بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الأول 2019 12:24ص الإنتفاضة مستمرة

حجم الخط
إن الموضوع الأساسي الذي يشغل الانتفاضة الشعبية المباركة منذ أنطلاقتها في 17 ت1 هو التعبير عن وجع اللبنانيين المزمن جراء الممارسات الظالمة التي احترفتها السلطة الحاكمة... تلك الممارسات التي نالت من كرامة اللبنانيين وهدرت أموالهم وحشرت معظمهم في خانة الفقر والجوع والمهانة، بعد أن أطلقت يد المليشيات والاحتكار والتخلف في نهب مؤسسات الدولة وإداراتها وأشاعت فكرة التبعية والاستزلام بين مؤيديها. ولمقاومة هذه الحالة المزرية التي وصلت اليها البلاد وأبناؤها إجترح اللبنانيون إنتفاضة فريدة من نوعها هزت منظومة الفساد فلفتت أنظار العالم وحركت لبنان الاغتراب الذي يتوق، كما لبنان المقيمين، إلى وطن متحرر من الطائفية السياسية المتخلفة والجماعات الاحتكارية الظالمة.

ولما كانت الانتفاضة السلمية قد نجحت في التسامي على كل أنواع العصبيات المريضة التي تتوسلها السلطة الحاكمة لإدامة أستغلالها وجورها فقد كان من الطبيعي أن تتعرض هذه الانتفاضة إلى ضغط مفتعل من هنا وتشويه متعمد من هناك بغية حرفها عن خطها المستقيم المتجه الى مقاومة الظلم والهدر والفساد وإقامة نظام ديمقراطي عصري عادل. ولم يكن مستغرباً في هذا السياق أن تعمد أطراف في الطبقة الحاكمة كما بعض السفارات إلى المس بسلامة الانتفاضة وانتهاك استقلاليتها والعمل على تشتيتها وإطلاق النعرات من حولها عبر شعارات إستفزازية يتكفل بطرحها وصوليون وانتهازيون ينشطون «غب الطلب» لتوفير الذرائع لكل من يبتغي التراجع عن مواقفه، ولكل من يتربص شراً بالحركة الشعبية التي تجرأت على تحدي الحاكم وإحراجه.

لكن الانتفاضة التي ولدت من رحم المعاناة واشتد عودها على طريق النضال تسعى الان جاهدة لتفادي الوقوع في الشرك والرد على تلك المحاولات الخبيثة بمزيد من العمل الايجابي كانت ذروته مبادرة سيدات الانتفاضة في عين الرمانة والاشرفية إلى التواصل والتفاعل مع أهالي الشياح وخندق الغميق مما بدد الأجواء السامة وأشاع جواً وطنياً عارماً لم تكدره، بعد ذلك، سوى حادثة فردان وما تلاها من أعتداءات، بما فيها أقتحام قصر العدل، وكلها تجاوزات قوبلت باستنكار مختلف الأوساط اللبنانية التي هالها التعدي على قضاة وفتيات وفتيان مسالمين.

وإذ تستمر الانتفاضة في تحمل مسؤولياتها بوجه الفساد والمماطلة والاحتيال فقد أصبحت أشد تصميماً على متابعة الطريق الشاق مدركة أكثر من أي وقت مضى حجم المعركة التاريخية التي تقودها في سبيل التغيير والإصلاح بالتزامن مع أنقاذ الدولة من مستغليها والمسيطرين على مواردها وخيراتها.

أما العبرة الأهم التي خرجت بها الانتفاضة من خلال اصطدامها بجماعات التسلط والفساد فتتلخص بكشف المتواطئين والمزايدين الذين لا يختلفون موقفاً ونهجاً عن كل من فرّط بحقوق البلاد وهدر أموالها ورفض تقوية الجيش وتحامل على المقاومة وتخلف عن نصرة بلاده في وجه الصهيونية والاستعمار والارهاب.

لكن صمود الانتفاضة لا يعفيها من مراجعة جادة وموضوعية ترسخ هذا الصمود وتجعلها مرة أخرى على طريق الانتاج والإنجاز. ولعل الوقت قد حان للمصارحة ولا سيما فيما يعود إلى بعض الشعارات والممارسات التي تحتاج إلى تعديل أو تطوير لتفادي أي نزعات شمولية او فوضوية يمكن ان تتسرب الى ثنايا الأنتفاضة تحت ستار الثورية او الجذرية. صحيح ان الطريق طويل ومؤلم قبل إسقاط المنظومة الفاسدة، ولكن كل المواقف القمعية والتصرفات الفوقية لهذه المنظومة تشير إلى أن لا بديل من هذه الانتفاضة لتحقيق أماني الشعب اللبناني.



* نائب ووزير سابق