بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 كانون الثاني 2020 06:30ص البلد بـ قضاته

حجم الخط
معظم الأطراف السياسية تطالب بأستقلالية السلطة القضائية وتتبارى فيما بينها لتبيان أهمية هذه الخطوة الأصلاحية التي لا بد منها لتصحيح الخلل في بنية الدولة وتحقيق التوازن والتكامل بين سلطاتها الدستورية. إلا أنه مع ازدياد الكلام حول هذا الأمر الخطير الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر للبدء في عملية مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة يشهد الرأي العام ظواهر متعددة لا بد من معالجتها والتصدي لها في زمن الأنتفاضة .

أولاً: تراكم ملفات الفساد في الادراج واسقاط مبدأ المساءلة في الجمهورية مما أدخل اليأس إلى قلوب الناس وجعلهم ييأسون من أمكانية الاصلاح والتصدي للفساد الذي نخر جسم الدولة وهدر أموالها وزرع قيم الأنحطاط والتبعية في المجتمع. وكثيرا ما يتندر الناس في جلساتهم بالملفات التي علاها الغبار رغم تحذيرات الأقلام الحرة ورغم الدعوات الصريحة التي وجهها رئيس الجمهورية لاستكمال التحقيقات في هذه الملفات وإصدار الاحكام بشأنها.

الثانية: استمرار التأخير والمماطلة في بت قضايا عالقة أمام القضاء منذ عشرات السنين - وبعضها منذ أكثر من نصف قرن – رغم تلهف اصحابها لصدور أحكام بشأنها لتحديد الأضرار البالغة التي لحقت وتلحق بهم جراء هذا التأخير.

ثالثا: ازدياد تدخل السياسيين في الشأن القضائي وأزدياد عملهم المكشوف لحماية المخالفين وقد وصلت هذه الأعمال ذروتها في أقتحام قصور العدل والتهجم على القضاة، كما في ممارسة ضغط على قضاة بارزين من قبل مراجع حكومية لحفظ ملفات ساخنة جداً كان يريد الجمهور معالجتها لإعادة أموال الاسكان، وسواها من الأموال المنهوبة، التي فتك بها نافذون ومتمولون.

رابعاَ: اكتظاظ السجون بأعداد كبيرة من الموقوفين الذين لم يخضعوا للمحاكمة بعد رغم مرور سنين على توقيفهم، ورغم تجاوز أعدادهم أعداد المحكومين، مما أدى إلى إكتظاظ السجون وتحويلها إلى بؤر احتقان وفساد وتمرد. هذا مع العلم بأن وزارة العدلية بموجب القوانين هي المعنية الأولى بالسجون وليس وزارة الداخلية التي تتولى المسؤولة اليوم.

إن الواقع الأليم المتردي الذي لم يعد بالإمكان إصلاحه على يد الذين أستنزفوه واستهلكوه يجب ان يكون اليوم – وريثما تعود الاحزاب والقوى السياسية إلى نفسها - بعهدة قضاة لبنان الذين أقسموا اليمين للحفاظ على العدالة وصون حقوق اللبنانيين. هم مسؤولون اليوم عن اعادة الأعتبار للمواطن والدولة والعدالة بعد أن هدرت قوى الفساد كرامة الجميع واستباحت حقوق الجميع.

القضاة وحدهم يستطيعون رفع ميزان العدالة فوق الجميع. وحدهم يستطيعون الجلوس تحت قوس المحاكم المقامة باسم الشعب اللبناني لمحاكمة الذين اعتدوا على المواطن اللبناني والمال اللبناني. ومجرد ما يبادرون ويضربون بسيف الحق مرة ومتنى وثلاث حتى يستوى الميزان ويتراكض لصوص الهيكل لطلب الصفح وإعادة ما للدولة للدولة، وما للخزينة للخزينة، وما للناس للناس.

وعندما يوقن الناس أن العدالة بالمرصاد لكل هدر وفساد ولكل جريمة مصرفية أو مالية أو عقارية، يشرق الأمل مرة أخرى في نفوسهم بعد ان تبدد او كاد على يد تجار الهيكل ولصوصه. 

إن الأنتفاضة المباركة التي قادها الشعب اللبناني لن تكتمل وتشرق إلا بمبادرة القضاة اللبنانيين الشرفاء لممارسة مهامهم، بحسب القانون والقسم، دونما اعتبار لتدخلات الذين عاثوا في الارض فساداَ.

وللذكرى روما لا تنسى أن مجموعة القضاة ذوي الأيدي البيضاء هم الذين خلصوا ايطاليا من حكم المافيا والعصابات.