بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 آب 2018 12:44ص التفاهم على تشكيلة حكومية متوازنة أقصر الطرق لتسريع ولادة الحكومة العتيدة

البدع والهرطقات لم تنفع في تراجع الرئيس المكلّف عن تشكيل حكومة وفاق وطني

حجم الخط

دعوة باسيل باستعمال الشارع قد تنقلب على الجميع وتسبّب إهتزازاً بالإستقرار الأمني  في البلد كلّه..

منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة وسلسلة من الشروط والمطالب تطوق عملية التأليف، بعضها محق إلى حدود معينة، وبعضها الآخر تلفّه شهوة الاستئثار والهيمنة على التركيبة الحكومية المرتقبة للتحكم بقراراتها وسلطتها خلافاً للاوزان السياسية القائمة ولغايات واهداف تصب كلها في تقدّم المتسابقين إلى انتخابات الرئاسة المقبلة، كما أعلن ذلك صراحة في الصحف ووسائل الإعلام من قبل أكثر من مسؤول بارز بهذا الخصوص، في حين لم تنفع كل التبريرات اللاحقة والتوضيحات الصادرة لدحض هذه الاخبار أو تكذيبها بعد ان أصبحت حديث الوسط السياسي برمته ولم تعد خافية على أحد.
وردّاً على رفض الرئيس المكلف الانصياع لرغبة الاستئثار بالحصة الأكبر التي يطالب بها «التيار العوني» بموافقة ضمنية من رئيس الجمهورية، بدأت تتوالى سلسلة من البدع والهرطقات التي تبثها أوساط من هنا تارة أو زوّار قصر بعبدا من هناك تارة أخرى وغيرها ويسوق بعضها رموز من أدوات النظام السوري وابواقه تحت عناوين وآراء واستنتاجات «دستورية» وكلها تصب في خانة ممارسة الضغوط السياسية على الرئيس المكلف للاستجابة لمطالب التشكيلة التي تطغى عليها سمة الاستئثار العوني على حساب باقي الأطراف السياسية الوازنة بالتركيبة السياسية ككل.
والبداية، كانت بالتهويل بما سمي يومئذٍ بسحب التكليف المعطى للرئيس المكلف تشكيل الحكومة، وارفقت بسيل من المواقف ووجهات النظر والاستنتاجات الحليفة التي تؤيد هذا التوجه وتمنح رئيس الجمهورية «الحق» السياسي باعتماد هذا التوجه في حال استمر الرئيس المكلف بسياساته ومواقفه المتجاهلة لمطالب الاستئثار والهيمنة على قرارات الحكومة المرتقبة واصراره على تأليف حكومة وفاق وطني كما أعلن ذلك أكثر من مرّة.
ولما ذهبت هذه الدعوات والمواقف الداعية لاعتماد خيار سحب التكليف ادراج الرياح وبلا أي تأثير سياسي أو معنوي لافتقارها إلى أي نص دستوري بهذا الخصوص ولاعتراض ورفض الأطراف السياسيين هذا الطرح اصلاً، ذهب رئيس «التيار العوني» الوزير جبران باسيل إلى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي متجاوزاً كل الخلافات والحساسيات السياسية التي غلفت علاقته معه وبرفقته نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي مسوّق البدع والهرطقات لتسويق حكومة الأكثرية بعدما فشلت كل ضغوطات تأليف حكومة على قياس التيار العوني، على ان يستثنى منها كل من يعترض أو يرفض الانصياع لرغبات التيار بالحصص والحقائب كـ«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتركي وتيار «المردة».
وكما نقل أحد الحاضرين لهذا الطرح، فقد رفض الرئيس برّي مناقشة هذا الطرح منذ البداية واغلق النقاش عند هذا الحد. 
الا ان محاولات «التيار العوني» لم تتوقف عند هذا الحد إلى ان خرج رئيسه الوزير جبران باسيل بعد أحد اجتماعات التكتل بنظرية الدعوة إلى تظاهرات شعبية هذه المرة لفرض شروط تأليف الحكومة تحت ضغط الشارع، كما أعلن ذلك صراحة. ولكن دعوته هذه اجهضت في مهدها بعد ان تبلغ من أكثر من طرف سياسي حليف ومعارض بأن لغة الشارع لن تكون سلاحاً محصوراً بيده لممارسة الضغوط على الرئيس المكلف، لأن لكل طرف شارعه أيضاً وبإمكانه استعماله واللجوء إليه متى دعت الحاجة لذلك، والاهم من كل ذلك ان لعبة الشارع قد تنقلب على الجميع وتسبب اهتزازاً بالاستقرار الأمني في البلد كلّه وهو خيار غير مرغوب فيه ولن يؤدي إلى النتائج المرجوة وإنما سينقلب سلباً وضرراً على الجميع دون طائل.
وهكذا بعد سقوط هذين الطرحين، خرج البعض بضرورة تحديد مهلة محددة للرئيس المكلف لتقديم تشكيلته الحكومية وحدد موعداً قاطعاً هو الأوّل من شهر أيلول المقبل، معللاً هذا الموقف بجملة من التبريرات التي تبدأ من استياء الرئاسة الأولى من تأخير عملية التأليف وتنتهي بأنه لا يجوز الانتظار أكثر وغير ذلك من المواقف المحتجة إلى ان وصل الأمر أخيراً بالترويج لفكرة قيام رئيس الجمهورية بمخاطبة المجلس النيابي والتحدث علناً عمّا يعيق عملية تشكيل الحكومة ومسؤولية الرئيس المكلف بهذا الخصوص.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تتطلب استحضار مكشوف لضرورة استئناف العلاقات اللبنانية - السورية على أعلى المستويات والزام الرئيس المكلف الانصياع إلى هذه الرغبة كشرط جديد لتسهيل عملية التأليف وفي الخلاصة، كانت النتيجة حتى الآن ان كل هذه الأساليب والسيناريوهات التي تتستر في معظمها باستنتاجات واراء قانونية لا وجود لها في النصوص الدستورية وليست من صلاحيات رئيس الجمهورية، لا من قريب أو بعيد واللجوء إليها للتهويل والضغط، لم يصل إلى تحقيق هدف تشكيل حكومة غير متوازنة وإنما ابقى الأمور تراوح مكانها، لأن الرئيس المكلف الذي أخذ على نفسه تشكيل حكومة وفاق وطني متوازنة تستطيع القيام بالمهمات الجسام المطلوب منها، لن ينصاع لمثل هذه «البهلوانيات» السياسية التي لا تقدّم ولا تؤخّر، والأفضل اعتماد التوافق ضمن التوازنات السياسية لإخراج التشكيلة الحكومية من دائرة الاستئثار وفرض الشروط وإلا الدوران في حلقة مفرغة تضرّ الجميع دون استثناء.