بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 تموز 2019 12:02ص الجامعيون.. والسياسيون

حجم الخط
منزلة الأستاذ الجامعي كبيرة في المجتمع وبين الطوائف المتباينة التي يتألف المجتمع اللبناني خصوصاً منها على رقعة ضيقة...

مكان الأستاذ الجامعي الطبيعي ليس بين المصفّقين والمهللين، بل بين الدعاة الحقيقيين والروّاد وأهل القيادة الأفذاذ.

المجتمع السليم يصيخ إلى الأستاذ الجامعي بأذنيه، ويأخذ عنه ومنه آيات البيان، ويعدّه في منزلة المعلّم الموجّه، ويجزل له من أسباب الحرية الفكرية والكرامة الإنسانية ما يهيّئ له سبل التبريز والإبداع واستقلال الرأي.

الأستاذ الجامعي عقل وضمير ورسالة: عقل يستوعب المعارف ويتمثّلها ويُنضجها، وضمير وازع يسهر على الحفاظ على المبادئ والمُثل، ورسالة يجدُّ في تحقيقها ويسعى لنشرها. وهو رائد القوم وإمامهم وعقلهم المفكّر، وذهنهم الخلّاق وصوتهم المدوّي في الآفاق. والأستاذ الجامعي يجمع ولا يفرّق وخصوصاً على مقاعد الجامعة الوطنية. وهو أجدى على أمته من كثرة أو نخبة حاشدة من أهل التدجيل والنفاق.

أهداف الجامعي تسمو عادةً عن المآرب الوضيعة، وتتطلع إلى الآفاق المترامية النائية، لأنّ شغله الشاغل هو القيم العلوية والحياة المثلى والالفة الإنسانية والمعاني الخالدة الباقية.

الأستاذ الجامعي يغرس في النفوس - ومنها نفوس بعض السياسيين والتجار ومَن إليهم - حب الخير والفضيلة، ويدعو إلى الاخاء والمؤانسة، ويرفع معه الأبصار إلى قنن المعارف السامقة، ويحرض على احترام العقل المروحَن وتوقير الكلمة الفاعلة ورعاية سنن العلم من نزاهة وجديّة وتجرّد واستهداف للمصلحة الوطنية والبشرية العليا، مما يتنافى وكثير من مواطن المركنتيلية والذرائعية والوصولية التي تسود لدى بعض السياسيين واتباعهم.

من الجامعيين الوطنيين مَن شاد بمآثره دعائم أمة، كما فعل الشاعر إقبال في نصف القارة الهندية، ومنهم من صاروا المفاخر القومية والوطنية حتى ولو اضجرتها أحوال الحياة العصيبة، فلنحذر غضبها!...

ولا شك في ان عقولاً نيّرة صارت أخلد من جميع العقول التي عاصرتها وتلقّت بالحيلة أو القوة أو الفساد الأضواء الباهرة التي تعمي ولا تجدي!

السياسيون الشرفاء العقلاء يستزيدون من رصيد العقول النيّرة وتفسح لها مجال الإشراق والإنطلاق. وقد يستفيد السياسيون من هذا الإنطلاق وذاك الاشراق..

عقلٌ واحد مفكّر جامع ومستنير خير من ألف عقل خامل بليد متمرغ في حمأة الحياة الرتيبة أو الفاسدة لدى أناس لا يجمعون بل يفرّقون لعلهم يسودون!

مكان الأستاذ الجامعي (فعلاً!) هو مكان الرأس من الجسم. فهو متبوع لا تابع، صوتٌ لا صدى، مبدع لا مقلّد، رائد لا ذنب، ممهّد للطريق لا قافياً للأثر. انه عقل الجماعة وعينها المبصرة وذهنها الوقّاد وأستاذها الجهير ونبضها الذي لا يخفت. والجامعي الوطني لا يُصنَع ولا يعيَّن بحصر المعنى، بل يُخلَق خلقاً وتأتيه الموهبة ساعية إليه.

من المهانة إذاً أن يجاري أساتذتنا السوقة في مباذلهم والاقتطاع من حقوقهم البديهية دليل على الفساد والافساد بالذات، الأستاذ في الجامعة الوطنية على الخصوص، من شأنه أن «يصنع» لمجتمعه كبار السياسيين ومَن إليهم. أما هؤلاء فإنْ هم صفت نواياهم وتألّقت عقولهم، أليس من شأنهم أن «يصنعوا» أستاذاً ابتدائياً واحداً! أساتذتنا يتشرفون من عليائهم بأنشطة مجلوّة وفكر ملتمع ومعانٍ ذات سمو، فمكانهم بين الصقور البواشق لا بين بُغاث الطير!