أسعدتني قراءة تصريح صاحب السماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أوّل من أمس والقائل فيها:
«أطالب أصحاب المطالب والحصص بالتنازل عن انانيتهم والتعاون مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لإنجاز التركيبة الوزارية».
من المعلوم ان اللبناني بصورة عامة مصاب بمرض «الأنا»، الا انه من المستغرب والمسيء للدولة وسمعتها ان لا يتخلّى مسؤولون يمثلون الشعب عن انانيتهم المكشوفة والفاضحة عندما يطالب أحدهم بالتوزير لنفسه مع اصراره أحياناً علي حقيبة معينة. وهذا ليس حديث العهد وإنما يعود إلى مطلع الاستقلال.
بالطبع ان هذه الممارسة لا تصدر عن رجال نفوسهم كبيرة، وإنما عن نفوس صغيرة. أن تأليف الحكومة يخضع لاعتبارات سياسية محلية وإقليمية، وأنا اقترح على الرئيس المكلف ان لا يُشكّل حكومة الا من أعضاء متجانسين فكراً ورؤية، وان لا يطيل عملية التأليف لأن الاطالة تضعف من امكانياته ولا ينظر إليها من الخارج بإستحسان، خصوصاً في غياب المعارضة البرلمانية.
انا افهم المطالبة بحكومة جامعة في حالة أزمة سياسية داخلية ولكني لا افهم ان تكون المطالبة بحكومة وطنية جامعة تضم مختلف الأطراف الحزبية والكتل كلَازِمة دائمة عند تأليف الحكومات.
أي لبنان هذا الذي يحتضننا وقد كتب له ان يعيش فترات استقرار متقطعة؟ إلى متى ننتظر ان يأتينا رجل كديغول فرنسا يُدخل في نظامنا الإصلاحات الدستورية والقانونية التي يقتضيها الوضع العام لتتمكن سفينة الحكم من الدخول بسلام المرفأ المقصود.
اي استقرار وعيش هادئ ومستقبل واعد للبنان دون مبادئ واضحة ولازمة وسياسة هادفة كالنأي بالنفس والطلب بإقرار خطة دفاعية كما طالب بهما اللقاء الوطني برئاسة الرئيس السابق العماد ميشال سليمان.
كلمة أخيرة أخصُّ بها دولة الرئيس المكلف تأليف الحكومة الشيخ سعد رفيق الحريري بكل محبة واحترام وهي إنك تعلم جيداً الوضع السياسي الداخلي، مداخله ومخارجه، وتعلم من هي القوى التي تمثل فعلياً الشعب اللبناني. المماطلة ليست من مصلحة الدولة وأبنائها، فأقدم، نعم اقدم على تأليف حكومة، من المجلس أو من خارجه أو من الاثنين معاً تكون على مستوى طموح اللبنانيين وآمالهم فتتصدى للأزمات الحالية والمرتقبة ولا سيما الاقتصادية منها.
لقد إنقضى ذلك الزمن الذي شهد تدفقات مالية كبيرة من دول كالعراق والخليج مع فورة الأسعار النفطية، ولم يعد لنا الا التدفقات التي تأتينا من تحويلات اللبنانيين، المغتربين منهم أو العاملين في الخارج وقد نقصت بفعل أو تقلصت بفعل الأوضاع الاقتصادية في دول الاغتراب.
المطلوب من مختلف القوى السياسية الفاعلة على الأرض ان تعي ازمتنا الاقتصادية الراهنة وان توحّد جهودهم للعمل معاً في كيفية إنقاذ بلدهم وانه لا بد من وحدة تجمعهم إذ لا شيء امامهم سوى إنقاذ بلدهم وذواتهم. وشرط نجاح هذه المهمة هو ان يتخلّى كل منهم عن «الأنا» كل منهم والتوجه إلى اعتماد «لبنان الأنا» وحده.
إن في هذا التوجه أملاً في إمكانية إنقاذ بلدهم.
اللهم لطفك ببلدنا.
* نائب ووزير سابق.