بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2019 06:05ص الثورة أمام مُفتَرق طُرُق... ووجهتان تتنازعها

باقية في الساحات وترفض ممارسات الشارع

حجم الخط
لا يختلف إسم الوزير الأسبق حسان دياب لترؤس الحكومة، عن غيره، بالنسبة الى الحراك، ويبدو الاعتراض عليه مشابها، نسبيا، لتلك الاعتراضات التي علت على إسمي الوزير الأسبق محمد الصفدي والمهندس سمير الخطيب، وطبعا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي يشكل جزءا من الطبقة السياسية التي رفضها الثوار.

لكن الأمور حول دياب لا تتخذ التشنج الذي حصل حيال الأسماء الأخرى التي تعاطى معها الحراك برفض متوتر وعالي النبرة، وهو الذي جاء ترشيحه سريعا لتجنيب إسمه «الحرق» كما حصل لغيره، قبل ساعات من الاستشارات النيابية، علما أنه كان مطروحا في الفترة الأخيرة وإن في شكل غير علني.

وبغض النظر عن هوية من اقترحه أولا، هل هي القوى التي تعرف بمحور «8 آذار»، أم أنه الحريري نفسه كما تؤكد مصادر مقربة من عائلة دياب، إلا ان الاعتراض الأكبر عليه أتى من قبل أنصار الحريري الذين اعتبروا ان «لا ميثاقية» لتسمية دياب، وهو توصيف رمزي كون الميثاقية هي في التأليف وليس في التكليف، لكن الأهمية تكمن هنا في رفض الجزء الأكبر من الشارع السني لدياب كونه ليس ممثلا حقيقيا له أو لتمثيله النيابي. 

والواقع أن حراك الثورة يجهد لتمييز نفسه عن تحرك أنصار الحريري وهو يعتبر أن ما حصل أحدث تشويها للثورة كونه انطلق من دوافع مذهبية، وأن الحراك، غير الطائفي، قام في الأصل رفضا للطبقة السياسية برمتها.

من يجول بين المنتفضين يخلص الى أن حالة التململ لا تختلف عن السابق، لكنها اليوم أهدأ، إذ يعتبر الحراك انه حقق إنجازا جديدا باستبعاد الحريري بعد أن دفعه سابقا الى الاستقالة، لكن نقطة الضعف هنا تتمثل في عدم طرح سؤال خروج الحريري ككبش فداء لما حصل، بجديّة، بينما يستمر كلا من رئيسي الجمهورية الماروني، ومجلس النواب الشيعي، على عرشيهما الطائفيين.

يُقر المنتفضون بأن الهدف المطلق للثورة لا يزال يتمثل في إسقاط السلطات الطائفية كافة، ولكن، في المقابل، سيكون على عليهم خوض الحرب على الطائفية عبر مراحل طويلة وشاقة. وانطلاقا من رفضهم للمحاصصة الطائفية، يؤكد من هم في الساحات بأن دياب هو جزء من الطبقة السياسية المرفوضة من قبل الثورة، لكن الحراكيين يختلفون في تقييم ما حدث وأساليب المواجهة.

 مشهد الثورة

يُسجل لدى بعض الشرائح في ساحتي الشهداء ورياض الصلح عدم رفضه المطلق لتسمية دياب. والواقع أن وجهة النظر هذه ليست جديدة. ففي الايام الماضية خرج من يقول بعدم الجدوى من حرب عبثية مع السلطة، ويدعو الى تسوية مشرفة معها بعد شهرين من المواجهة. 

لا خريطة محددة لهذا الرأي كما لغيره المتقارب معه نتيجة توسع ساحة الثوار وتداخلها، ومن الممكن الحديث عن المشهد الرئيس للساحات على هذا النحو: مجموعات كثيرة تنضوي في إطار تيارات أكبر، تتداخل مع بعضهاالبعض ثم تخرج من أطرها لتنضوي في أطر أخرى لتترك ساحتها من جديد لمجموعات جديدة. هذا هو المشهد في «هيئة تنسيق الثورة» على سبيل المثال.

وفي موازاتها هناك ما يعرف بـ«كلنا وطني» الذي يضم مجموعات مدنية ذات احترام لدى المحتجين، برزت منذ التحركات الأولى في العام 2015 وليس من الآن. لكن ما يعيبها يتمثل في نخبويتها و«طبقيتها الثقافية» كما يصفها البعض.

وإلى جانبهما يقف «المرصد الشعبي لمكافحة الفساد» الذي ينشط حقوقيا لمساعدة المحتجين والموقوفين ويحظى بتأييد على الأرض، و«حزب سبعة». وعلى مقربة من هؤلاء، يتمحور الحزب «الحزب الشيوعي» ومجموعات يسارية أخرى منذ الأيام الأولى للحراك. 

على أن الأهم يتمثل في مشهد سطع مؤخرا ويتمثل في أعداد كبيرة من الطلاب يصفها من في الثورة بأنها «روحها» التي رفدت الساحات بما يلزم وستزودها مستقبلا برصيدها الشعبي. هي مجموعات طالبية من جامعات مختلفة ذات نفس حداثي، تتحرك بعيدا عن أي انضباط وتنتقل من مكان الى آخر في شكل عفوي وتلقائي، وتجتمع في «غروبات الواتساب» حيث ملتقاها الحقيقي وغرف عملياتها البعيدة عن أية التزامات للتيارات وللأحزاب. 

 إعتدال وراديكالية

 مع تسمية دياب رئيسا للحكومة، ظهر التباين الذي كان خافيا في الماضي، وخرج من الأروقة المغلقة الى العلن. 

هو ليس حول الهدف النهائي للثورة، بل يتمحور حول الأسلوب الأجدى لهذا الهدف. بين من يدعو الى هدنة لصالح الثورة نفسها، ومن يطالب بحرب لا هوادة فيها ضد السلطة.

لكن على وجه العموم، لا يزال الجميع على رفضه لتسمية من غرف من السلطة ومن سمته الأحزاب، لكن الواقع ان صوت المجموعات المطالبة بالتريث لمعرفة شكل الحكومة وإعطاء دياب وقتا، إرتفع، خاصة وان دياب قد وعد بحكومة يهيمن الإختصاصيون عليها.

تمايز موقف «هيئة تنسيق الثورة» ومعظم المجموعات الناشطة في الجنوب والبعض في طرابلس إضافة الى مناطق أخرى، عمّن يدعو الى حرب مستمرة لا تعرف هدنة مع السلطة، وإن بتأن. وجهة نظر هؤلاء تتمثل في أن دياب غير فاسد ويتمتع بالكفاءة، وأن الوضع في البلاد لا يحتمل المزيد من النزيف، ويجب العمل على تجنّب الانهيار الكبير الذي سيُسقط الجميع.

على أن وجهة النظر هذه تقوم على أهمية الاستمرار في الشارع وأن يكون الثوار رقباء على سلطة قد تلجأ الى التسويف والمماطلة. هم لا يثقون في السلطة ويرون بضرورة تشكيل مجلس نيابي رديف في الشارع. طبعا، لا يشكل هؤلاء وجهة نظر موحدة، إلا انه موقفها العام.

في موازاة ذلك، ترى غالبية نسبيّة من المنتفضين ان ما تحقق ليس ما تريده الثورة، وإلا لما كانت قامت أصلا في 17 تشرين الأول الماضي. هي تعتبر ان ما حصل هو تصفية للحسابات بين أركان سلطة أبعدت الحريري، وحافظت على الستاتيكو السلطوي القائم. هو باختصار صراع على السلطة تم عبر إخراج سلبي وليست الثورة معنية بما حصل.

إضافة الى ذلك، يعتبر هؤلاء أن دياب ليس شخصية المرحلة، وهو لن يستطيع مقارعة المتمرسين في السلطة، أو انه قد جاء بدعم منهم وسيكون عليه تنفيذ كل ما يطلبونه منه.

أصحاب وجهة النظر هذه يجتمعون ضمن فئات مختلفة ومتداخلة في ما بينها. ويُعتبر تحالف «كلنا وطني» و«المرصد الشعبي لمكافحة الفساد» أبرزها. وإلى جانبهم يقف «حزب سبعة» الذي لا يرى في دياب استقلالية عن القوى التي «عينته» من أحد المحاور، وهو يرفض كل اصطفافات ٨ و١٤ آذار.

من جهته، يمثل «الحزب الشيوعي» الثقل الأكبر في حراك بيروت والمناطق، وهو يرفض تسمية دياب من حيث المبدأ، لكن تعيبه «سلبية» تجاه تحركات الشارع و«رفضية» يعاني منها شركاؤه في الثورة ما يجعل من ثقله الشعبي غير فعّال.

 زخم الحراك

 يُجمع كل من في الساحات على ضرورة الاستمرار فيها، وبينما ستتسم تحركات المترقبين لتشكيلة الحكومة بالهدوء، يقارب راديكاليو الثورة الموقف بحذر ودقة، ولا يدعون الى تحركات متوترة في الشارع. لكن الأمر لا يسقط نفسه على الطلاب المنضوين في مجموعات الـ«واتساب» الذين قد يلجأون في أية دقيقة الى النشاط في الشارع واستهداف اماكن وجع السلطة ورموزها، وهم يشكلون عُصارة هؤلاء الراديكاليين!  

يقر الجميع بأن زخم الحراك سيتأثر مع هذه الاختلافات، لكن كثيرين من الرافضين لوقف التحركات يرون أن توقف الحراك اليوم سيعني انتهاءه. ولذلك، تمت الدعوة الى تظاهرة غدا في ساحة الشهداء قد تجمع الفئات العديدة من الثوار الذي يصرون على البقاء في الشارع للضغط على السلطة وهم يعلمون تماما طبيعة المواجهين لهم.. من الداخل والخارج.