بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الأول 2019 06:05ص التيّار الوطني الحُرّ نحو هبوط آمن في معارضة حديثة من خارج النسق السلبي

مراجعة لـ3 أعوام من الكسل الحكومي والمكائد وتراجيديا تشرين 2017 و2019

حجم الخط

ثمة شعور لدى التيار أن المعني بالإستقالتين- المأساة لم يكن  على قدرهما


عاد التيار الوطني الحر الى المعارضة بـ soft landing سياسي من النوع السهل الممتنع. لا ريب أنه فاجاء حلفاءه على حين غرّة، لكن خصومه، وخصوصا أولئك على المستوى المسيحي، كانوا أكثر المتربّصين وأكبر المصابين، فأتى ردهم حزبيا أمس بقطع أوتوستراد جل الديب بذرائع لم تعد تجد صداها لا سياسيا ولا شعبيا. 

مواكبو آليات إتخاذ القرار في التيار لم يفاجئهم ما أعلنه جبران باسيل على دفعتين، الأسبوع الفائت ومن ثم في المؤتمر الصحافي الصاخب أول من أمس. لا يستوي بالمطلق الحديث عن مناورة.

في الأصل كان باسيل واضحا في أنه يمهّد لهذا الخروج الى رحاب المعارضة منذ أشهر. وكانت أولى بشائره الفعلية في خطاب 13 تشرين الأول الذي ألقاه في مهرجان التيار في الحدث. وهو أعلن بوضوح أن من غير الجائز أن يبقى الأداء الحكومي على ما هو عليه من مراوحة، فيما البلد يزحف باطّراد صوب الانهيار المالي والاقتصادي. وحدّد 31 تشرين الأول موعدا أقصى للمهادنة، سائلا رئيس الجمهورية بأن «إضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة «. لكن الناس سبقت الموعد، وكانت الانتفاضة.

حينها كانت المراجعة داخل التيار تنحو صوب عملية نقد واسعة لمآلات التفاهم الرئاسي مع وضع لائحة بإيجابياته والسلبيات، ومنها الإيغال في الكسل الحكومي غير المفهوم ولا المبرر، فيما الحاجة ماسّة الى دينامية مفقودة والى رؤية معدومة. لذا حطّ الرأي على إعطاء فرصة أخيرة حتى نهاية تشرين، وإلا القرار الحاسم بالخروج من الحكومة، بما يؤدي الى إقالتها. وعندها ليتحمّل المسؤولية القائمون على الكسل وإنعدام الرؤية والتقاعس عن أداء الواجب. 

في أي حال، قرار الخروج من السلطة كان لا بدّ منه:

أ-فالثوب الذي إرتضاه التيار لنفسه عقب التفاهم الرئاسي، وخصوصا في الأعوام الثلاثة الفائتة، بات يضيق به وعليه لألف سبب وسبب، ليس أقلها أنه دفع أثمانا باهظة بين جمهوره وفي نظر اللبنانيين عموما، في مقابل فتات مما رَسَم له وتطلّع إليه من إنجازات جمّدها أو أخّرها الكسل الحكومي وبعض من مكائد إختلط فيها القريب بالخصم، والكثير من المشاريع المعطّلة -تواطؤا وتآمرا- كل ذلك معطوفا على الاستهداف المباشر لرئيسه بصفته التمثيلية والسياسية على رأس التكتل النيابي والوزاري الأكبر، ولكن أيضا بواقع أنه الذراع التنفيذية لرئاسة الجمهورية، واستمرارا لنهج وعهد. 

ب-في مكان ما، تحوّلت الحرب الشعواء على التيار ورئيسه لقطع الطريق عليه في ملفاته الإصلاحية والسياسية، إستهدافا مباشرا للعهد نفسه، وسعيا دؤوبا لإستنزافه حتى السنة السادسة، بما يتيح قطع الطريق على أي إستمرارية يُتهم العهد بها أو يسعى إليها. وتاليا كان لا بد من أن يتحرر التيار من هذه الاثقال ويحرر العهد منها، بما يتيح له العودة الى الجوف في عملية نقد ذاتية مطلوبة، والى إبطال أي ذرائع هي أو ستكون في متناول مستهدفي العهد. 

ج-أتاح قرار التيار مساحة سياسية (حوارية) جديدة تؤسس أو تسهم في فتح أفق جديد على مستوى العقدة الحكومية، والأهم أنه يحجب عن بعض المستويات السياسية أي إمكانية للاستمرار في المناورات الحكومية والمناوشات المعروفة الأغراض، ويضع كل الافرقاء أمام مسؤولياتهم الوطنية، بما يتيح السير في خيار إنقاذي واضح المعالم عبر حكومة إختصاصيين من رأسها حتى أخمصها تأخذ على عاتقها عملية النهوض بالبلد والاقتصاد المنهار، وإلا فليتصدى لهذه المسؤولية من قاد السفينة شخصيا الى القعر عبر السياسات الإغراقية ماليا وإقتصاديا.

د-تخطّت، وربما إلتفّت قيادة التيار بقرارها على كل ما قيل -أو نُسب وصيغ- عن فيتو أميركي – أوروبي على توزير جبران باسيل، بما يتيح التأسيس لمرحلة جديدة من العمل السياسي والحزبي. 

د-كل ذلك، يؤدي حكما الى طرح مسألة الجدوى من الاستمرار في التفاهم الرئاسي الذي صيغ بتانّ على أساس أن «ندخل معا الى الحكم ونخرج معا في نهاية السنة السادسة». لكن الواقع لم يطابق المأمول، فمرّ التفاهم بمعموديات نار عدة، أبرزها إثنان: محنة تشرين عام 2017، وإستقالة تشرين 2019. في الواقعتين – المأساتين، ثمة شعور لدى التيار بأن المعنيّ بهما لم يكن على قدرهما. 

هـ - أما المعارضة فستكون بحلّة حديثة، من خارج النسق السلبي الذي طبع أداء الأحزاب التقليدية. وهي بالتأكيد لن تكون لا كيدية ولا ردة فعل شعواء، ولا معارضة سوداء للعرقلة والتدمير. وتاليا، يتطلع التيار الى الاثنين المقبل على أنه بداية مرحلة سياسية جديدة يعوّل عليها بدء مسيرة الإنقاذ.