف حكومة الاتحاد الوطني التي اعترف الجميع في بادئ الأمر بضرورتها لدرء الاخطار المحدقة، وتحصين البلد من كل تداعياتها وارتداداتها ربما لأن هناك اموراً في الخارج، قد تبدّلت وهذا الاحتمال صحيح إلى حدّ بعيد، بدليل الحملات التي شنّها البعض على السلطة لأنها على حدّ زعمهم لم توجه الدعوة إلى رئيس النظام السوري للاشتراك في القمة الاقتصادية التنموية التي وافق لبنان على استضافتها على أرضه، ناهيك عن الاسلوب الذي اعتمده الفريق المستقوي بالسلاح ضد اشتراك ليبيا الدولة العضو في جامعة الدول العربية والذي فاق أي تُصوّر وأدى في نهاية المطاف إلى اعتذار الحكومة الليبية عن المشاركة والاتجاه القوى لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان.
ان هذا الاسلوب الذي لجأ إليه هؤلاء لم يقصد به الدولة الليبية بقدر ما أراد من ورائه افهام الدول العربية كلها بأنه هو صاحب القرار في لبنان وليس الدولة الشرعية العضو في جامعة الدول العربية، وهذا الموقف ينعكس بطبيعة الحال على عملية تأليف الحكومة التي يريدها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ان تجسّد الوحدة الوطنية فعلاً لا قولاً وتعيد الأمل المعقود إلى نفوس كل اللبنانيين بإعادة وضع لبنان على الخريطة الدولية وتأكيد انتمائه إلى عروبته الأصيلة وإلى المنظومة العربية التي يشكلها هذا الانتماء، ويحول دون قيام هذه الحكومة بحيث يبقى الوضع على حاله وتبقى البلاد مشلولة إلى أبد الآبدين على حدّ التعبير الذي استخدمه اصحاب القوة الفائقة.
وما الجمود الذي يشهده اللبنانيون على صعيد عملية تأليف الحكومة، سوى انعكاس لهذا الوضع ومن يراهن على غير ذلك، ويفكر بإمكان الفصل بين أمرين ستثبت الأيام والأشهر المقبلة انه كان على وهم، وان الأمور أكثر تعقيداً وأكبر من قدرة اللبنانيين المؤمنين بالوطن على التغلب عليها.