بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الأول 2022 12:00ص الإحباط المسيحي اليوم: الخطر على الكيان

حجم الخط

مع كل استحقاق جديد يتعلق بقرارات كبرى تخصّ المسيحيين في لبنان، يعود الحديث عن مرحلة جديدة من الإحباط المسيحي.

هو حديث يسري اليوم مع تهميش القيادات المسيحية الكبرى في عملية عقد جلسة مجلس الوزراء وقبلها ما يتردد دوماً عن فرض رئيس مسيحي من خارج رأي الغالبية الشعبية المسيحية.

ليس غريباً ذلك عن هذه البيئة التي اختبرت هذا الإحباط طويلاً لا سيما مع وضع الحرب اللبنانية لأوزارها واستتباب السلم الأهلي تحت عنوان "الجمهورية الثالثة" وصولاً الى ما اعتُبر، أو هكذا كانت الرغبة لدى تلك البيئة، بداية نهضة مسيحية ثَبُت أنها وهمية.

لم يكن عقد جلسة الحكومة سوى مثالاً عن عدم قدرة القوى الممثلة للمسيحيين في الحكم على التأثير في القرار حتى وإن كان بعضها غير مشارك أصلاً في الحكومة: "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" وحزب "الكتائب" ومعهم حلفاء ونواب ممثلين لشرائح أخرى جلّها معارض للمنظومة الحاكمة التي ما زالت هي نفسها تقريباً، مهما تم إنكار ذلك، صاحبة القبضة على البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية.

في العام 2016، تفاءل المسيحيون عامة، الموارنة خاصة، مع اتفاق القوتين الكبريين بزعامة ميشال عون وسمير جعجع، على الحكم بكل ما يتضمنه من مغانم على رأسها رئاسة الجمهورية.

بالتأكيد لم يكن العماد عون ليصل لولا ضغط "حزب الله" وقبول زعيم المكون السني سعد الحريري، به، لكنه أيضا ما كان ليحصل لولا اتفاق الموارنة على حجز حصتهم في السلطة برمزها الأهم، رئاسة الجمهورية، مهما كان انتزاع الصلاحيات منها.

احتفل كثيرون حينها بحجز المسيحيين مقعداً رئيسياً في الخريطة السياسية اللبنانية، وطيّ مرحلة الإحباط وصياغة

نقطة تحوّل في تاريخهم الحديث هم يستأهلوها بالعودة إلى طبيعة الدور المسيحي في تأسيس الكيان اللبناني، والذي شكل شرطه العيش المشترك بين اللبنانيين تحت رعاية الكنيسة المارونية بزعامة البطريرك الياس الحويك.

لكن مع الوقت اتضح أن فجوة عميقة تفصل بين طبيعة الدور المسيحي في لبنان، وذلك الذي أفضت إليه حكايتهم مع هذا الكيان اليوم بعد أن تبيّن أن ما حصّله هؤلاء، إن كان ذلك في رئاسة الجمهورية أو في الحكومة أو في كل مكتسبات السلطة، لا يعدو كونه "حصّة في كراسي السلطة"، بينما قضيتهم تتجاوز ذلك بكثير ليكونوا أصحاب دور في مصيرهم كما مصير الكيان ليستقر السؤال على هذا: ما الفائدة من المناصب من دون نفوذ؟

هذه الخلاصة أحيت لدى شرائح متطرفة في هذه البيئة دعوات الانعتاق من الشراكة مع الطرف المسلم تحت عناوين تقسيمية متعددة لا همّ كونها تتلطى وراء اللامركزية أو الفدرالية أو غيرهما، لعلّ أكثرها اعتدالاً تلك التي تنتقد انتقال المسيحيين من لاعب رئيسي في عقود سابقة نحو مجرد لاعبين محليين في لعبة الاستقطاب المذهبي الداخلي والخارجي.

مع الشغور الرئاسي المتكرر ومضي حال السلطة في شكل طبيعي من دون الرئيس الماروني، سيكون طبيعياً عودة حديث الإحباط المسيحي الذي تكرس بعد الحرب وسط مقولة غالب ومغلوب.

لكن الإحباط اليوم سيكون مغايراً.

ففي الماضي كان المسيحيون خارجين من هزيمة عسكرية وسياسية وكانوا يعانون من التضييق في الزمن السوري في الوقت الذي كانت قياداتهم فيه إما في المهجر القسري وإما في السجون وإما في العزل الذاتي، بينما اختار البعض القليل السير مع موجة الحاكمين حينها..

لا يشبه اليوم الأمس، فمصير المسيحيين الذين ينزفون أكثر من غيرهم هجرة وعزلة، بات على المحك في الوقت الذي لم تعد القيادات تخشى المواجهة وأصبحت جريئة في المطالبة بالحقوق.. وفي هذه اللحظة السياسية الدقيقة جداً لم تعد كرسي السلطة تكفي ولم تعد تغني عن الدور المفقود.

ولذلك فهم لن يقبلوا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وسيواجهون تهميشهم سوية مهما كانت اختلافاتهم السياسية وتناقضاتهم التاريخية وصراعاتهم على السلطة التي كانت ديدنهم دوماً وشكلت السبب الرئيس وراء تلك الإخفاقات. فقد تناحروا بالانقلابات في الثمانينيات ثم أسقطوا الإتفاق الثلاثي العام 1986، والذي كان للمناسبة أفضل لهم من اتفاق الطائف، ثم فرّغوا في 1988 رئاسة الجمهورية للمرة الأولى في تاريخها، قبل الاقتتال الأكبر على الأرض والسلطة بين "القوات اللبنانية" والجيش اللبناني العام 1990.. وها هم اليوم أسقطوا "تفاهم معراب" الذي كان الأمل الوحيد بعودتهم إلى عهد ذهبي ولّى منذ زمن.

هم اليوم أمام التحدي المصيري، برعاية الكنيسة المارونية، في التفاهم على الحد الأدنى للتصدي لما يُحاك لهم واستعادة القدرة على فرض رئيس جمهورية تمثيلي لا يكون على شاكلة الذين تعاقبوا منذ الطائف حتى اليوم باستثناء العماد ميشال عون.

وأما التهميش فلن يعود سوى بالوبال على البلاد برمتها ولن ينعكس سوى توتراً قد ينتقل الى الشارع في أية لحظة بكل ما يستتبعه ذلك من نتائج على العلاقة بين الطوائف لا بل على الكيان نفسه وسط أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية للبنان في تاريخه تفتح الباب أمام كل الاحتمالات.