بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2019 12:01ص الامرة لي

حجم الخط
ما تخوّف منه البعض، وما حذّر منه البعض الآخر من إصرار رئيس الجمهورية وحزبه على الحصول على «الثلث المعطل» أو «الضامن» في حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، كشفت عنه أول جلسة عقدها مجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي الذي يمثل السلطة التشريعية في البلاد.
ففي هذه الجلسة تصرّف رئيس الجمهورية عندما طرح فريق سياسي داخل الحكومة موضوع العلاقات مع سوريا في ضوء الخطوة التي اقدم عليها وزير الدولة لشؤون المهجرين صالح الغريب بزيارة العاصمة السورية بناء لدعوة رسمية للتباحث مع السلطات المعنية هناك في موضوع النازحين السوريين في لبنان وعودتهم إلى سوريا، نقول تصرف رئيس الجمهورية على قاعدة، إن الأمر لي، أي انه هو الآمر الناهي في مجلس الوزراء، وهو الذي يُقرّر سياسة الحكومة الداخلية والخارجية ولا أحد سواه، قافزاً بذلك فوق اتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني والدستور اللذين أناطا بالحكومة وحدها دون سواها مسؤولية رسم سياسة الحكومة، ووضع خطة عملها من دون أن يكون لرئيس الجمهورية الذي حصر اتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني صلاحياته بترؤس جلسة مجلس الوزراء عندما يحضر من دون أن يكون له الحق في المشاركة بالتصويت على المقررات التي تصدر عن تلك الجلسة، وهذا معناه أن دور رئيس الجمهورية محصور بترؤسه الجلسة الوزارية من دون التدخل في أعمال السلطة الإجرائية وسياستها من دون أن يملك أية صلاحية أخرى كأن يتدخل في سير مناقشات مجلس الوزراء أو أن يفرض إرادته وآراءه عليه كما حصل في أول جلسة عقدتها حكومة «إلى العمل» المنبثقة عن تآلف نيابي واسع ضم معظم مكونات المجلس النيابي، وهذا بحد ذاته يُشكّل افتئاتاً على صلاحيات الحكومة، وعلى اتفاق الطائف وإدخال البلاد مجدداً في أزمة سياسية مفتوحة على جميع الاحتمالات بما في ذلك العودة إلى لغة الانقسام العامودي الذي يستولد الفتنة الطائفية.
لقد عاش لبنان تجربة حرب طويلة قضت على البشر والحجر نتيجة تلك السياسة التي كانت معتمدة قبل التوصّل الى اتفاق الطائف ولم تتوقف إلا بعد التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية، وزّع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث بشكل شعر فيه كل فريق بأنه لم ينهزم من دون أن يشعر أحدهم بأنه انتصر على الآخر، وقد ترجمته وثيقة الوفاق الوطني والدستور الذي أقره المجلس النيابي بالإجماع، وتعهد الجميع بالحفاظ على هذا الاتفاق وعدم تجاوزه أو القفز فوقه، لأنه يُشكّل الضمانة الوحيدة للاستقرار السياسي وعدم العودة إلى الحرب الأهلية تحت عنوان الحرمان أو عدم المشاركة في السلطة وغيرها من العناوين التي طرحت قبل اندلاع تلك الحرب اللعينة.
وإذا كان رئيس الحكومة امتعض من رئيس الجمهورية من دون أن يعلق عليه، وقد بدا هذا الامتعاض عليه كما ظهر في كل وسائل الإعلام، فإن ما حصل في مجلس الوزراء يجب أن لا يتكرر وإلا فإن البلد ذاهب نحو المجهول.