بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2022 12:00ص الإمارات ولبنان... رحلة ربع قرن

نصف قرن على إنشاء دولة وربع قرن على تدمير دولة

حجم الخط
بمناسبة العيد الـ 51 لدولة الإمارات العربية الزاهرة، نعيد نشر المقال الذي كتبه العميد الركن الدكتور هشام جابر في الصحف في 8-10-2015 عن المغفور له الشيخ زايد والدولة التي بناها ومقارنة مع دولة لبنان التي تفككت.
عام 1990 وتحديداً في شهر آذار (مارس)، كان لبنان قد وصل الى بوابة الخروج من حرب الخمسة عشر عاماً. عيّن العماد اميل لحود قائداً للجيش، واختار مقراً لقيادته في منطقة «سبينس» مقر أمن الدولة حالياً.
كنت في حينه قائداً للمركز العالي للرياضة العسكرية برتبة عقيد. تلقّت القيادة الجديدة للجيش بعد الطائف، دعوة ربما كانت الأولى للاشتراك بإفتتاح مباراة عسكرية رياضية، في دولة الإمارات العربية المتحدة، تشترك بها ستة عشر دولة عربية. وكلّفني حضرة العماد، برئاسة الوفد اللبناني الذي اقتصر على ثلاثة ضباط دون رياضيين، أو لاعبين، ولا من يحزنون أو يفرحون.
غادرنا بيروت مساء يوم داكن أغبر، من مطار حالته تبكي العدو قبل الصديق. فوضى، وقذارة، وكهرباء تنقطع ليبدأ مولد هزيل بأنوار خافتة، وجنود سوريون ولبنانيون وحقائب مكدّسة، لنصل الى مطار أبو ظبي حيث الأنوار ساطعة كالشمس، وبلاط يلمع كالمرايا، وتنظيم لافت، ولولا العقال والكوفية لأعتقدت انك في مطار شارل ديغول.
كانت الحفاوة بنا مميزة رغم اننا كنا أصغر الوفود عدداً، وكانت أول مرة تطأ قدماي أرض دولة الإمارات، الدولة الشابة ذات العشرين ربيعاً في حينه. وقضينا خمسة أيام في فندق «هوليدي إن» في أبو ظبي، قبل الانتقال الى مدينة العين حيث حفلة تخريج ضباط كلية زايد العسكرية، ولقاء مع رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله».
كان مدير عام الفندق، لبناني، شأن معظم الفنادق في أبو ظبي، وكانت مبادرته الأولى إستبدال الغرفة المخصصة لي بجناح رحب مع سلة ورد، وأخرى مليئة بالفاكهة. كما أكرمنا السفير الصديق زهير حمدان بعشاء أقامه في منزله دعا إليه أركان الجالية.
مدينة العين بُنيت في صحراء قاحلة وأصبحت خضراء وارفة. انتقلنا إليها ونزلنا في فندق «انتركونتيننتال» لأجد تكريماً مميّزاً كما في أبو ظبي. سألت عن المدير العام المستر Loranzo لأشكره بالإنكليزية، لأنني لا أجيد الإيطالية «فيجيبني مرحّباً» بلهجة بيروتية، ويقول انه لبناني ولد في رأس بيروت، من أب إيطالي الأصل.
عجايب!!.. ولم ينحصر الحضور اللبناني من خلال رجال الأعمال، ومدراء الفنادق، والشركات بل تعدّاه الى الموسيقى. فقد فوجئت بأن الموسيقى العسكرية التي سار عليها الضباط المتخرجون جاءت على نغم «بكتب اسمك يا بلادي» للفنان الصديق «جوزيف عازار» ومن تلحين الموسيقار الموهوب «إيلي شويري»، تبعتها «هرولة» القوات الخاصة على لحن نشيد «صف العسكر طالع يسهر فوق جبال»، من غناء وتلحين «إيلي شويري» أيضاً. شعرت بالفخر ولا سيما كان لي دور في رعاية وإنتاج، هذين النشيدين عندما كنت مسؤولاً عن الإعلام في قيادة الجيش.
تقدم رؤساء الوفود قبل الغذاء للسلام على رئيس الدولة. عندما تقدمت وعرّفت عن نفسي ومن أين أتيت. استوقفني بودٍّ مميّز وسأل عن لبنان، وأحوال لبنان وبيروت والناس... الخ. كما حرص «طيّب الله ثراه»، أن أجلس على مائدة الغذاء مواجهاً له وكان يحيط به حكام الإمارات حيث استكمل حديثه عن لبنان وفوجئ بحبور بأن الموسيقى العسكرية هي من تلحين موسيقار لبناني. وردد أكثر من مرة «زين لبنان زين».
ربع قرن مضى، ومضى الشيخ زايد الى رحاب الله وقد زرت خلالها هذه الدولة مراراً، وفي كل مرة أرى تقدّماً وتطوراً مذهلاً.
و«دبي» التي زرتها حينها، لم يكن عدد فنادقها يزيد إلا قليلاً على أصابع اليد، أما اليوم فلا عدّ ولا حصر. وتذكرت حكاية رواها لي المرحوم الشيخ حسن هرموش صاحب أول فندق في دبي في مطلع الستينات، وأقنع حاكمها المرحوم الشيخ راشد المكتوم، بإعطائه رخصة تقديم الكحول ولا سيما أن رواده من الأجانب. فقامت قيامة بعض الشيوخ وزاروا الحاكم فأجابهم مختصراً: من يبي (يبغي) منكم الجنة يروح الجامع، ومن «يبي» جهنم والنار يروح هرموش...
الإمارات متحدة في دولة ناهضة، مسرعة في النمو. إنما لكل إمارة خصوصيتها. ودبي التي لا تملك النفط، امتلكت الإرادة. وبها خليط من شعوب الأرض. وقد أخبرني الصديق الوزير محمد القرقاوي الذي تولى لسنوات شركة دبي القابضة التي تملك عشرات الشركات، كيف بنى مدينة دبي للإعلام دون دفع درهم واحد. فقط فكرة وتوجيهات الحاكم محمد بن راشد، وأرض قدمتها الإمارة وخرائط أعدّها خبراء. مصارف تزاحمت لتقديم التمويل وأكثر من 120 مؤسسة إعلامية اشترت على الخريطة.
ربع قرن مضى على الزيارة الأولى وربع قرن مضى على إتفاق الطائف، وإعادة بناء الدولة في لبنان. فأين أمست الإمارات وأين أصبح لبنان؟
فقط عادت الأنوار تلمع في مطار بيروت، كما يلمع الذهب في جيوب المستفيدين من خيراته. وعاد وسط المدينة إنما بشكل لا يشبهه وبلباس لا نألفه. ورزحت الدولة تحت ديون تفوق الـ 75 مليار دولار لقاء بعض الجسور، والأنفاق، وكهرباء لا وجود لها، وبنى تحتية بدأت تتآكل.
هنالك أمراء تكاتفوا وتضامنوا على إنتاج الكعك الذي يأكله الجميع ويكفي الدولة والمواطن والمقيم والزائر. وهنا أمراء اتفقوا على تقاسم الكعك حتى قبل أن ينضج. فهم وأولادهم وحاشيتهم وأتباعهم، أولى به من الدولة والشعب معاً. ويسألون بغباء أو استغباء: لماذا هذا الحراك؟ ويسأل أحد «فروعهم» على طريقة ماري انطوانيت «لا يوجد خبز؟ كـلوا بسكوت!».
طمع لا حدود له ينطبق عليهم قول النبي #: «لا يملأ جوف ابن آدم، إلا التراب، ويتوب الله على من تاب». فهل يتوبون؟ لا أعتقد... لأن الفساد استشرى في العقل والجسد، وغاب الضمير.
وأخيراً وليس آخراً، اعتذر إذا انتقلنا من حكاية نجاح الى حكاية فشل، ومن أمل الى يأس، ومن روضة الى هاوية نفايات سياسية. وأحد الأسباب أن «المعهد العالي للفساد والإفساد»، الذي افتتح في لبنان منذ حوالي ربع قرن، تخرّج منه الكثيرون من ولاة الأمر بعلامات مميزّة.
وإزالة الفساد كـ«شطف» الدرج، يبدأ من الأعلى الى الأسفل.
وكما تعوّدت أن لا أنهي هذه الصفحة، الاستراحة، بالباطل والخبر العاطل. قال لي رفيقي اثناء تجمع الحراك: أهذه بيروت؟ انها لا تشبهها بشيء... تذكرت انه عندما أزيح الستار عن تمثال الرئيس بشارة الخوري في مطلع السبعينات قال ابنه الشيخ ميشال: هذا بيِّي؟ ما بيشبه بيِّي. فأجابه الرئيس الراحل سليمان فرنجية:بسيطة بكرا بتتعوّد عليه. وقد طمأنت السائل المخضرم في تجمع الحراك بجواب مماثل.
وللبحث صلة.