بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيلول 2018 12:04ص التعقّل واجب لتيسير التشكيل الحكومي وفق قاعدة واضحة وتساوٍ غير مشروط

«رئيس الجمهورية لن يكون مَلِكاً بلا عرش منفيا في قصره لكنه لا يقضم من آخرين»

حجم الخط

هناك قناعة رئاسية بأن ثمة من لم يمل من مشروع إسقاط الصيغة التي احتضنت  رئاسة عون

لم يصر مفهوما بعد مسبب إنطلاق الحملة الشرسة على رئيس الجمهورية، على خلفية تقيّده بالنص الدستوري الذي يكفل له ما تبقى من نُذر الصلاحيات في مسألة التشكيل الحكومي. تستعيد هذه الحملة، بكل أسى، وبالألسن السياسية – الدعائية نفسها التي كانت قيّمة على الفترة المظلمة وغير المُحبب أو المجدي استذكارها في العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، الفترة ما قبل اجتماع روما في كانون الثاني 2014، ومن ثم التفاهم الرئاسي الذي أنتج التسوية القائمة.
كما لم يصر مفهوما بعد الشطط السياسي – الإعلامي الذي يبادر اليه بعض الحرس القديم في تفسير عشوائي للدستور والصلاحيات وإتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني، حدّا دفع البعض، على سبيل المثال، الى إسقاط  مهلة الـ15 يوما المقيّدة لرئيس الجمهورية (في إصدار أي مرسوم أو رده تحت طائلة نفاذه بلا توقيع رئاسي مع إنقضاء هذه المهلة)، على مسألة تشكيل الحكومة، أو حتى جعل الرئيس (المتغنّى به إسلاميا، لبنانيا وعربيا، على أنه المسيحي – الماروني الوحيد في هذا الشرق العتم!) صندوق بريد أو ملكا بلا عرش منفي في قصره، في خدمة باقي السلطات، أو حتى مصدر شكوى في بكركي والحاضرة الرسولية!
هل هكذا يُراد أن يكون الرئيس؟ على شاكلة قزم أو مسخ؟!
مردّ مجموعة الهواجس هذه، غياب أي وازع منطقي - دستوري لدى بعض المشاركين في الحملة على رئاسة الجمهورية، باستثناء ترداد عبارتي الطائف والدستور، مع إغفال حق الرئيس في التوقيع الأخير على مرسوم تشكيل الحكومة، والذي من شأنه وحده أن يكون هو معيار اي معايير!
من دون هذا القلم، لا حكومة. 
وحده التكيّف مع هذه الحقيقة كفيل بالخروج من المأزق الذي زُجّ به من لم يكن يُتوقّع أن يقع فيه، ولا تفيده جبهة مجازية تنصّبت لتكون حاميا بالاستعارة.
ثمة قناعة جازمة، رئاسيا، بأن ثمة من لم يملّ من مشروع إسقاط الصيغة التي إحتضنت ولادة العهد، وأن مهمة هؤلاء تقييد رئيس الحكومة المكلّف تحت شعار الصلاحيات والطائف والمكتسبات، عبر تحويل الخلاف السياسي في مسألة تشكيل الحكومة خلافا طائفيا مارونيا – سنيا، يُصوّر فيه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على أنهما يقضمان ما ليس لهما ويضعان اليد على مكسب سنيّ حُصّل إثر حرب ضروس. 
تناسى هؤلاء، على ما يبدو، أن جوهر الطائف يكمن في أنه نقل الصلاحيات من مؤسسة الرئاسة الى مؤسسة مجلس الوزراء، وأن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر هما من سارعا، دون غيرهما وقبل كثيرين من حلفاء اللحظة والفرصة والمكسب، الى نجدة رئيس الحكومة في محنته، و«حرّضا» العالم، بقديمه وجديده، إنقاذا لمن اعتبره ميشال عون (ولا يزال) إبنا عزيزا كريما شريفا، وشريكا في السراء والضراء. 
وتناسى هؤلاء أن نقل المعركة، بصرف النظر عن احقيتها من عدمها، من سياقها القانوني – الدستوري الى سياق خلافي سياسي – طائفي، يفقدها أي مشروعية وطنية. ولا يفوت أحد أن النظام اللبناني المعتلّ اعتاد أن يجد مخارج ذاتية عند احتدام الخلاف في أي قضية رئيسية – كيانية - مصيرية، وهذه المخارج تتّسم في أحيان كثيرة بطبائع عنفية - دراماتيكية!
المطلوب راهنا عدم الإكثار في إقلاق الجمهور والقاعدة، تماما كما التخلي عن منطق رفع سقف الخطاب بغية إستيعاب الشارع، فالعودة الى الهدوء والتعقّل وتبريد ما حمي، للانصراف الى حل منطقي وعادل يخرج التشكيل الحكومي من المأزق الذي زُجّ فيه، وفق قاعدة واضحة وتساوٍ غير مشروط.